وفي ورقة تحت عنوان "جدلية التعايش التاريخي بين العرب والأكراد في ولاية الموصل"، سلط الباحث والمؤرخ سيّار الجميل الضوء على التعايش الاجتماعي بين العرب والكرد في ولاية الموصل. وقد كانت هذه الولاية تضمّ كلّ كرد العراق إلى جانب الأطياف الاجتماعية الأخرى".
وأشار إلى أن هذا التعايش التاريخي بين الطرفين يمتد أنثروبولوجيًّا إلى أزمنة قديمة، بل إنّه يرجع إلى مشروع إدريس البدليسي في تثبيت أركان الإدارة الأهلية في بلاد الجزيرة وولاية الموصل، على عهد سليم الأول في الفترة 1512-1520. حيث شارك الأكراد في الحياة العراقية، وخصوصًا في المشتركات السياسية على مستوى الأحزاب أو التمثيل النيابي.
وقال مدير البحوث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات جمال باروت، في ورقة تحت عنوان "نشوء المسألة الكردية في الجزيرة السورية: مقاربة تاريخية"، إن نشوء المسألة الكردية في الجزيرة السورية ارتبط بطبيعة نشوء الاجتماع الحضري فيها. وقد حاولت السلطات العثمانية في زمن السلطان عبد الحميد الثاني أن تُحيِيَ الجزيرة حضريًا، إلا أن إحياءها الحقيقي لم يتمّ إلا مع سلطات الانتداب الفرنسي على سورية.
ولفت إلى أن نشوء المشكلة الكردية بدأ بعد تحطيم معاهدة سيفر (عام 1920) والتحول إلى معاهدة لوزان (عام 1923)، ونشوء الجمهورية التركية على أنقاض فكرة الكيان القومي الكردي والدولة الأرمنية، وعلى حساب الأراضي السورية.
ويرى باروت أن المشكلة الكردية نشأت في تركيا على خلفية هذا التحول، ونتجت من قمع التمردات والثورات القبلية الكردية، هجرةٌ كردية واسعة إلى الجزيرة. وقد وظّفت سلطات الانتداب المهاجرين لإحياء الجزيرة في سبيل مصالحها، واختلقت المسألة الكردية، طارحة حلّها عن طريق قيام حكومة كردية كلدو آشورية مدعومة من بعض العشائر العربية. وفشل مشروع الانفصال، ولم يكن قطُّ مشروعَ حكمٍ لامركزي.
وقدم الباحث هوكر طاهر توفيق، رواية أخرى في ورقة تحت عنوان "العلاقات الكردية – العربية (1891-1918): دراسة تاريخية" قال فيها إن بلاد الكرد (كردستان) قد قُسِّمت بعد الحرب العالمية الأولى بين أربع دول، منها اثنتان عربيتان. فإضافةً إلى تركيا وإيران، تقاسمت كلّ من الدولتين العربيتين العراق وسورية أجزاءً من كردستان. وبعد هذا التقسيم الذي تكاملت أركانه في سنة 1926، دخلت العلاقات الكردية -العربية منعطفًا خطِرًا وصل إلى حدّ إنكار الهوية الكردية في سورية، وإلى القيام بحملات إبادة جماعية ضد الكرد في العراق، وأضاف أن العلاقات الكردية -العربية كانت قبل خضوع الكرد للعرب علاقات طبيعيةً، بل إنّ الكرد والعرب وجدوا أنفسهم مرات عديدةً، في خندق واحد ضد الدولة العثمانية.
وبين سنة 1891 التي شهدت تأسيس "الفرسان الحميدية" وسنة 1918 التي شهدت نشاطًا ملحوظًا لجمعية استقلال كردستان المؤسسة في مصر؛ تفاعلت العلاقات بين العرب والكرد في منطقتين مختلفتين. المنطقة الأولى هي في جنوب كردستان وغربه (شمالي العراق وسورية حاليًا)؛ إذ شهدت هذه المنطقة صراعًا بين العشائر الكردية والعربية في ولاية الموصل وديار بكر. أمّا المنطقة الثانية التي شهدت علاقات كردية- عربية أكثر عُمقًا وإيجابيةً، فكانت ساحتها مصر؛ إذ احتضنت مصر في تلك المدة حركةً ثقافيةً وسياسيةً كرديةً معارضةً للدولة العثمانية. وأسّس الكرد جمعيات ثقافيةً وسياسيةً فيها، وأصدروا جرائد كرديةً كان لها أبلغ الأثر في الحركة الثقافية الكردية.
ووفق الباحث عبد الوهاب القصاب في ورقته التي عنونها بـ"العرب والكرد في العهد الملكي العراقي: محاولة ناجحة في بناء الهوية الوطنية العراقية الجامعة"، فإن من الثابت تاريخيا أنّ المنطقة الكردية في العراق (المحافظات الكردية الثلاث، مضافًا إليها قطاعات من محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك) كانت على الدوام مناطق تدين بتابعيتها وولائها إلى السلطة القائمة في بغداد"، وأضاف أن سكان هذه المناطق كانوا عراقيين على الدوام، مهما كانت التسمية التي تُطلق على هذه الرقعة الجغرافية.
وأوضح: اختلفت أوضاع كرد العراق تحت النظام الملكي عن أوضاع الكرد في دول الجوار الأخرى. ففي إيران، يُقمع الكرد لسببين؛ أحدهما قومي والآخر مذهبي. وفي تركيا، يُقمع الكرد لعدم اعتراف النظام الكمالي بهويتهم القومية، وكذلك الشأن في سورية. أما في العراق، فقد اعترفت الدولة العراقية منذ تأسيسها بخصوصيتهم القومية وهويتهم الثقافية، ولم تمارس ضدهم أيّة حالة من حالات التمييز؛ فتولوا مختلف المناصب سواء كانت في الجيش، أو في الخدمة المدنية. وقد كان منهم ضباط بارزون، ونواب ناجحون، ووزراء.
ويرى القصاب أن مساعي فئات من الكرد العراقيين للتمرد والعصيان في الفترة الملكية، لم تكن جامعةً على مستوى الشعب الكردي في العراق في أيّ فترة من الفترات الزمنية التي انطلقت فيها. ولم تتبلور الرسالة العامة للثورة الكردية إلا بعد الحُكم الملكي العراقي، بعد عام 1961 تحديدًا، عندما أطلق الراحل الملا مصطفى البارزاني تمرّده الذي كان بالأساس خلافًا عشائريًّا بينيًّا توسع فيما بعد؛ بسبب فشل حُكم عبد الكريم قاسم في التعامل السليم معه.
الجدير بالذكر أن "مؤتمر العرب والكرد" يأتي في إطار سلسلة مؤتمرات العرب والعالم التي يقيمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وتلتئم سنويًا، وتتناول علاقات العرب مع جيرانهم في الإقليم وكذلك مع القوى الدولية الفاعلة على الساحة الدولية.
ويدرس هذا المؤتمر لأول مرة مسألة "الآخر" ضمن الدولة العربيّة الحديثة؛ في محاولةٍ لتقديم فهمٍ أكثر عمقًا للمسائل الإشكاليّة في العلاقات العربية- الكردية في ضوء التطورات السياسية المتسارعة التي تعيشها دول المشرق العربي، كما يعد أوسع تظاهرة أكاديمية في موضوع العلاقات العربية– الكردية، يجتمع فيها باحثون وأكاديميون عرب وكرد مختصون لمناقشة قضايا إشكاليّة راهنة تفرض نفسها بقوة على الأجندات البحثية العربية والكرديّة معًا.