يلاحظ عدد من المراقبين، أن ليون هو من اتصل هذه المرة برئيس الحكومة عبدالله الثني، ولم يُدخل مجلس النواب المُحل في طبرق في هذه المفاوضات، وذلك في رأيهم بسبب الأثر الذي تركه حكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا الليبية، الذي قضى بعدم شرعية مجلس النواب، رغم عدم اعتراف ليون به بحجة أن الحكم القضائي لا يزال يخضع لدراسة فريق قانوني دولي.
في المقابل، فإن برناردينو ليون سينقل شروط الثني إلى رئيس المؤتمر الوطني العام نوري بوسهمين، والذي عليه الرد عليها بالرفض أو الموافقة أو التعديل أو وضع شروط تفاوض، أي أن مجلس النواب الليبي في طبرق خرج من المحادثات من باب، ودخل منه المؤتمر الوطني العام كطرف رئيسي.
كما لاحظ المراقبون أن الثني لم يضع ضمن شروطه وقف إطلاق النار، ولو لأسباب إنسانية، خصوصاً في المناطق المنكوبة في ككلة في غرب ليبيا وبنغازي في شرقها، واللتين أُعلنتا مدينتين منكوبتين، ويعلل المراقبون ذلك بأن الثني لا يملك حق وضع هذا الشرط المتعلق بوقف إطلاق النار، معتبرين أنه يمثل الحلقة الأضعف في الدوائر المؤيدة لمجلس النواب الليبي المُحل بطبرق، وعملية الكرامة بقيادة اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، حتى أن بعض مناصري الثني شنوا عليه هجوماً لاذعاً في قنوات مصرية وأخرى ليبية، في رسالة قُرئت على أنها رفع السقف عن الثني.
ويتجلى ضعف الثني في عدم امتلاكه أية قدرات مادية أو بشرية لتنفيذ قراراته، ولا يملك كذلك الموارد المالية اللازمة، وتتحرك حكومته في إطار جغرافي ضمن شريط ضيق في الجبل الأخضر، لا يتعدى الثلاثمائة كيلومتر ما بين مدينة البيضاء وطبرق شرقها.
وبحسب المتابعين، فإن الثني يعي أنه لو تجرأ ووضع ضمن شروطه، وقف إطلاق النار، فقد يكون رصاصة الرحمة الأخيرة على مستقبله السياسي. كما يدرك أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، تحاول الضغط على جميع الأطراف الليبية للقبول بحكومة توافق وطني لن يكون الثني بأي حال من الأحوال جزءاً منها، لكن على الأقل عليه أن يضمن لنفسه مستقبلاً شخصيّاً ضمن دوائر تحالفاته.
وفي قراءة أولية لشروط الثني الخمسة، يرى البعض أنه رفع سقف شروط التفاوض كمنطق طبيعي لمفاوضات ستأخذ وقتاً طويلاً، ويمكن أن يتم التنازل عن بعضها أثناء سير العملية التفاوضية، ومن المتوقع أن يرفع رئيس المؤتمر الوطني العام، نوري بوسهمين، بدوره سقف شروط التحالفات التي يمثلها، حيث سيطلب بوسهمين من برناردينو ليون اعتراف مجلس نواب طبرق بحكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية، ومطالبة هيئة الستين لكتابة الدستور في مدينة البيضاء شرق بنغازي بتقديم مسودة الدستور للاستفتاء عليها شعبيّاً في نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل.
أيضا يحاول الثني، من خلال شروطه، أن يضع الطرف الآخر في العملية التفاوضية في صورة الرافض لمبدأ التداول السلمي للسلطة، ولمبدأ محاربة الإرهاب وتقديم المسؤولين عن ارتكاب جرائم للعدالة، أو المعرقل لتكوين جيش وشرطة وطنيين.
وكأن الثني يريد من خلال هذه الشروط أن يقول لبرناردينو ليون، إن المؤتمر الوطني العام وحكومة الحاسي وقوات "فجر ليبيا" غير ملتزمين بشروط قيام الدولة الليبية، حيث أنهم يرفضون مؤسساتها.
من المفارقات بحسب المراقبين أن الثني، عندما وضع شروطه، كان القضاء الليبي قد أصدر مذكرة اعتقال في حق اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، وعدد من معاونيه العسكريين، ولم يسبق لحكومة الثني أو مجلس النواب المُحل أن شككا في النائب العام من ناحية خضوعه لضغوط أم لا، إذ أنهما، وفي أكثر من مناسبة كانا يطالبانه بإجراء تحقيقات، كان آخرها في حادثة اعتراض طائرة مدنية تقل نوّاباً من طبرق إلى غات، جنوب ليبيا.
اليوم، يرى كثيرون أنه على الثني الالتزام بتعليمات النائب العام الذي يعترف الثني بشرعيته، وأن يقوم باعتباره رئيساً للحكومة بالقبض على اللواء حفتر، وعدد من معاونيه وتقديمهم إلى التحقيق والمساءلة القانونية تنفيذاً للقرار القضائي. كما أن الحديث عن "إرهاب فجر ليبيا" التي تسيطر على العاصمة طرابلس، لم يعد ذا قيمة كبيرة، إذ أن مجلس الأمن الدولي في قراره لم يدن قوات فجر ليبيا أو يضعها على لائحته السوداء المتعلقة بالمنظمات الإرهابية، وبالتالي محاولة إقحام مسألة الإرهاب مع فجر ليبيا أو المؤتمر الوطني العام من دون سند دولي، لن يجعل لهذا الشرط قيمة في عملية التفاوض.