وأضاف بشارة، في محاضرة افتتاحية ألقاها في مؤتمر "خمسون عاما على حرب يونيو/ حزيران 67، مسارات الحرب وتداعياتها"، الذي بدأت أعماله في الدوحة، اليوم السبت: "حتى انتصارها في تلك الحرب، كانت إسرائيل، التي أُرِّخت النكبةُ الفلسطينية بيومِ إعلانِ استقلالها، مشروعًا غير مستقرٍّ في نظر الحركة الصهيونيّة، وما سُمّي "يهود الشتات" الذين أقنعتهم حرب 67 أنّ إسرائيل أكثر من مغامرة، وأنها مشروعٌ مضمون؛ فتكثّفت الهجرة إليها بعدها، وتدفقت الاستثمارات أضعافًا مضاعفةً، وانتقلت إسرائيل من اقتصاد القطاع العامّ الاستيطاني التعبوي إلى اللبرلة الاقتصادية. كما أنّ الولايات المتحدة الأميركية أبرمت التحالف الاستراتيجي معها، واقتنعت بفائدته العملية والرّهان عليها بعد هذه الحرب. فكما هو معلوم، انتصر جيش الاحتلال في هذه الحرب بسلاحٍ فرنسي، وليس بسلاح أميركي، وتدفقت أموال المعونات الأميركية والاستثمارات، وجرى تسليح الجيش الإسرائيلي بطائرات الفانتوم بدلا عن الميراج الفرنسية، أمّا بقية "قصّة" العلاقات الأميركية -الإسرائيلية إثْر تلك الحرب، فهي معروفة للجميع".
وأضاف أن "كل مسارات القضية الفلسطينية ترسمها تبعات حرب 1967، فبعد هذه الحرب طرحت إسرائيل مقايضة الأراضي التي احتلتها خلالها (ما عدا القدس) باتفاقيات سلامٍ مع الدول العربيّة. وأصبح مبدأ "أرض مقابل الاعتراف"، الذي رفعته إسرائيل فيما بعد، شعارًا عربيًا بعد أن عُدِّل إلى "الأرض مقابل السلام"، والمعنى واحد في الحقيقة".
وكان بشارة قد لفت إلى أنه "طوال نصف قرن، لم يَجرِ التطرّق -على نحوٍ علمي- إلى أكبر إخفاق عسكري عرفه العرب في تاريخهم الحديث، ولم يجر التطرق لهزيمة 1967 من منظور العلوم السياسيّة والعلوم العسكرية، وبأدواتها؛ في حين صدرت مئات الدراسات في إسرائيل والغرب في تحليل الحرب وأسبابها ونتائجها وتوثيقها، وفي تحليل كل معركة من معاركها، فضلًا عن كُتب السير الكثيرة التي كتبها القادة، ووزراء الخارجية، ووزراء الدفاع، وحتى الضباط. في المقابل، هناك ندرةً في الأدبيات البحثية العربية حول هذه الحرب".
وبحثت الجلسة الأولى للمؤتمر "سياقات الحرب على الجبهة المصرية"، فقدم خلالها الدكتور سيف الدين عبد الفتاح ورقة تحت عنوان "المهنية العسكرية وحرب يونيو/ حزيران 1967: محاولة لتفكيك ذهنية الهزيمة"، وأشار فيها إلى "حالة صراعية داخل أجنحة "العسكر" أدت إضافة إلى عوامل أخرى إلى الهزيمة عام 1967"، وقال إن "هذه الحرب كشفت ما تمكن تسميته بعقلية العسكر وذهنية الهزيمة".
وحاول الباحث عمر عاشور تفسير ما جرى على الجانب المصري في حرب الستة أيام. فـ"على الرغم من تفوق الجانب المصري خاصة، والعربي عامة، في العدد والعتاد، وكذلك التصعيد السياسي الصادر عن نظام الرئيس جمال عبد الناصر، ما قد يعكس جاهزيته العسكرية، فإن الأداء القتالي لم يواكب القدرات العسكرية والقرارات السياسية على المستويات التكتيكية والميدانية والاستراتيجية".
وتناولت الجلسة الثانية للمؤتمر الجبهة السورية عشية حرب يونيو/ حزيران 1967، فركز الباحث محمد الحاج علي على واقع الجيش السوري عشية حرب 1967، وانشغاله بالعمل السياسي والصراعات الداخلية؛ "ما أثّر في استعداداته للدفاع عن الوطن (المهمة الرئيسة)، وفي منهجيته في إدارة الحرب وقيادتها، الأمر الذي كان من أهم عوامل الهزيمة".
كما ناقشت ورقته تحت عنوان "العمليات العسكرية على الجبهة السورية: عشية حرب حزيران/ يونيو 1967" وضعية القوات المسلحة السورية وتمركزها القتالي في الجولان ليلة الخامس من حزيران/ يونيو، والخطط العسكرية الدفاعية عن الجولان، فضلًا عن إمكانياتها القتالية من العتاد والقوى البشرية. وختم الباحث الورقة بشرح الأعمال القتالية على الجبهة السورية، والأسباب العسكرية التي أدت إلى هزيمة الجيش السوري في هذه الحرب.
وعرض الباحث ومدير البحوث في المركز العربي، جمال باروت، "بعض آثار إعادة بناء الجيش السوري الانقلابية في هزيمة حزيران/يونيو 1967"، مؤكدا، في ورقته، أن عملية "إعادة بناء الجيش" تمخضت، خلال عشرين سنة عرفت فيها سورية نحو تسعة انقلابات عسكرية -سياسية ناجحة، عن تصفية منتظمة لخصوم الانقلابين بطرق شتى، وشمل ذلك بدرجة رئيسة الضباط المحترفين، ولكنها توّجت بعد انقلاب الثامن من مارس/ آذار 1963، وتسريح نحو سبعمائة ضابط خلال أقل من ثلاثة شهور، واستدعاء ضباط مجندين احتياط للتحول إلى ضباط محترفين بدلًا منهم، في إطار تبني صيغة "الجيش العقائدي". ووصل الصراع بين الكتل العسكرية إلى ذروته في أواسط عام 1965، داخل اللجنة العسكرية (السرية)، وبين القائد الأعلى ورئيس هيئة الأركان، وبين بعض قادة الوحدات الضاربة الخاصة والمدرعة ورئيس الأركان؛ فبات الضباط منقسمين وأيديهم على الزناد".
وأضاف: "في هذا السياق، وقع الانقلاب التاسع في 23 شباط/ فبراير 1966. ونتج من ذلك موجة تسريحات وتطهيرات جديدة في الجيش، تضاف إلى التسريحات التراكمية السابقة، لكنه أنشأ كتلًا جديدة متصارعة، سرعان ما حاولت تصفية الحسابات بينها. وترك ذلك آثارًا خطيرة على بنية الكفاءة الداخلية للجيش السوري من حيث هو مؤسسة، كان من أبرز نتائجها الخطيرة هشاشة كفاءته الخارجية عشية وقوع الحرب، ومواجهة الهزيمة الكبرى".