لا تتوقف المترجمة اللبنانية الألمانيّة ليلى شمّاع عن حلمها بترجمة المميّز في الأدب العربي إلى الألمانيّة. ورغم أنّ "وكالة ألف"، التي أنشأتها لهذا السبب في 2002. في حديثها إلى "العربي الجديد"، تكشف شمّاع عن عوائق كثيرة وقفت وتقف ضد مشاريع الترجمة.
خلال زيارة لها إلى دمشق، زارت شمّاع ذات مرة رئيس "اتحاد الكتاب العرب" في دمشق، وناقشته حول دعم وكالة "ألف" بترشيح أعمال أدبية تدلّ الناشر والقارئ الألمانيّين على المميّز من الأدب في سوريّة، من رواية وقصة ومسرح وشعر. كان رئيس الاتحاد متعاوناً إذ طلب من أحدهم تجهيز مجموعة كتب لها. فرحت شمّاع رغم وزن الكتب الثقيل.
"شوال من الكتب" حملته معها إلى الفندق. ولم تُفكّر في الطعام والتنزّه بقدر ما فكّرت بفتح ذلك "الشوال" وترتيب مفردات كنزها. غير أنها ستُفاجأ لاحقاً بأن كل الكتب كانت للمؤلف نفسه، كلها من تأليف رئيس الاتحاد وحده، شعراً ورواية ومسرحاً وقصصاً ودراسات، وكأنه لا يرى مُبدعاً غيرَه. تذكر شمّاع هذه القصة في لقائها "العربي الجديد"، مشيرة إلى أنها ما تزال حتى الآن تشعر بالصدمة.
تعود شمّاع إلى بداياتها، فتقول: "كنتُ أعمل مترجمةً وأشتغل في تعليم اللغة الألمانيّة للأجانب أيضاً. وكان هناك عدد قليل جداً من دور النشر الألمانيّة التي كانت تنشر ما يُكتب بالعربيّة، لذلك فكّرتُ بتأسيس وكالة "ألف"، كي تكون مثل حلقة وصل بين الثقافتين. كنتُ أظنّ أننا بذلك يُمكن أن نحلّ "المشكلة اللغويّة"، إذ كنت أظنّ أنّ المسألة تتعلّق كثيراً بهذه الناحية، وبأنني أستطيع سدّ الفجوة كوني أتقن اللغتين العربيّة والألمانيّة". هكذا كانت فكرة شمّاع محاولة لتجاوز الحاجز الذي يقف في وجه تدفّق الترجمات من العربيّة إلى الألمانيّة، خاصّة أن ترجمة الأدب الألمانيّ إلى العربيّة قد شهد جهوداً لا بأس بها.
ولكن هل كانت المشكلة اللغويّة الحاجز الوحيد؟ تجيب محدّثتنا: "للأسف اكتشفتُ أنّ المشكلة ليست لغويّة فقط؛ ففي لقاءاتي مع الناشرين الألمان كثيراً ما أعربوا عن رغبتهم الكبيرة في الترجمة. ظاهريّاً كان يبدو لي أنّهم مُهتمّون وينتظرون الاقتراحات حول العناوين والأعمال الجديرة بذلك، ولكن اكتشفتُ أنّ هناك مشكلة أكبر من ذلك بكثير؛ فقد وجدتُ حينها أنّ الناشر الألماني لديه فكرة معيّنة أو رؤية وحيدة في ترجمة الأعمال العربيّة، وكل ترجمة مستقبليّة تكون لتلبية فكرتهم عن ذلك الأدب والمكان. تلك النظرة التي يبدو أنها توقفت عند مزاج كتاب ألف ليلة وليلة، أو ترجمة أحدث فضيحة في العالم العربي".
عادت شمّاع مؤخراً من شمال العراق، حيث كانت تشرف على ورشة كتابة للنساء في مخيّمات اللجوء، ومساعدتهنّ في رواية قصصهنّ من خلال الكتابة. وقبل ذلك شاركت في مبادرة "تشويش"، التي نظّمها "معهد غوته" حول النسويّة في القاهرة. كما تشارك بانتظام في مؤتمرات الترجمة، وتحضر في الترجمة الفوريّة للكتّاب السورييّن الذين يقيمون في ألمانيا.
من يتابع ترجمات شمّاع يجد أنها تركّز أكثر على الكتابات الصادرة في المشرق العربي كأعمال غالب هلسا وعباس بيضون وعلويّة صبح وخالد الخميسي وليلى بعلبكي وإلياس خوري وجرجس شكري، ونجد في المقابل فقط ترجمتين لكاتبتين تونسيتين هما نجاة العدواني (شعر) ومريم بوسالمي (مسرح).
تفسّر شمّاع ذلك بالقول إنّ "المغرب العربي لديه حظ كبير في الترجمة خصوصاً في فرنسا، والترجمة إلى الألمانيّة كانت تمرّ من هناك. المشرق العربي لا يملك هذا الحظ الذي يتوفّر لكتّاب المغرب العربي". هنا تشير إلى أن "فكرة الوكالة هي الترجمة من اللغة العربيّة مباشرة، وذلك بتقديم الاقتراحات والملخّصات إلى دور النشر، وهي تقوم بالعمل مع شبكة مترجميها بعد مراجعة ودراسة الأعمال المقترحة، واختيار ما تريده الدار. أي أن وكالة "ألف" كان دورها تقديم الاقتراحات دون الترجمة، بمعنى أنني لن أكون المترجمة الوحيدة لتلك الأعمال. لكن عاماً بعد عام وجدتُ نفسي وحيدة في غرفة مغلقة".
تضيف: "منذ الثمانينيات كانت هناك دور نشر ألمانيّة، ولو أنها قليلة، قامت بترجمة جيّدة من الأدب العربي، وكانت هذه الترجمة من العربيّة مباشرة، وحققّت حضوراً جيّداً ومهماً، ولكن بدا الأمر في ما بعد وكأن هذه الدور القليلة هي وحدها من تختص بذلك، وبالتالي ابتعد العدد الأكبر من دور النشر الألمانية عن ترجمة الأدب العربي. وكانت الوكالة تهدف أيضاً إلى إخراج الأدب العربي من فكرة "الشرق" ومن دلالاته في ذهن القائمين على دور النشر، وأن تقدّمه كأدب من الآداب العالميّة".
لكن شمّاع تستدرك هنا قائلة: "للأسف لم أستطع تحقيق هذا الهدف. والكتب التي تم ترشيحها لدور النشر العديدة تُرجمت في النهاية من نفس تلك الدور المتخصّصة من قبل في نشر الأدب العربي، ويبدو الأمر وكأننا لم نستطع إقناع الدور الأخرى".
لكن هل تغيّرت هذه الذهنيّة مع مرور الوقت؟ تردّ شماع: "بصراحة يبدو أنّ هناك مشكلة متعددة الجوانب. ولكن ما حدث في شهر أيار/ مايو الماضي من هذا العام كان صادماً؛ قالت لي محرّرة في دار نشر ألمانيّة معروفة، من خلال حوارنا حول الترجمة والترشيحات الجديدة، بأنهم "لا يثقون بالمترجمين". كان كلامها هذا صدمة لي. وهذه الصدمة جعلتني أفهم التركيبة والذهنيّة المتحجّرة لدى دور النشر، وهذا ما سبّب نقاشاً حاداً بيني وبينها. فهمتُ من كلامها أن الناشر والكاتب والمحرر لهم أدوار أساسية أما المترجم فهو بالنسبة لهم شخص طارئ، يخدم الآخرين وينتهي دوره مباشرة".
هناك إشكاليات أيضاً على المستوى العربي، تقول شمّاع: "العوائق من الجانب العربي أكبر. من المفترض وجود جهات ثقافيّة عربيّة، سواء حكوميّة أو غيرها، تدعم وتموّل برامج الترجمة من الأدب العربي، وليس فقط إلى العربيّة. للأسف لا توجد جهات عربيّة محترفة حتى في مجال تعليم اللغة العربيّة في أوروبا، فكيف بترويج الأدب العربي؟ وإذا قارنّا جهود الدول العربيّة بما يقدّمه معهد مثل "معهد غوته" في الترويج للثقافة الألمانية، سنفهم مسؤوليّة هذه الجهات في وضعية الجهل تجاه الثقافة العربيّة في ألمانيا". من جهة أخرى ترى شمّاع أن "العاملين في الشأن الأدبي، من الجانب العربي، يجلسون في عزلاتهم وينتظرون الآخر أن يبحث عنهم ويتصل بهم ويروّج أدبهم".
هكذا، عملت شمّاع في الوكالة وحدها ومن دون توفّر تمويلات، وهو ما جعلها تشتغل في أعمال أخرى إلى جانب الترجمة ونشر الدراسات والتدريس. تشير هنا إلى أنها بحثت عن جهات عربيّة تستطيع أن تتفهّم عمل الوكالة وتقوم بتمويل برنامجها وعملها لكنها لم تجد آذاناً صاغية، وهي تذكر هنا أن هناك من اشترط عليها، مقابل تمويل الوكالة، أن تُترجم فقط الكتب التي يرشحونها لها. تقول: "لم تكن لديّ مشكلة في البداية، فربّما تكون تلك الكتب مما يستحق الترجمة، ولكن للأسف كانت كتباً لا تحمل أيّ إبداع، ليس من وجهة نظري، بل كذلك من وجهة نظر بعض الأصدقاء النقاد الذين تحمّلوا عبء قراءتها".
حكايات كثيرة تحتفظ بها شمّاع في داخلها بالتأكيد وهي تتابع مشروعها. حكايات كثيرة يبدو أنها لا تريد البوح بها الآن، ولكنها أيضاً لا تريد أن تموت فكرة الوكالة، ولا أن تفقد أملها بقراءة الأدب العربي باللغة الألمانيّة كما تقرأ بقيّة الآداب العالميّة.
بيروت - برلين في الاتجاهين
ولدت ليلى شمّاع في بيروت عام 1965، من أب لبناني وأم ألمانيّة. عاشت في بيروت حتى بدايات الحرب الأهليّة اللبنانيّة حين هاجرت العائلة إلى برلين، وهناك حازت الماجستير في دراسات الشرق الأوسط والأدب العربي والعلوم السياسية من "جامعة برلين الحرة". رغم إتقانها اللغة العربيّة، تفضّل شمّاع الترجمة إلى الألمانيّة، لكنها تشير إلى "أمنية كبيرة"، وهي أن تترجم أخيراً من الألمانيّة إلى العربيّة.