نشر ثقافة حقوق الإنسان في الأوساط الأمنية العربية، والموازنة بين تحقيق الأمن واحترام حقوق الإنسان، والبحث في المعوقات التي تحول دون تحقيق التقدم المرجو في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان في المنطقة العربية، كانت بين أبرز ما جاء في المؤتمر المشترك لممثلي وزارات الداخلية، واللجان الوطنية لحقوق الإنسان الذي يقام في العاصمة التونسية، يومي 3 و4 نوفمبر/ تشرين الثاني.
ويشارك في المؤتمر، إلى جانب ممثلي وزارات الداخلية، واللجان الوطنية لحقوق الإنسان في الدول العربية، ممثلون عن جامعة الدول العربية، والشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
ويعتبر المؤتمر هو الأول الذي يجمع مسؤولين عن حقوق الإنسان بوزراء الداخلية العرب، وهو الثاني بعد مؤتمر الدوحة 2014، والذي حمل شعار "تحديات الأمن وحقوق الإنسان في المنطقة العربية".
وأكدّ المفوض العام في المركز الوطني لحقوق الإنسان، ورئيس الشبكة العربية لحقوق الإنسان، موسى بريزات، أنه لا بد من الوقوف على التوصيات التي صدرت في المؤتمر الأول بالدوحة، والسير قدماً لتنفيذها.
وقال بريزات لـ"العربي الجديد" إن الهدف الأساسي للمؤتمر مناقشة العلاقة بين ضمان الأمن واحترام حقوق الإنسان، ومناقشة التحديات ذات الصلة على صعيد المنطقة العربية.
وذكر أن من بين التوصيات الصادرة في مؤتمر الدوحة إيجاد آلية لمحاسبة رجال الأمن في حال إساءتهم استخدام السلطة، مؤكداً أنه "لا توجد دولة عربية بادرت بإنشاء هذه الآلية"، مبيناً أنه "صدرت توصية ثانية لإصلاح القضاء وأجهزة الأمن، لكن رغم الإجراءات الإدارية والمساءلة التي تحدث، لا وجود لإصلاح جوهري في المؤسسات".
وأكد بريزات أن الأمن في البلدان العربية لديه مهمة شاقة، إذ يتعين عليه تطبيق الأمن العام، وفي نفس الوقت المحافظة على حقوق الإنسان، في بيئة غير ملائمة لحقوق الإنسان.
واعتبر أن البنية المجتمعية العربية تتضمن مصادر تهديد، وتناقضات طائفية، ومذهبية وحتى جهوية، تقود إلى عدم قبول الآخر، وعدم فهم الحقوق والواجبات، وهي أمراض موجودة ومستشرية في المجتمعات العربية.
وقال: نتطلع لإصلاح البنية السياسية، ومحاربة الفساد، وخاصة في ظل انتشار الإرهاب الذي هو ارهاب يأتي من المشاكل المجتمعية، ومن الفكر التكفيري، وأيضاً من التهميش والسلطوية، وضعف الدولة.
وطالب بكشف الواقع وتحقيق المعادلة الذهبية بين الأمن وحقوق الإنسان ومنها الحق في حرية التعبير، وفي التجمع السلمي.
وأشار إلى أنّ الطريق إلى هذه المعادلة شائك، إذ يتوجّب منع التعذيب والوقاية منه، وإطلاق سجناء الرأي بعيداً عن الإفلات من العقاب، واحترام حرية الصحافة، والتعبير.
وطالب رئيس الشبكة العربية لحقوق الإنسان بضرورة تكليف جهة لتقديم تقرير دوري حول التقدم في تنفيذ التوصيات، وتحديد العقبات والخيارات الممكنة.
اقرأ أيضاً: مصر: 54 انتهاكاً لحرية التعبير و61 احتجاجاً خلال أكتوبر
وقالت ممثلة جامعة الدول العربية، إلهام الشحبني، إن المؤسسات الأمنية كالشرطة والجيش، تعيش اليوم تحت ضغوط كبيرة بسبب الصراعات المسلحة التي تشهدها عدة دول عربية، والاضطرابات وأعمال الشغب، وتصاعد المهجرين قسراً، والهجرة غير النظامية، ما يتطلب وسائل إنسانية لإدارتها.
وأكدت أنه في المقابل يوجد تزايد نشاط الجماعات الإرهابية الذي أدّى إلى فقدان احتكار الدولة لاستخدام القوة، والتي لا بد من معالجتها بشكل متكامل بحسب قرار مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية العرب في دورته 142، والذي جاء فيه أن مكافحة الإرهاب يجب أن تتفق مع قواعد القانون الدولي بما في ذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وأوضحت الشحبني لـ"العربي الجديد" أنّ التحديات لا تقتصر فقط على المنطقة العربية، مبينة أن انعقاد هذا المؤتمر بالأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب في حد ذاته أمر إيجابي لأنه يجمع العاملين على تطبيق القانون في وزارات الداخلية العرب ومنظمات حقوق الإنسان.
وأشارت إلى أن هناك جهوداً إقليمية ووطنية للحث على حقوق الإنسان، معتبرة أن الجامعة العربية طبقت خطة استرشادية لإدماج مادة حقوق الإنسان في المناهج التعليمية إلى جانب الخطة العربية لتعزيز حقوق الإنسان.
وشددت على أن المؤتمر سيبنى عليه وأن هناك نية ليتحول إلى مؤتمر سنوي أو أن يقام مرة كل عامين.
وذكرت أنّ هناك تحولاً كبيراً في مفهوم الأمن بين دول المنطقة من نهج يرتكز على الدولة إلى نهج محوره المجتمع والأمن الإنساني، إذ لا يمكن التمتع بتنمية من دون أمن ولن ننعم بالأمن من دون تنمية، وأنه لن ننعم بأي منهما في غياب حقوق الإنسان، وصيانة كرامته، وبالتالي فالتنمية والأمن وحقوق الإنسان ليست حتمية فقط بل تكمل بعضها البعض.
وقالت إن الفقر وانتهاك حقوق الإنسان من الأسباب المباشرة التي تؤدي إلى الحروب الأهلية وانتشار الإرهاب وتفشي الجريمة المنظمة واستغلال المهمشين.
وأكدت ممثلة اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية حقوق الإنسان الجزائرية، الأستاذة فتيحة البغدادي، أن هذا المؤتمر تقييمي وهو تكملة لمؤتمر الدوحة 2014.
وقالت لـ"العربي الجديد" إنه منذ زمن بعيد لم يجتمع المجتمع المدني لحقوق الإنسان والأمن في الوطن العربي، وتساءلت: كيف يمكن فعلاً أن نطبق حماية وكرامة حقوق الإنسان ونفرض ضوابط على رجال الأمن عندما تكون هناك ضغوط وصراعات داخلية وتمرد من قبل المواطن.
واعتبر وزير الداخلية التونسي، محمد ناجم الغرسلي، أن المؤتمر سيتوّج بتوصيات وببيان ختامي سيكون بمثابة ورقة عمل من حيث حماية حقوق الإنسان وبمثابة الأدلة الاسترشادية للأجهزة الأمنية.
وأكدّ أنه ينتظر الوصول إلى أفضل الممارسات، وإلى سن المدونة النموذجية لقواعد سلوك رجل الأمن العربي، والمدونة العربية الاسترشادية لقواعد سلوك الموظفين العمومين المعتمدين من قبل مجلس وزراء الداخلية العرب، إلى جانب الشراكات الدولية والإقليمية مع الأجهزة الأمنية في مجال حقوق الإنسان على المستوى الوطني لكل دولة ومنظمات المجتمع المدني والمفوضية السامية لحقوق الإنسان.
اقرأ أيضاً: مساءلة لبنان في مجلس حقوق الإنسان: أين الإصلاحات؟