بغض النظر عن النتائج العملية التي يمكن أن ينتهي إليها المؤتمر الاقتصادي الذي سيُعقد في البحرين في 25 و26 يونيو/حزيران المقبل، ومن المقرر أن تعلن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلاله رسمياً عن خطتها المعروفة بـ"صفقة القرن" والهادفة فعلياً لتصفية القضية الفلسطينية، فإن كل المؤشرات تدل على أن التئام هذا المؤتمر سيسهم بشكل جذري في إضفاء المزيد من الصدقية على الخطاب السياسي لليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل.
فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سيحاجج بأن تركيز المؤتمر على تحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين وتجاهل معالجة القضايا السياسية الرئيسية والقفز على حل الدولتين، يدل على أن هناك دعماً عربياً رسمياً لتصوره الأيديولوجي لحل الصراع الذي ينادي بـ"السلام الاقتصادي"، والذي يقوم على تسليم الفلسطينيين بسيادة إسرائيل على الأرض مقابل إحداث تحوّل إيجابي على واقعهم المعيشي والحياتي.
وإن كانت أحزاب الوسط واليسار والكثير من النخب في إسرائيل، ظلت على مدى سنين، تشكك بجدوى فكرة "السلام الاقتصادي" على اعتبار أنها غير قابلة للتطبيق بسبب موقف الفلسطينيين الرافض لها، فإن احتضان عاصمة عربية (المنامة) لمؤتمر يتبنّى هذه الفكرة، سيجعل هذه الأحزاب تعيد حساباتها وسيجبرها على لجم انتقاداتها لخطاب اليمين الأيديولوجي والسياسي.
إلى جانب ذلك، فإن تركيز وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية على حضور وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون وعدد كبير من رجال الأعمال والصحافيين الإسرائيليين في المؤتمر سيكرس انطباعاً لدى الرأي العام الإسرائيلي بأن المخاطر التي يمكن أن تنجم عن أي قرار بضم التجمعات الاستيطانية لإسرائيل، كما وعد نتنياهو عشية الانتخابات الأخيرة، ستكون محدودة، على اعتبار أن تعهد نتنياهو هذا لم يؤثر على دافعية دولة عربية لاستضافة المؤتمر والاحتفاء بوزير يمثل حكومة اليمين التي يفترض أن تنفذ قرارات الضم، وهذا ما سيدفع هذه الحكومة لاتخاذ المزيد من القرارات الهادفة إلى حسم مصير الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في الوقت ذاته، فإن مؤتمر البحرين يسهم بشكل مثالي في تمكين نتنياهو من إقناع الرأي العام الإسرائيلي بصدقية تشديده خلال العامين الماضيين على أن تحولات دراماتيكية قد طرأت على طابع العلاقة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، لا سيما الخليجية، وأن الشراكات الاستراتيجية مع هذه الدول لا تتأثر بأنماط السياسات التي تتبعها حكومته في التعاطي مع القضية الفلسطينية.
المفارقة أن مؤتمر البحرين سيُنظّم بعد حوالي أسبوع على تنفيذ التيار الديني في إسرائيل، وبمشاركة أحزاب من الائتلاف الحاكم، أكبر عملية اجتياح للمسجد الأقصى والبلدة القديمة من القدس المحتلة، إذ يجري الإعداد لإغراق الحرم القدسي بعشرات الآلاف من المستوطنين، الذين سيقتحمونه بمناسبة مرور 52 عاماً على احتلال المدينة.
وقالت مديرة جمعية "عير عميم" ذات التوجه اليساري، يهوديت أوبنهايمر، في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت"، إن المخطط الذي سينفذه التيار الديني في إسرائيل بدعم حكومي يهدف إلى إيصال رسالة للعالم الإسلامي بأسره مفادها أن اليهود سيقتحمون المسجد الأقصى و"سيغرسون أصابعهم في عيون المسلمين"، لكي يكون هذا المشهد مألوفاً.
ومن الواضح أن مشاركة وزير في الحكومة الإسرائيلية اليمينية التي تمنح الغطاء لهذا الاستفزاز، يوصل رسالة للجمهور الإسرائيلي مفادها أنه بالإمكان مواصلة هذا النمط من السياسات الهادفة إلى تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى من دون أن تكون هناك ردة فعل عربية وإسلامية ذات قيمة؛ وهذا ما سيشجع حكومة نتنياهو على اتخاذ المزيد من الخطوات الهادفة لتهويد الأقصى والقدس.
ونظراً لأنه لا خلاف بين المراقبين في إسرائيل على أن تنظيم مؤتمر البحرين يعكس حجم نفوذ نتنياهو الطاغي وتأثيره الهائل على إدارة ترامب، فإنه سيتم توظيفه من قبل اليمين الإسرائيلي للدلالة على أنه الأقدر على الحفاظ على مصالح إسرائيل الاستراتيجية، على اعتبار أن بناء علاقة وثيقة مع واشنطن يقع على رأس قائمة هذه المصالح.
وإزاء كل ما تقدّم، فإن إسهام مؤتمر البحرين في تحسين مكانة اليمين الإسرائيلي بشقيه العلماني والديني، ودوره في تكريس صدقيته أمام الرأي العام الداخلي، سيعزز من قدرة هذا اليمين على تحقيق انتصارات انتخابية والبقاء في الحكم إلى أمد بعيد.