لا تحظى الروايات البوليسيَّة غالباً برضى النقاد إلّا في أحوالٍ معيَّنة، كأن يكون كاتبها، مثلاً، ليوناردو بادورا؛ أوّل كوبي يحصد جائزة "أمير أستورياس" الإسبانيّة، في حقل الأدب، يوم أمس.
عُرف بادورا بكتابته هذا النوع من الروايات البوليسيَّة منذ ما يقارب العقدين، الأمر الذي أكسبه شعبيَّةً واسعة في كوبا وخارجها. لكنَّ الأمر الذي يُشتهر به هو مناهضته لحكومة الأخوين كاسترو، وهذا لا يخفى في أعماله.
ولأنَّ هذا الوصف أصبح بمثابة التعريف به، فقد بدا بادورا واعياً للفصل بين عمله الأدبي وموقفه السياسي، وصرّح في لقاءٍ صحافي مع عددٍ من وسائل الإعلام عقب الإعلان عن فوزه بالجائزة، بما يمكن أن يكون وضع حدٍّ للزَّجِّ باسمه في مواقف سياسيَّة.
إذ قال إنَّ أعماله الأدبيَّة أبعد من أن تكون مجرد نقدٍ لحكومة راؤول كاسترو، مفضِّلاً الابتعاد عن القراءة السياسية لأعماله: "أنا كاتبٌ كوبي، أكتب عن كوبا". كما بيَّن امتعاضه من تقديمه ككاتبٍ ناقدٍ للنظام الكوبي، راجياً التعامل مع أعماله من منظور أدبيّ بحت: "أحاول أن تكون السياسية مكوّناً يضعه القرّاء أنفسهم".
يُحسب لبادورا بقاؤه في كوبا وكتابة رواياته التي اعتبرها كثيرٌ من النقاد ناقدةً للحكومة. فقد ولد عام 1955 في حي مانتيّا، جنوب العاصمة لا هابانا. وحاز، عام 2012 الجائزة الوطنية للأدب الكوبي، التي منحتها له السلطات الثقافية في الجزيرة؛ لأنه "أغنى تراث الثقافة الكوبية بشكلٍ عام وأدبه الشخصي بشكل خاص".
وبدا بادورا راضياً عن نشر جميع كتبه في كوبا، وهو ما لم يحظ به بعض الكتُّاب الذين لم تخلُ أعمالهم من نقد للحكومة.
عرف بادورا برواياته البوليسية التي كان بطلها المحقق ماريو كوندي. أما عن الخيال في أعماله، فيقول إنَّه قليلٌ جدّاً، إذ هو يكتب ما يراه في الواقع الكوبي، وفي الشوارع وأحاديث الناس، ويجمع كلَّ ذلك في أوراق تتحوَّل شيئاً فشيئاً إلى روايات.
ساهمت رواياته البوليسية التي بدأ كتابتها في سلسلة منذ أكثر من عقدين، بتحقيق شهرة واسعة له ليس في كوبا فحسب، بل في سوق القراءة الهسباني. وقد كشفت تلك الروايات جانباً من كوبا السوداء، حيث تنتشر المخدرات والدعارة بطريقة غير مكشوفة، حتّى إنّها (الروايات)، كانت تُقايَض بعلبتين من الحليب، في السوق السوداء الكوبية.
نشر بادورا العديد من الروايات، مثل "الفصول الأربعة"، و"رواية حياتي". واللافت في تلك الأعمال أنَّ الجرائم فيها كانت قليلة، مكتفياً بقتيلٍ واحدٍ في أغلب الأحيان، ليكون نقطة الانطلاق عن الحديث عن الأمور الأخرى التي تعنيه أكثر من حادثة القتل نفسها.
ومن أعماله البارزة، رواية "الرجل الذي كان يحبُّ الكلاب"، التي تتحدَّث عن حياة قاتل الثائر الروسي ليون تروتسكوي، وتصف أيضاً الواقع الكوبي الصعب وخيبة أمل الكثيرين بالاشتراكيَّة.