جاءت مداخلة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، الجنرال هرتسي هليفي، في مؤتمر هرتسيليا أمس الأربعاء، مغايرة للمداخلات التي كان يقدّمها من سبقوه في المنصب في الأعوام الأخيرة. فخلافاً لسلفه في المنصب، الجنرال كوخاف يئير، (قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال حالياً) فإن هليفي ابتعد ربما للمرة الأولى في الأعوام الثلاثة الأخيرة، عن الإشارة إلى خطر الترسانة الصاروخية لحزب الله، وعن سيناريو إمطار إسرائيل بآلاف الصواريخ، معتبراً أن إسرائيل تُشكّل في واقع من عدم الاستقرار الذي يميز منطقة الشرق الأوسط، الطرف الأقوى بين الدول المحيطة بها، وأن إيران هي عملياً الطرف الدولي الوحيد الذي يشكّل خطراً على إسرائيل.
مع ذلك وفي سياق تطرّقه إلى قدرات حزب الله، قال هليفي إن الحرب المقبلة في حال اندلاعها مع الحزب ستكون أشد ضراوة على الجبهة الداخلية. واعتبر في تلخيصه لوضع إسرائيل الاستراتيجي إنها زادت من قوتها لكن الصورة الإقليمية باتت أكثر تعقيداً.
ومع أن هليفي قال إن الطرفين، حزب الله وإسرائيل، غير معنيين بمواجهة عسكرية بل إنهما كانا يفضّلان أن يحظيا بعقد إضافي من الهدوء، إلا أن الصراعات الحالية والمواجهة المقبلة قد تندلع بفعل ديناميكية مواجهة محلية أو عملية عينية قد تقود في سلسلة ردود الفعل إلى مواجهة جديدة. واعتبر هليفي أن التحديات الرئيسية التي تواجهها إسرائيل اليوم، تتمثّل في القوة الإيرانية، خصوصاً أن إيران تقطف حالياً ثمار الاتفاق الدولي الذي يمنحها في واقع الحال شرعية في المستقبل لإدارة مشروعها الذري، وفي تعزيز دورها الإقليمي.
إلى ذلك أشار هليفي إلى أن الساحة الفلسطينية تفرض تحدّيات كبيرة على إسرائيل، خصوصاً أن الانتفاضة الحالية، بحسب هليفي، تعكس عملياً عدم تجاوب من الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية، إذ يُطلق عليها الفلسطينيون هناك ومعهم السلطة الفلسطينية تعبير الهبّة، بينما تسميها حركة "حماس" انتفاضة وتطالب بتفجيرها كانتفاضة شعبية في الضفة الغربية والقدس. ووصف هليفي الانتفاضة الحالية بأنها انتفاضة ما بعد الحداثة، مناهضة للأيديولوجيات والفصائل والتنظيمات. ولفت إلى أن السلطة الفلسطينية وعلى رأسها محمود عباس، تعارض الكفاح المسلح، لكنها تسعى بموازاة ذلك إلى تدويل الصراع، ونقله إلى الساحة الدولية.
في المقابل اعتبر مستشار الأمن القومي السابق، عوزي أراد، الذي شغل أيضاً منصب رئيس مجلس الأمن القومي ومستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أنه باستثناء مركّب القوة العسكرية الذي يضع إسرائيل دائماً ضمن المواقع العشرة الأولى عالمياً، فإن أداء الاقتصاد الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية، في باقي نواحي الحياة، يشكّل تحدياً يجب مواجهته وتحسينه. ولفت إلى أن إسرائيل تُصنّف عالمياً، من قبل البنك الدولي في المرتبة 35، بينما تصنف في مجالات الفجوات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى في مراتب متدنية، وذلك بحسب رأيه بفعل عقم في نظام الحكم الإسرائيلي وبفعل ضعف أداء القيادة الإسرائيلية كقيادة مسؤولة. واعتبر أراد أن أحد أهم التحديات التي تواجه إسرائيل اليوم هو كيفية استعادة متانة وقوة تحالفها مع الولايات المتحدة الأميركية الذي تضرر في السنوات الأخيرة.
أما المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، دوري غولد، فتطرق إلى علاقات إسرائيل الدولية، معتبراً أن الصورة التي يحاول خصوم إسرائيل رسمها لها بأنها تعاني من عزلة كبيرة ومن توتر في علاقاتها مع القارة الأوروبية، هي غير صحيحة على الإطلاق، مدعياً أن حكومة نتنياهو لم تترك القارة الأوروبية وإنما تعمل إلى جانب علاقاتها مع أوروبا على تحسين مكانتها وشبكة علاقاتها الدولية مع جنوب شرق آسيا، وهي تسجل نجاحات تتمثّل في توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الصين، وأخرى مع كوريا والهند، ناهيك عن عودة إسرائيل إلى أفريقيا وإلى قلب دول إسلامية في أفريقيا.
كما تحدث غولد مجدداً عن اتصالات مكثّفة، بما فيها تلك التي قام بها شخصياً، مع أطراف عربية في الخليج العربي في "معسكر الدول السنّية المعتدلة"، معلناً أن استراتيجية حكومة نتنياهو تقضي بإرساء قواعد التعامل مع هذه الدول وفق المصالح المشتركة، التي لا تضع المسألة الفلسطينية في أعلى سلم أولوياتها، لكن مع مراعاة السرية في الاتصالات حالياً بفعل حساسية الرأي العام العربي في هذه الدول. ولفت إلى أن الاستراتيجية التي يتّبعها نتنياهو تقوم على التوصل لعلاقات إقليمية وثنائية من خلال المصالح المشتركة وليس من باب القضية الفلسطينية، وإنما عبر توظيف خوف هذه الدول أولاً من القوة الإيرانية المتصاعدة في الخليج وتهديداتها لهذه الدول. وخلص غولد إلى القول إنه على الرغم مما يبدو من جليد يسود علاقات إسرائيل بهذه الدول، إلا أنه تجري تحت طبقة الجليد مياه ساخنة للغاية.
واعتبر مجدلاني أنه وفقاً لما قاله الرئيس المصري الراحل أنور السادات خلال خطابه أمام الكنيست، فإنه مهما عقدت إسرائيل من اتفاقيات صلح منفردة، فهي لن تنعم بالسلام والأمن من دون التوصل إلى حل للصراع الفلسطيني يقوم على حق تقرير المصير. وختم مجدلاني كلمته بالقول إن الأمر الوحيد الذي يضمن مصالح الطرفين والأمن هو إقامة دولة فلسطينية.