لو أن حياتنا مستمرة

21 ابريل 2018

(ضياء العزاوي)

+ الخط -
قبل سنوات، أعلن عالم وأخصائي الجينات في جامعة كامبريدج، أوبري دي غراي، عن خريطة طريق لإطالة عمر الإنسان، عبر تغيير الخلايا في الدماغ، للتحكّم في الشيخوخة. وكان الباحث في جامعة هارفارد، جورج إيفان كاستينو، قد أعلن أيضا عن إمكانية إطالة عمر الإنسان عبر التحكّم بجزيئات البروتين (GSK3)، والتي تعد المسؤولة عن تقصير الحياة الطبيعية لدى البشر. وثمّة عشرات بل مئات من الأبحاث والتجارب التي تهدف إلى إيجاد طريقة لمد عمر الإنسان، وتأخير الشيخوخة أطول مدة.
شكّل البحث عن الخلود، منذ بدء الخليقة، هاجسا كبيرا لدى البشر، فمعظم أساطير الحضارات القديمة وقصص الآلهة كان منطلقها الأول طرد فكرة الموت والبحث عن الخلود. وكان المنطلق الأول للأديان السماوية التي تحدثت عن الحياة ما بعد الموت والثواب والعقاب والفراديس وجنان الخلد هو في كيفية التصالح مع فكرة الموت، أو الإجابة عن سؤاله وعن سؤال الأبدية والخلود.
لم تبتعد الفنون والعمارة القديمة أبدا عن موضوع البحث عن الخلود، رحلة جلجامش كلها، والملحمة العظيمة التي كتبت عنه، كانت للبحث عن عشبة الخلود التي أكلتها الأفعى، وعاشت بعدها مئات السنين، بينما مات جلجامش باكرا. هل لهذا تسمى الأفعى في العامية (الحية)؟ هل لأنها تناولت عشبة الحياة؟ ما الذي حدا بالفراعنة إلى بناء الأهرامات، ووضع كل ما يلزم لحياتهم إلى جانب جثثهم المحنطة غير الاقتناع، النابع من الرغبة والأمل والتمني، بأنهم سوف يعودون إلى الحياة بعد مدة. لهذا يجب أن يبقى الهيكل الجسدي كاملا، كي تعود إليه الروح، حينما يحين موعد عودتها. حين بنى الإمبراطور شاه جاهان الضريح الشهير، تاج محل، ليضم رفات زوجته، ممتاز محل، كان يأمل بأن يلتقيها في الحياة الثانية في ذلك القصر البديع.
ليست الحياة الثانية سوى رغبة بشرية بالخلود، وهو ما يؤمن به كثيرون من أتباع الديانات الغنوصية. معتقدات كالتقمص والتناسخ ليست سوى أفكار تقف في مواجهة الموت ومحاولات صده، آلية دفاع تبدأ شخصيةً، ثم تمتد لتصبح جمعيةً لمواجهة هذا المجهول الغامض المرعب، الموت الذي لا يعرف عنه أحد شيئا، ولم تقدّم لا الفلسفات ولا الأديان ولا العلم أجوبة شافية ووافية عنه.
لكن دعونا نتخيل أننا خالدون، وأنه لا يوجد موت، كيف ستكون طبائعنا؟ نحن البشر، ونحن نعلم أن حياتنا قصيرة، نصنع الحروب، ونبث الكراهية، لسبب وحيد، هو الرغبة بإظهار التفوق والتميز عبر القوة والسيطرة والامتلاك. تخيلوا كمية الكراهية التي ستحدث بين البشر، لو أنه لا يوجد موت، في محاولة السيطرة الأبدية على العالم.
الموت بشكل ما يقطع حبل الضغينة. تخيلوا لو أن هذه الضغائن والأحقاد مستمرة إلى الأبد بين الأشخاص أنفسهم. تخيلوا أيضا مقدار الملل الذي سيصاب به الجميع، ومقدار الحيادية تجاه كل الأشياء، لو أن حياتنا مستمرة، إذ تنتهي الحياة بموتنا الشخصي، لا وجود لأي حياة حين نموت. إدراكنا هو ما يجعلنا نرى الحياة. الموت ينهي الإدراك، وبالتالي ينهي الحياة. ننحاز في الحياة لما نحب خشية فقده بعد مدة، هذا الفقد هو ما يجعلنا نحب ما حولنا. لو أننا مستمرون إلى الأبد، لفقدنا الإحساس بماهية أنفسنا وماهية الآخرين والأشياء حولنا، كيف سنستمتع بالجمال، إن كان باقيا إلى الأبد؟ ما يخلق الشغف بالحياة هو فقدها بعد فترة، هو الوعي بفقدها. لو أن الحياة أبدية لألغيت مفردة الشغف من اللغة، الحب، الطعام، الشراب، الجنس، الأمومة، الأبوة، الصداقة، الفن، الأدب، الحرية، الفرح، الحزن، الغضب، الكراهية، التجمل.. كلها مصادر لأفعالٍ نقوم بها بشغف، لأننا ندرك تماما أننا سنفقدها بعد حين. لو أن الحياة أبدية لأصبحت هذه الأفعال باهتةً ومملةً، وبلا أي طعم أو معنىً أو لذة. لو الحياة أبدية لتحولنا إلى مجرد روبوتات، نقوم بما علينا القيام به ميكانيكيا، بلا أية مشاعر أو أحاسيس.
ولكن. لمَ لا تطول أعمارنا قليلا فعلا، لمَ لا تكون مراحل شبابنا أطول؟ لمَ على أجسادنا أن تخوننا، بينما تبقى قلوبنا وأرواحنا تواقة وشابة؟ هل يفعلها العلم حقا، ويطيل عمر الإنسان ويؤخر شيخوخته وموته؟ قطعا إن حدث هذا، فلسنا من سيستمتع به. ومثل كل الأشياء المهمة في الحياة، سيكون من نصيب الأغنياء. أما فقراء الأرض فلهم الحروب والأمراض والموت المبكر والسريع.
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.