اصطدمت محاولات مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا برناردينيو ليون في التوصل إلى اتفاق بين الفرقاء الليبيين ينهي الحرب المشتعلة، بعقبات عدة، ما قاد ليون إلى الاستعانة بمعنيين لإنجاح مهمته قبل انتهاء مهلة الشهرين التي حُدّدت له لجعل الأطراف الليبية توقّع على اتفاق سلام. وسلّم ليون الخميس الماضي، الحكومة السودانية رسالة رسمية تطالب الأخيرة بالتدخل في ملف المفاوضات الليبية لإقناع الفرقاء بالتوقيع على مسودة الاتفاق الجديدة التي سلّمها للطرفين، أخيراً، وحدّد لهما يوم الأحد الماضي كمهلة لتسليم الرد، في محاولة منه لإنقاذ المفاوضات من الانهيار.
تشير مصادر لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الاتفاق الذي جاء بوثيقتين، تتعلّق الأولى بتشكيل الحكومة، والثانية، بترتيبات أمنية اقُترح لها فترة انتقالية لمدة عامين كأقل تقدير، فضلاً عن لجنة إشرافية خاصة بدستور البلاد، إلى جانب انتخابات عامة في نهاية الفترة الانتقالية، ووقف شامل لإطلاق النار، إلى جانب ضبط المليشيات وإرساء قواعد الديمقراطية والعدالة".
إلّا أنّ المسودّة واجهت اعتراضاً من بعض التيارات والهيئات في ليبيا، خصوصاً المؤتمر الوطني العام، الأمر الذي يفسر لجوء المبعوث الأممي إلى الخرطوم لمساعدته في مهمته، باعتبار أنّ الأخيرة على دراية بملف الإسلاميين في ليبيا، وتملك التأثير عليها مقارنة بدول الجوار الليبي الأخرى.
اقرأ أيضاً: مقترح ليون لتسوية الأزمة في ليبيا
يقول الناطق الرسمي باسم الخارجية السودانية، علي الصادق، إنّ "دعوة المبعوث للسودان جاءت على خلفية الوساطة والزيارات المتواصلة التي قام بها وزير الخارجية السوداني، علي كرتي في ليبيا، فضلاً عن مؤتمر الجوار الليبي الذي عقد في الخرطوم أخيراً، والتي تصب جميعها في قضية الحوار الليبي". ويضيف أنه "بناء على ذلك، طلب المبعوث من الخرطوم أن تستخدم علاقاتها مع كافة الفرقاء الليبيين لإقناعهم بالاتفاق، مؤكّداً أنّ اتصالات تمت من الجانب السوداني بالفرقاء في ليبيا ونتتظر ترجمة نتائجها".
وسبق أن بدأت الخرطوم تحركات فعلية لتسوية الملف الليبي سلمياً، وحاولت حضن ملف التفاوض، إلّا أنّ التقاطعات الإقليمية ونظرة الريبة والشك التي تواجه بها، فضلاً عن الاتهامات المتلاحقة من حكومة طبرق بدعم أحد الفصائل الليبية المتقاتلة "التيارات الإسلامية"، قطعت الطريق أمام السودان.
وتأتي خطوة ليون بطلب وساطة الخرطوم، بعد التصريحات التي أدلت بها التيارات الإسلامية في ليبيا بشأن الحوار، والتي مثّلت ردة فعل في مواقفها بإعادة الأطراف إلى نقطة الصفر، لا سيّما بعد المرونة التي ظهرت من كافة الأطراف، أخيراً، والتفاؤل باتفاق قريب، وخصوصاً إعلان المؤتمر الوطني العام رفضه المقترح قبل انتهاء المهلة المحددة.
وفي وقت سابق، انتقد رئيس وفد المؤتمر الوطني العام الليبي للتفاوض، صالح المخزوم، مقترح الاتفاق الأممي، وأكّد أنّه سيعيد الأطراف إلى نقطة الصفر، واعتبر الاتفاق مخيباً للآمال، ووصفه، بأنّه "غير متوازن ولا يحترم قرار المحكمة العليا".
وسبق أن طرح المؤتمر الوطني العام و"حكومة طرابلس"، مقترحاً حمل رؤيتهما لحل الأزمة في ليبيا، تمثّلت في إنشاء مجلس رئاسي من ستة أعضاء، ثلاثة عن المؤتمر الوطني العام وثلاثة من برلمان طبرق بصلاحيات سيادية ورئاسية، ويعمل على مراقبة عمل الحكومة وينص على أنّ السلطة التشريعية تتكوّن من غرفتين "المؤتمر والنواب". وتتولى الصلاحيات التشريعية والدستورية بالشكل الذي سيتم الاتفاق عليه لاحقاً، ضمن التعديل الدستوري الذي يشمل، أيضاً، المجلس الرئاسي.
ويرى محللون أنّ السودان بإمكانه أن يؤدي دوراً أساسياً في تسهيل المهمة، وإقناع التيارات الإسلامية بجدوى الاتفاق بحكم علاقته القديمة بها. لكن يخشى آخرون استخدام الخرطوم، الاتفاق، كورقة ضغط على دول الاتحاد الأوروبي التي أعلنت، أخيراً، عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات العامة التي جرت في الخرطوم أبريل/ نيسان الماضي، وتستعد لفرض عقوبات عليها لدفعها نحو إجراء تسوية سياسية شاملة مع القوى السودانية المسلحة والمعارضة، باعتبار أنّ الخرطوم تعي تماماً أن الاتحاد الأوروبي يحبس أنفاسه، وهو يصوّب نظره تجاه المفاوضات الليبية، لأنّ استمرار الأزمة هناك مع ظهور داعش في ليبيا، يشكّل خطراً كبيراً عليها، ويهدّد أمنها، ما يجعلها تضع خيار فرض الحصار البحري على ليبيا، في حال فشلت المفاوضات كأحد الحلول العاجلة.
ويقول الأمين العام السابق لمستشارية الأمن القومي، حسب الله عمر، إنّ "للسودان تأثيراً على أحد الأطراف الليبية المتنازعة، وعلاقته جيدة بالإسلاميين الذي يمثلهم المؤتمر الوطني العام". ويعود ليؤكّد "أنّ دور السودان في الملف الإقليمي غير مرغوب فيه إقليمياً، لأنّه يدرك تماماً التأثير الكبير للخرطوم هناك، لا سيما مصر التي تخشى من أي تدخل سوداني". ويضيف "المبعوث الأممي غير معني بتلك المخاوف الإقليمية، وبما أنّه محكوم بمهلة معيّنة لذلك لجأ إلى السودان". ويرجح أن تتبع الخرطوم الحذر في تلك الوساطة، لإدراكها حساسية الإقليم، "وأتوقّع أنّ أي تدخل سوداني في ليبيا، سيتم بعد أن يحصل على مباركة إقليمية".
وقطع الأمل بنجاح السودان في المهمة، باعتبار أنّه موضع ثقة لدى التيارات الإسلامية في ليبيا، وهي الجهة الميدانيّة والأكثر تأثيراً، الأمر الذي يمكن الخرطوم من توفير مظلّة لنشاط المبعوث الليبي". ويردف "عموماً، لدى مصر والسودان تأثيراً على الفرقاء الليبيين، ويمكن أن يكونا الوعاء الجامع ويدفعان بعجلة التفاوض". وأخيراً، بدأت العلاقات مع قائد الجيش الليبي التابع لحكومة طبرق، خليفة حفتر والخرطوم تتحسن، إذ أطلق حفتر، وللمرة الأولى تصريحات إيجابية تجاه الخرطوم سبقت دعوة المبعوث الأممي لوساطة الخرطوم بأيام. لكن يرى مراقبون أن تصريحات حفتر لا يمكن أن ينظر لها بمحط الثقة في الخرطوم، وإنّما تدخل في إطار تكتيكي لتشجيع الخرطوم في خطوتها المقبلة بشأن التأثير الإيجابي على التيارات الإسلامية في ليبيا.
اقرأ أيضاً: المؤتمر الليبي يرفض منح برلمان طبرق سلطة التشريع