وطالب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، في بيان أصدره في وقت متأخر أمس الجمعة، المجتمع الدولي وبعثة الأمم المتحدة "بأخذ إجراءات عملية أكثر حزماً وفاعلية لوقف الحرب وحماية المدنيين"، في إشارة واضحة لعجزه عن إجبار الملشيات على الخضوع لوقف إطلاق النار، ولا سيما أن بعضها يتبع وزارة داخلية حكومته.
وفي بيانات متعددة تبادلت الأطراف الاتهامات بخرق الهدنة، منذ بدء القتال صباح الثلاثاء الماضي، باستخدام أسلحة متوسطة وثقيلة بشكل أساسي في مناطق "طريق المطار" و"مشروع الهضبة" و"خلة الفرجان" و"وادي الرببع"، بين لواء "الصمود" القادم من مصراتة، والأمن المركزي بابي سليم التابع للحكومة، قبل أن تتسع رقعة المواجهات بدخول اللواء السابع وقوة الردع الخاصة و"كتائب ثوار طرابلس"، لتمتد إلى عدد من الأحياء البعيدة بالإضافة إلى خزانات نفط بالحظيرة النفطية.
وفيما استمرت الصفحات الرسمية التابعة للمليشيات المتقاتلة بنشر بيانات تتهم بعضها بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، نشرت صفحة اللواء السابع صوراً ومقاطع فيديو تظهر وصول جنود وأسلحة كتعزيزات لقواتها في جنوب شرق طرابلس، مذيلة تلك المشاهد بعبارات "يوم النصر قد اقترب". وفي منشور آخر يقول إن اللواء "ينتظر ساعة الصفر".
بدورها، أبرزت صفحة الأمن المركزي بأبي سليم، التابع لحكومة الوفاق، وصول فصائل مقاتلة جديدة تنتمي للتيار السلفي المدخلي إلى ساحات القتال، معلنة انطلاق عملية عسكرية تحت مسمى "بدر"، والسيطرة على معسكر اليرموك جنوب شرق المدينة.
ميدانياً، أفاد شهود عيان بأن مناطق خلة الفرجان ومشروع الهضبة ووادي الربيع لا تزال تشهد تكديساً للأسلحة والمقاتلين، فيما يشبه استعداداً لمعارك أخرى.
وقال الشهود لـ"العربي الجديد"، إن "مليشيات اللواء السابع استقدمت عشرات المقاتلين والأسلحة إلى مناطق سيطرتها جنوب شرق المدينة"، مشيرة إلى أن المناطق المذكورة تكاد تكون خالية تماماً من سكانها بعد تصاعد القتال بشكل غير مسبوق يوم أمس الجمعة.
وفي مؤشر يدل على عنف المواجهات التي شهدتها المنطقة، أمس، قالت وزارة الصحة في الحكومة، إن ضحايا الاقتتال بلغت 15 قتيلاً بينما أصيب العشرات بينهم مدنيون، مشيرة إلى أن هذه الحصيلة قابلة للازدياد، كما أنها لا تشمل قتلى وجرحى اللواء السابع.
ومنذ اندلاع المواجهات انقسمت الأطراف المتقاتلة بين طرفين، الأول اللواء السابع القادم من ترهونة ولواء "الصمود" القادم من مصراتة، يقابلهما الأمن المركزي بابي سليم وكتائب ثوار طرابلس، وقوة الردع الخاصة، وقوة النواصي، بينما وصلت قوة مكافحة الإرهاب من مصراتة وقوات المنطقة العسكرية الغربية من الزنتان بتكليف من حكومة الوفاق للدخول إلى مناطق الاشتباكات وفضها والتمركز في مناطق التماس، دون أن تنفذ تكليفها حتى الآن.
لكن خريطة الصراع، مع الوقت، اجتذبت أطرافاً مسلحة أخرى، وسط غموض واضح في موقف الحكومة من القوات التي كانت تمثلها وتتبع وزارة داخليتها.
لكن اللافت في تغير خريطة المسلحين ظهور فصيل مسلح، ظهر أمس الجمعة خلال فيديو متداول بشكل واسع، يعلن باسم "قوة حماية طرابلس" المشكلة بقرار رسمي من وزارة الداخلية، إطلاق عملية عسكرية ضد قوات اللواء السابع ولواء "الصمود" تحت اسم "عملية بدر"، ورغم أن المسلحين الذين ظهروا في الفيديو ملثمون، يظهر الخطاب الذي ألقي به بيان العملية بشكل جلي انتماءهم للتيار السلفي.
وبعد ساعات من إعلان تلك المجموعة، أعلن الأمن المركزي بابي سليم نتائج "عملية بدر" بتأكيد نجاحها بالسيطرة على معسكر اليرموك، فيما يشبه تبنيه لهذه المجموعة التي استخدمت في بيانها عبارات من مثل "الخوارج" وآيات قرآنية تشرع لهم القتال، ما حدا باللواء السابع إلى اتهام من وصفها بـ"مليشيات طرابلس" باستعانتها بـ"داعش" وأنها جلبت فصائل سلفية من جنوب ليبيا تعرف بمجموعة "بحر الدين" وأخرى من مجموعات مصراتة السلفية المسلحة.
بالتزامن، تداول ناشطون عبر صفحات التواصل الاجتماعي فيديوهات وصورا تظهر قيادياً لمجموعة مسلحة من غرب طرابلس، يعرف باسم "فراس وحشي"، وهو يحتفل برفقة شباب مسلحين بالسيطرة على معسكر اليرموك، مشيرين إلى مليشيات ومجاميع مسلحة قدمت من غرب طرابلس دخلت على خط القتال إلى جانب المجموعات الموالية للحكومة.
ويعدّ فارس من أبرز المسلحين وقادة المجموعات المسلحة المتورطة في الاتجار بالبشر، كما أنه عرف كمعاون لــ"أحمد العمو" الذي أعلن مجلس الأمن، في يونيو/ حزيران الماضي، إدراج اسمه ضمن قائمة العقوبات الدولية.
في المقابل، لم تعلن الحكومة حتى صباح السبت موقفها من نتائج عملية "بدر"، خصوصاً أنها حققت انتصاراً كبيراً بسيطرتها على معسكر اليرموك الذي يمثل القاعدة الرئيسية لقوات اللواء السابع.
ومنذ مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري نأت الحكومة في بياناتها الرسمية عن وصف الفصائل المسيطرة على طرابلس بقوات الحكومة، كما كانت تصفها خلال السنوات الماضية، بل شملت بياناتها دعوة إلى قتال تلك الفصائل، كما تحولت لهجة خطاباها إلى التعميم في بياناتها الأخيرة التي هددت فيها "كل الأطراف بعقوبات دولية"، بل طالب أخيراً المجتمع الدولي "بحزم أكثر لوقف القتال" دون أن تشير تحديداً إلى طرف بعينه.