أعلنت السينمائية المغربية، ليلى التريكي، أنها تحضّر فيلمها القادم عن أحد رموز التصوّف، شخصية ابن عربي، وذلك خلال لقاء نُظّم مؤخراً، ضمن فعاليات الدورة التاسعة من "المهرجان الدولي لفيلم المرأة" في مدينة سلا المغربية، حول موضوع "المخرجات السينمائيات بين التدابير الفنية والشروط المادية للإنتاج".
تُعتبر هذه الخطوة، أول تجربة في تاريخ الفيلموغرافيا المغربية تتناول هذه الشخصية وتحاول سبر أغوارها، وهو ما يشي بمغامرة تتعدّى البعد السينمائي، كي تصل إلى "أعتاب ورمزية أحد أهم شخصيات التصوّف العربي الإسلامي"، وفق تعبير المخرجة.
شخصية ابن عربي ليست جديدة على السينما العربية، فقد سبق للفنان التشكيلي والسينمائي التونسي ناصر خمير أن اقتفى أثر صاحب كتاب "الفتوحات المكية" في فيلمه "البحث عن الشيخ محيي الدين"، وهو عمل مزج بين الروائي والتسجيلي ضمن رحلة استقصاء عن "حقيقة ما" تسكن التراث العربي الإسلامي، ويسجّدها وجود أثر لابن عربي في أماكن متباعدة من العالم الإسلامي؛ حيث يسلّط الضوء على أثر رجل عاش في القرن الثالث عشر الميلادي في نفوس معاصرين، من منتمين إلى الفكر الصوفي وغيرهم من باحثين وفنانين، لينتهي الفيلم برؤية حول التصالح مع الذات.
دوافع التريكي ليست بالضرورة هي نفسها دوافع خمير. ولعل انفتاح السينما المغربية على مواضيع بهذا العمق الفكري والمعرفي، سيُعطي لمسار السينما المغربي غنى وعمقاً يرفدان الحراك الذي يشهده المغرب على مستوى الإنتاج.
وإذا كانت شخصية ابن عربي قد ظلت عنواناً كبيراً لـ "حركة التصوّف العربي" بمنجزها الشعري والمعرفي والفلسفي وأسئلتها الأنطولوجية، فالفيلم أيضاً ككتابة بالصورة، يستطيع أن يقدّم منجزاً مضافاً لهذه التجربة، وبالتالي تتبُّع تلك الأسئلة برؤية جمالية مختلفة.
كان ابن عربي يردّد "الحب ديني وإيماني"، وهي فكرة التقطتها السينمائية المغربية، حيث أنها ترى بأن السياق الثقافي اليوم أضحى يدعو أكثر للاهتمام بمثل هذا الفكر، والعودة عموماً إلى الانفتاح على التاريخ ورموزه.
ثمّة إذن تصوّر لمصالحة بين الفن المغربي وتاريخ البلاد المنسي، فالخروج من مرحلة سنوات الرصاص لا بد أن يوازيه اقتراب من بعض "التابوهات"، كما جرى ضرب التابو السياسي على مستوى الصحافة ومجمل وسائل التعبير.
في رغبة التريكي إنجاز فيلم عن شخصية ابن عربي، استجابةٌ أيضاً إلى قناعة عبّرت عنها دائماً المخرجة السينمائية، حول حاجة "السينما المغربية إلى تجاوز إخفاقات السيناريو من خلال فيلم المؤلّف". وقد سبق لـ التريكي أن قدّمت فيلم "دم الحبر" الذي اعتُبر غامضاً، فيما نوّهت حينها إلى اختيارها رؤية عميقة يتقاطع فيها التجريدي والرمزي.
ولعل هذا الهاجس هو ما دفعها إلى تتبع آثار ابن عربي اليوم، كي تُخرج فيلماً قد يشكّل خطوة مهمّة في مسار السينما المغربية.