مؤتمر يرسم ملامح لإنقاذ الاقتصاد الفلسطيني

05 سبتمبر 2016
ضغوط الاحتلال مستمرة على الفلسطينيين(Getty)
+ الخط -
تداعى مئات الخبراء والأكاديميين والمسؤولين الفلسطينيين إلى الالتقاء في مؤتمر عقده معهد السياسات الاقتصادية "ماس" (مجتمع مدني) في الضفة الغربية وقطاع غزة، من أجل إعداد خطة شاملة على المدى القريب للنهوض بالاقتصاد.

وانطلق المؤتمر من حقيقة أن حصة الفرد من الناتج الإجمالي الحقيقي، آخذة بالانخفاض منذ عام 2000.

ويشير نبيل قسيس، المدير العام لمعهد "ماس" إلى وجود حاجة ملحة للخروج برؤية مبنية على سياسات وآليات تدخل قابلة للتنفيذ من أجل إجراء حلحلة في الواقع الاقتصادي.

وأكد قسيس أنه ورغم الأوضاع السياسية السائدة، وتعمّق الاحتلال والاستيطان إلا أنه يوجد ما يمكن فعله في الهوامش المتاحة، وبجهود ذاتية فلسطينية خالصة، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ولفت قسيس إلى أن الآليات المقترحة للنهوض بالواقع الاقتصادي لا تفترض أن هناك نهاية قريبة للاحتلال الإسرائيلي، كما أنها لا تتطرق إلى خطط بعيدة المدى.

وبدوره، أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمد الله، عن إقامة شراكة استراتيجية بين القطاعين العام والخاص، من أجل بدء المتابعة الفورية لتنفيذ المخرجات والتوصيات الصادرة عن اجتماع مئات الخبراء والاقتصاديين الفلسطينيين بالتزامن بين الضفة والقطاع، يومي الأربعاء والخميس.

الواقع وآليات التدخل

وانطلق المؤتمر من أن قطاع الزراعة تدهور في السنوات الأخيرة، وتدنت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.3 % فقطـ، علما بأن النسبة كانت 8.2 % في عام 2000، وتراجعت في الوقت نفسه نسبة العاملين في الزراعة من 14 % عام 2000 إلى 8.7 % في عام 2015.

ويقر وزير الزراعة الفلسطيني، سفيان سلطان، بأن قطاع الزراعة لم يحظ بالاهتمام المطلوب من صانع القرار، لافتا إلى أن الزراعة يمكن أن تنمو بـ 4 أضعاف في المستقبل، الأمر الذي من شأنه زيادة الناتج المحلي الفلسطيني بمليار دولار سنويا، وتشغيل 200-300 ألف عامل وعاملة.


الصناعة والسياحة

وبقيت مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي مستقرة منذ عام 2000 وحتى 2016 عند 13.5 %، غير أن نسبة العاملين في هذا القطاع انخفضت من 14.2% إلى 13 % ما بين الأعوام 2000- 2015.

وتفيد الحقائق حول هذا القطاع بأن 85% من المواد الخام التي تستخدمها الصناعة الفلسطينية تأتي من إسرائيل أو من خلالها، في حين لا تتعدى حصة المنتج المحلي من إجمالي الاستهلاك 20 %.

ويشير وزير الاقتصاد الفلسطيني الأسبق، باسم خوري، إلى وجود انخفاض في نسب التسهيلات المصرفية الممنوحة للقطاع الصناعي، وتدنٍّ في قدرته على التصدير، بالتزامن مع ارتفاع كلفة العمالة مقارنة بالدول المجاورة، معتبرا أن قانون تشجيع الاستثمار الفلسطيني ليس بالمستوى المطلوب.

وبدوره، رأى الرئيس التنفيذي لشركة فلسطين للتنمية والاستثمار، سمير حليلة، (قطاع خاص)، أن نظام الإقراض من البنوك لا يفيد في إقامة مشاريع إنتاجية، نظرا لحاجة أي مشروع لمدة تتراوح ما بين 3- 5 سنوات من أجل بدء الإنتاج، في حين يبدأ سداد القروض البنكية على الفور، الأمر الذي من شأنه أن يعيق تدفق السيولة من المصارف إلى الاستثمار في السوق، مطالبا، في حديثه مع "العربي الجديد"، بمنتجات مصرفية مثل القروض الاستثمارية بعيدة المدى ومنخفضة الفائدة من أجل إقامة مشروعات إنتاجية.

واقترح المؤتمر منح أسعار تشجيعية للكهرباء والمياه لأغراض الصناعة والصناعة الزراعية، وحوافز ضريبية وتسهيلات مصرفية لاستيراد المعدات والآلات التصنيعية، وتطوير أنظمة المواصفات والمقاييس لتعزيز تنافسية المنتج المحلي، وتكثيف نمط العناقيد الصناعية الموزعة مناطقيا.

وفي قطاع السياحة تراجعت نسبة إشغال الغرف الفندقية من 35% عام 2000 إلى 22% في العام الماضي، وخلال الفترة ذاتها أغلقت 22 فندقا في القدس الشرقية أبوابها.

التجارة والإنشاءات

ومن التحديات الاقتصادية التي رصدها المؤتمر أن 70% من الواردات الفلسطينية هي من إسرائيل أو من خلالها، في حين تشكل نسبة الصادرات الفلسطينية إلى السوق الإسرائيلية ما نسبته 87%، وحث المؤتمر على الاستيراد المباشر إلى السوق الفلسطينية، وتكثيف وتوحيد جهود الشاحنين الفلسطينيين لتأمين الوصول إلى الموانئ الإسرائيلية وتسهيل التجارة الفلسطينية عبرها، إضافة إلى زيادة الضغط السياسي والدبلوماسي على إسرائيل لتيسير التجارة الفلسطينية مع دول الإقليم والعالم الخارجي.

وفي قطاع الإنشاءات والبنية التحتية انطلق المؤتمر من حقيقة أن 94% من الكهرباء في فلسطين مستوردة، وأن مساهمة الطاقة المتجددة من إجمالي الاستهلاك لا تتجاوز 1.5 %.

وأكد المؤتمر أن 60 % من إجمالي المياه المستهلكة في المستوطنات الإسرائيلية تستخرج من الآبار والأحواض الفلسطينية في الضفة، حيث طالب بتشجيع مصادر الطاقة المتجددة من خلال تشريعات ملزمة، وإقامة محطات توليد باستخدام الغاز الطبيعي، وتوحيد جهود كافة الخبراء من أجل تأمين الدعم الدولي للحقوق المائية الفلسطينية، وإدارة الإنتاج بكفاءة من المصادر المائية الخاضعة للسيطرة الفلسطينية.

وينادي المؤتمر بضرورة توفير قطاع نقل ومواصلات عصري يتميز بالكفاءة والانتظام، علماً بأن مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي لم تتجاوز 1.5% في عام 2015.

الفقر والبطالة

وحول نسبة البطالة البالغة 26%، دعا المؤتمر إلى تخصيص صندوق للتدريب المهني من القطاع الخاص، وفقا لاحتياجاته من المهارات المطلوبة، وتحديث البيانات المتعلقة بالباحثين عن عمل وتوفير تسهيلات مصرفية لفترة طويلة وبدون فوائد للمشاريع الشبابية والنسوية الإبداعية.

وتعد البطالة واحدة من أكبر التحديات أمام المجتمع الفلسطيني، خاصة وأنها تصل في قطاع غزة إلى 41% من إجمالي القوى العاملة، وتنخفض في الضفة إلى 17 %، في حين تسجل في القدس الشرقية 19%، وتبلغ في صفوف الإناث 39 % وتنخفض لدى الذكور إلى 22%.

ورصد المؤتمر حقيقة أن ربع الفلسطينيين في الضفة والقدس والقطاع فقراء، وأن 13 % يعيشون في حالة فقر مدقع، خاصة وأن 39% من العاملين في القطاع الخاص يتقاضون أقل من الحد الأدنى للأجور البالغ 1450 شيقلا (385 دولاراً).

كما حث المؤتمر على التطبيق الشامل للحد الأدنى للأجور، وزيادة حصة دخل الفقراء من عملهم الذاتي، بدلا من الإعانات ورفع كفاءة برامج الحماية الاجتماعية.

توصيات أخرى

وأوصى الخبراء في نهاية مؤتمرهم بضرورة استغلال الهوامش القانونية والفنية المتاحة في بروتوكول باريس الاقتصادي، الموقع بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، للاستفادة القصوى من النظام التجاري القائم، ومن ذلك التوصل إلى تقديرات دقيقة لاحتياجات السوق الفلسطيني، وتشجيع الاستيراد المباشر، والاستفادة من الاتفاقات التجارية الموقعة مع دول أخرى.

وكان من بين التوصيات زيادة مساحة الأراضي المسجلة والقابلة للتطوير من خلال تطوير الإطار القانوني، بهدف تسهيل عمليات التسجيل والتسوية وإزالة الشيوع وتوحيد وإعادة تقسيم الأراضي، وكذلك حماية أراضي الفلسطينيين الغائبين، وتشجيعهم على العودة والاستثمار، إضافة إلى الحاجة لإصلاح مناهج التعليم الإلزامي وتنويع الاستثمار في التعليم ما بعد الإلزامي والثانوي، والتوجه لتشجيع وتوسيع التعليم الفني والتقني والمهني وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص والنقابات العمالية في مجال تحديد الاحتياجات من المهارات المختلفة ومستوياتها وفي مجال التدريب، وإنشاء قاعدة بيانات العرض والطلب في سوق العمل، مع التركيز على فئات الشباب والخريجين الجدد الباحثين عن عمل لائق.