في الأعوام الأخيرة، سطع نجم المخرجة اللبنانية لينا أبيض في عالم المسرح اللبناني. إذْ تمكّنت من اكتساب جماهيرية كبيرة بعد تقديمها عدداً كبيراً من العروض الناجحة، مثل "ألاقي زيك فين يا علي" و"هيدا مش فيلم مصري". ومن خلال متابعة نتاج أبيض المسرحي الغزير مؤخراً من الممكن أن نميّز بين خطين أساسيين تسير فيهما أبيض بتوازٍ في تجربتها المسرحية. الأول، يتمثّل بعروض مسرحية تناقش فيها أبيض قضايا جادة، مثل قضية الثورة السورية في مسرحية "نوم الغزلان"، وقضية مرضى السرطان في مسرحية "وصفولي الصبر". وفي الوقت ذاته، تسير أبيض بخط موازٍ، تقدم فيه عروضاً مسرحية متزنة ولكنها مسلية، يغلب عليها الطابع الكوميدي، مثل عروض "حبيبتي ارجعي عالتخت" و"قفص" و"ما فينا ندفع ما رح ندفع".
التقت "العربي الجديد" بلينا أبيض، وفي النقاش حول الأنماط المسرحية التي تقدمها تقول أبيض: "في مسرحية "حبيبتي ارجعي عالتخت" التي قدمناها مؤخراً، والتي كانت تتيح لنا السينوغرافيا فيها مراقبة انطباعات الجمهور، كنت أشاهد الغالبية يضحكون طيلة الوقت، ولكن عندما كنا نصل في نهاية العرض إلى "الكيو آند آيه" ويبدأ النقاش، كان الجمهور يحتد ويناقش قضية العرض بجدية. ولذلك لا أعتقد أن شكل المسرحية يلغي مضمونها، فقد يكون شكل المسرحية مضحكاً، ولكن ذلك لا يفرغها من محتواها الذي تناقشه؛ وهذا الأمر اكتشفته مع مسرحيات رفيق علي أحمد التي كانت تناقش قضايا مهمة بقالب كوميدي؛ واكتشفت من خلال متابعتي له أن الجمهور اللبناني يميل عموماً إلى المسرحيات الكوميدية التي تتمتّع بمضمون جدي. وبالنسبة لي، فأنا أهتم أولاً وأخيراً بمعالجة القضية التي يتناولها العرض، وإيصالها إلى الجمهور، سواء كان ذلك بقالب مضحك أو بدونه. إلا أنني أعتقد بأن تقسيم عملي المسرحي إلى خطين متباينين فيه شيء من الصحة، فقبل أن أقدم مسرحيتي "قفص" و"ما فينا ندفع ما رح ندفع" كنت قد قدمت قبلها خمسة عروض جدية، وأخبرني بعض الحضور أنهم لن يتابعوا أعمالي بعد ذلك، بسبب سوداويتها وقساوتها، كان ذلك بعد عرض "نوم الغزلان" بالتحديد.
وعندها بدأت بالعمل على مسرحية "قفص"، وجربت أن أدفع نص جمانة حداد إلى مساحة مضحكة لا يتضمنها النص، وخصوصاً أن مكان العرض، أي "مترو المدينة"، عوّد جمهوره على نمط خفيف من المسرح، وتكثر فيه العروض الموسيقية والكباريه، وذلك ما جعلني أشعر بأن المكان غير قابل لاستيعاب عرض جدي، ربما المكان هو الذي فرض علينا الشكل المسرحي. ولكن لا يمكن أن نصف عرض "قفص" بأنه عرض كوميدي بالمطلق، فهو مكون من خمسة مونولوجات منفصلة، اثنان منها فقط يبدوان أقرب إلى الكوميديا، فمقطع الفتاة المثلية مثلاً لم يكن فيه ما يضحك فعلاً، وحتى المقاطع المضحكة كانت "ساتيريك" ولم تكن كوميديا تقليدية، ولم أتصور في مرحلة إعداد النص أن الجمهور سيضحك على العرض بهذه الطريقة. أعتقد أن الجمهور بدأ بالضحك مع دخول دارين، الفتاة البدينة التي تفتقد الحب، وربما كان الضحك مرتبطاً بخلفية الجمهور الثقافية، فالغالبية يعتقدون بأن ثنائية الفتاة البدينة والحب هي متجذرة بالكوميديا، بل إن الجمهور اللبناني في كثير من الأحيان يضحك لمجرد وقوف امرأة بدينة على خشبة المسرح؛ ففي مسرحيتي "بس أنا بحبك" التي نعمل على إعادتها، قامت فيها دارين بأداء دور امرأة تم تعنيفها، ولم يكن هذا التعنيف مرتبطاً بشكلها، ولكن أثناء أدائها المونولوج قال أحد الحاضرين "أكيد ما رح يحبك، مش شايفة شكلك"، ليؤكد هذا التعليق على النظرة السائدة لدى الجمهور عن الممثلات البدينات، إذ إنهم يرغبون في حصرهن بأدوار البدينات، وقصص الفشل الرومانسية.
اقــرأ أيضاً
وعما إذا كانت أبيض تحاول من خلال عروضها أن تغيّر بعض الصور النمطية السائدة في المجتمع، تكمل أبيض: "لا أعتقد أن تغيير الصورة السائدة أمر سهل، فهذه الصورة هي نتيجة لسنوات طويلة من العمل في الميديا، ولكن أنا كمخرجة أحاول أن أبدأ التغيير من نفسي، فأنا لا أختار الممثل بحسب شكله، وبحسب الأدوار التي تليق له بحسب العرف السائد، بل إن إمكانات الممثل وجودته هي التي تحدد الأدوار والممثلين في عروضي. وبالنسبة إلى تغيير الصورة النمطية فهي أسهل في المواضيع المحدثة، ففي "نوم الغزلان" حاولنا أن نغيّر الصورة السائدة عن السوريين، وذلك أسهل بالتأكيد من تغيير الصورة النمطية السائدة عن الفتيات البدينات نظراً إلى حداثة الموضوع، ولكن ذلك لا يعني أن المسرح غير قادر على تغيير الصور النمطية القديمة والراسخة. وإذا ما ربطنا موضوع الصورة النمطية بالسؤال السابق، فيجب أن أشير إلى أن بعضهم لم ير مقطع دارين في مسرحية "قفص" مضحكاً بالأصل، فهناك بعض الفتيات البدينات من الجمهور اللواتي تواصلوا معنا وأخبرونا بأن المقطع الخاص بدارين أبكاهن، وبأن دارين تمكّنت من تجسيد وجعهن، فمن غير الممكن أن نتعامل مع الجمهور ككتلة، تضحك وتتألم لنفس الأسباب".
وتشير أبيض إلى أنّها لا تتقصّد في عروضها صناعة الضحك، و"إنما أحاول مناقشة قضايا إنسانية، وحتى مقطع العاهرة في "قفص" التي أدّى دورها رجل، لم يكن اختيار الممثل نابعاً من البحث عن الكوميديا، بل كان مقترناً بتهرّبي من خجل الممثلات اللبنانيات من أداء أدوار كهذه، ومقترناً كذلك بالصورة التي ظهرت بها العاهرات في أفلام "فيليني"، إذ بدوْن مفتقدات الأنوثة مع تقدّم العمر، بالإضافة إلى رغبتي الخاصة في العمل مع مارسيل حينها. وفي النهاية، أعتقد بأن الضحك الموجود في بعض عروضي هو نابع من النص، وليس من رغبتي في خلق الضحك في النصوص الجادة، ما يهمني قبل كل شيء مناقشة القضايا الجادة والإنسانية مهما كان الشكل المسرحي".
وعندها بدأت بالعمل على مسرحية "قفص"، وجربت أن أدفع نص جمانة حداد إلى مساحة مضحكة لا يتضمنها النص، وخصوصاً أن مكان العرض، أي "مترو المدينة"، عوّد جمهوره على نمط خفيف من المسرح، وتكثر فيه العروض الموسيقية والكباريه، وذلك ما جعلني أشعر بأن المكان غير قابل لاستيعاب عرض جدي، ربما المكان هو الذي فرض علينا الشكل المسرحي. ولكن لا يمكن أن نصف عرض "قفص" بأنه عرض كوميدي بالمطلق، فهو مكون من خمسة مونولوجات منفصلة، اثنان منها فقط يبدوان أقرب إلى الكوميديا، فمقطع الفتاة المثلية مثلاً لم يكن فيه ما يضحك فعلاً، وحتى المقاطع المضحكة كانت "ساتيريك" ولم تكن كوميديا تقليدية، ولم أتصور في مرحلة إعداد النص أن الجمهور سيضحك على العرض بهذه الطريقة. أعتقد أن الجمهور بدأ بالضحك مع دخول دارين، الفتاة البدينة التي تفتقد الحب، وربما كان الضحك مرتبطاً بخلفية الجمهور الثقافية، فالغالبية يعتقدون بأن ثنائية الفتاة البدينة والحب هي متجذرة بالكوميديا، بل إن الجمهور اللبناني في كثير من الأحيان يضحك لمجرد وقوف امرأة بدينة على خشبة المسرح؛ ففي مسرحيتي "بس أنا بحبك" التي نعمل على إعادتها، قامت فيها دارين بأداء دور امرأة تم تعنيفها، ولم يكن هذا التعنيف مرتبطاً بشكلها، ولكن أثناء أدائها المونولوج قال أحد الحاضرين "أكيد ما رح يحبك، مش شايفة شكلك"، ليؤكد هذا التعليق على النظرة السائدة لدى الجمهور عن الممثلات البدينات، إذ إنهم يرغبون في حصرهن بأدوار البدينات، وقصص الفشل الرومانسية.
وعما إذا كانت أبيض تحاول من خلال عروضها أن تغيّر بعض الصور النمطية السائدة في المجتمع، تكمل أبيض: "لا أعتقد أن تغيير الصورة السائدة أمر سهل، فهذه الصورة هي نتيجة لسنوات طويلة من العمل في الميديا، ولكن أنا كمخرجة أحاول أن أبدأ التغيير من نفسي، فأنا لا أختار الممثل بحسب شكله، وبحسب الأدوار التي تليق له بحسب العرف السائد، بل إن إمكانات الممثل وجودته هي التي تحدد الأدوار والممثلين في عروضي. وبالنسبة إلى تغيير الصورة النمطية فهي أسهل في المواضيع المحدثة، ففي "نوم الغزلان" حاولنا أن نغيّر الصورة السائدة عن السوريين، وذلك أسهل بالتأكيد من تغيير الصورة النمطية السائدة عن الفتيات البدينات نظراً إلى حداثة الموضوع، ولكن ذلك لا يعني أن المسرح غير قادر على تغيير الصور النمطية القديمة والراسخة. وإذا ما ربطنا موضوع الصورة النمطية بالسؤال السابق، فيجب أن أشير إلى أن بعضهم لم ير مقطع دارين في مسرحية "قفص" مضحكاً بالأصل، فهناك بعض الفتيات البدينات من الجمهور اللواتي تواصلوا معنا وأخبرونا بأن المقطع الخاص بدارين أبكاهن، وبأن دارين تمكّنت من تجسيد وجعهن، فمن غير الممكن أن نتعامل مع الجمهور ككتلة، تضحك وتتألم لنفس الأسباب".
وتشير أبيض إلى أنّها لا تتقصّد في عروضها صناعة الضحك، و"إنما أحاول مناقشة قضايا إنسانية، وحتى مقطع العاهرة في "قفص" التي أدّى دورها رجل، لم يكن اختيار الممثل نابعاً من البحث عن الكوميديا، بل كان مقترناً بتهرّبي من خجل الممثلات اللبنانيات من أداء أدوار كهذه، ومقترناً كذلك بالصورة التي ظهرت بها العاهرات في أفلام "فيليني"، إذ بدوْن مفتقدات الأنوثة مع تقدّم العمر، بالإضافة إلى رغبتي الخاصة في العمل مع مارسيل حينها. وفي النهاية، أعتقد بأن الضحك الموجود في بعض عروضي هو نابع من النص، وليس من رغبتي في خلق الضحك في النصوص الجادة، ما يهمني قبل كل شيء مناقشة القضايا الجادة والإنسانية مهما كان الشكل المسرحي".