وشددت مصادر سعودية على أن بلادهم كان يمكن أن تحقق مركزا أكثر تقدما في التقرير الذي صدر أمس الأربعاء، لو أنها كانت في وضع مالي جيد، ولم تكن الحكومة بحاجة لبعض الإجراءات التقشفية المؤلمة.
وظهر التقرير السنوي للشبكة بعد تحليل الأوضاع السائدة في 157 بلدا، مع الأخذ بعين الاعتبار 38 مؤشرا للسعادة، بدءا بالنظام السياسي ومرورا بمستوى الفساد في المجتمع وأوضاع التعليم وانتهاء بالنظام الصحي، حيث حلت السعودية ثانيا على المستوى العربي بعد الإمارات.
ويؤكد رئيس لجنة المكاتب الاستشارية السعودية، الدكتور عاصم عرب، أنه من الصعب قياس السعادة ماديا، فهي أمر نسبي، وهي غير مرتبطة بالمال بشكل أساسي، ويقول لـ"العربي الجديد": "وجود السعودية في مرتبة متقدمة مؤشر جيد لأن هذه المرتبة جاءت بناء على تقصي للوضع في البلاد، ونأمل أن نكون في العام المقبل في مرتبة أفضل، خاصة أن هذا التقييم جاء وسط ظروف صعبة تمر بها السعودية، سواء من الجانب الاقتصادي، والحروب في اليمن، والحرب على الإرهاب وداعش، أثق أنه لو زالت هذه الظروف سيكون تصنيف السعودية أكثر تقدما".
وشدد الناشط الحقوقي، علي آل حطاب، على أن المؤشر مهم، لكن كان يجب أن يكون مصدر معلوماته معاهد مستقلة وليس الجهات الحكومية ليكون أكثر شفافية، ويقول لـ"العربي الجديد": "نتمنى أن نكون الأفضل، وبدلا من التباهي بالأرقام نأمل أن يكون هناك رضا حقيقي لدى المواطنين، ولكن الواقع يقول إن هناك تذمرا كبيرا من الوضع المعيشي، خاصة في السكن والعلاج، وكانت مثل هذه الدراسات ستكون أكثر دقة لو تم أخذها من خلال الشارع، أو المنظمات الأهلية".
ويضيف آل حطاب، أن الكل يبحث عن الرضى والسعادة، "لا أعلم ما هي المعايير التي اعتمدت عليها الشبكة لتحديد ماهية السعادة، ولا من هي الجهات التي زودت الشبكة بالمعلومات التي اعتمدت عليها، لست أشكك بالتقرير ولكن بالتأكيد لو أن منظمات غير حكومية هي من زود الشبكة بالمعلومات لربما اختلف التقييم، فالجهات الرسمية عادة لا تقدم صورة حقيقية عن الواقع، ولن تنشر معلومات تدينها بالتقصير في نهاية المطاف".
ولا يهتم الناشط الحقوقي بالأرقام التي ظهرت في التقرير، مشيرا إلى أن الأهم هو الجودة والمخرجات، ويضيف: "السعودية متميزة في التعليم، وخاصة بعد برنامج الابتعاث، غير أن التعليم العام أقل جودة، فعلى الرغم من أن هناك إنفاقا كبيرا عليه، وكونه مجانيا بالكامل، إلا أن مخرجاته ضعيفة، كما أن الصحة مجانية مع أنها تعاني من مشاكل أيضا، والدليل تغيير خمسة وزراء للصحة في أقل من ثلاث سنوات، صحيح أن التغيير مؤشر جيد للبحث عن الأفضل، ولكنه يعني أن هناك خللا ما".
ويتابع: "لو أننا نظرنا مثلا لمعيار السكن هل سنكون أفضل من قطر والكويت؟ لا أعتقد".
سعادة نسبية
ويؤكد عدد من السعوديين أنه رغم بعض الصعوبات التي يعانون منها، إلا أنهم سعداء بواقعهم، ويأملون بالأفضل، ويقول ناصر الزيد: "بالتأكيد لو قارنت وضع غالبية السعوديين بالإماراتيين مثلا، فسيقولون نحن لسنا سعداء، ولكن بشكل إجمالي وضعنا أفضل كثيرا من غيرنا، لدينا الأمن والصحة، وهما كافيان للتعويض عن بعض المشاكل، وأزمة السكن والبطالة".
ويعتقد عبد الله الربعي، أن الأوضاع كان يمكن أن تكون أفضل من الوضع الحالي، ويقول: "لو نظرنا مثلا للسكن والتوظيف، لقلنا إن السعوديين غير سعداء، ولكن في المقابل هناك بعض الأمور الجيدة التي تغطي على السلبيات، لا يوجد مجتمع كامل، فالسعادة في نهاية المطاف أمر نسبي وتنبع من القناعة، فقد تجد فقيرا في الصومال أكثر سعادة من ثري في النرويج، من هذا المنطلق نحن كسعوديين سعداء بواقعنا، صحيح أنا هناك من هم تعساء، ولكن الغالبية ليسوا كذلك".
وتعاني النساء من صعوبات أكبر، فمنعهن من عدد من الأمور ومنها القيادة يزيد من صعوبة حياتهن، ولكن الغالبية راضية عن حياتها، تقول منيرة السبيكي: "لدينا مطالب ولدينا حقوق نسعى للحصول عليها، ولكن في المقابل لدينا أشياء تجعلنا سعداء بدونها، لو تحققت لنا مطالبنا بالقيادة والاستقلالية، سنكون أسعد بالتأكيد، ولكن عدم حصول ذلك لا يعني أننا تعيسات".
وتتابع: "نظرة واحدة على أوضاع الدول الأخرى يجعلنا نقتنع أننا بخير، ولكن هذا لا يعني أن نتوقف عن المطالبة بحقوقنا المشروعة حتى نحصل عليها، لأن هذا سيزيد من سعادتنا بالتأكيد".
ويربط تقرير مؤشر السعادة الذي يصدر للسنة الرابعة على التوالي، بين معايير مرتبطة بقياس عدم المساواة في الرفاهية، بين المناطق داخل الدولة الواحدة وبين دول الجوار، كما يستند إلى دراسة دخل الأفراد في الدول التي يشملها، إضافة إلى الفقر ونسبته، والتعليم وأنواعه وتصنيفاته، والصحة العامة، والحكم الرشيد والديمقراطية في الدول، والدعم الاجتماعي، كما يتطرق إلى دراسة مدى رضى السكان أنفسهم عن حياتهم، وربطها بعوامل اقتصادية مثل الناتج المحلي الإجمالي للدولة، والحرية الشخصية، وحرية اتخاذ القرارات.