لم يحسم القضاء العراقي بعد كثيراً من القضايا والجرائم التي تورّط بها تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش) واعترف بارتكابها عبر مواقعه الإلكترونية، لتستمر المحاكمات والجلسات القانونية بالانعقاد وإصدار أوامر قبض جديدة بحق مواطنين أبرياء، وتتحول جرائم "داعش" إلى ملاحقات قانونية تطاول الأبرياء.
وأجبرت قضية "سبايكر"، غير المحسومة، حتى الآن، مئات المواطنين من أهالي محافظة صلاح الدين على مغادرتها هرباً، بسبب الملاحقات من الجهات الرسميّة وغير الرسمية (كالمليشيات) التي ما فتئت تبحث عنهم، الأمر الذي جعل أعداد "المتورطين" بحسب القضاء العراقي أكثر من عدد المجنى عليهم، بعد أن تم إصدار أوامر قبض بحق 818 متهماً بالقضية، ما أثار انتقاد خبراء قانونيين ومنظمات حقوق إنسان، والتي دعت الى عدم تحويل جرائم تنظيم "داعش" إلى قضايا وتصفيات سياسية.
وقال عضو لجنة كشف الحقائق بجريمة "سبايكر"، النائب فائق الشيخ علي، في مؤتمر صحافي، إنّ "لجنة كشف الحقائق ما زالت تتابع ملف مجزرة سبايكر، وتعقد اجتماعات أسبوعية مع المحكمة المختصة التي تبنّت القضية". وبيّن أنّه "تمّ في العام الماضي إدانة 36 شخصاً بالجريمة، وتم تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم، بينما نقض متهم قرار الإعدام في محكمة التمييز، وحكم عليه بالسجن المؤبّد، ثم أفرج عن ثلاثة متهمين في محكمة التمييز".
وأضاف الشيخ علي "لدينا حالياً 78 موقوفاً على ذمة القضية، بينهم 42 متهماً اعترفوا قضائياً بارتكاب الجريمة وتم تدوين اعترافاتهم، بينما لا يزال 23 منهم ينكرون ضلوعهم بالجريمة، ولم يعترفوا بارتكابها، وأنّ التحقيق مستمر معهم، وأنّ قضيتهم مفرّقة استناداً لأحكام المادة 125 أصولياً أو وجود شهادات ضدّهم".
وأشار إلى أنّ "عشرة متهمين اعترفوا أوليّا بارتكاب الجريمة، لكنّهم ينكرون أمام الهيئة القضائيّة، أمّا بقية المتهمين فهم رهن التحقيق، وبصدد إحضارهم للمثول أمام الهيئة التحقيقية القضائية". وأكد أنّ "350 متهماً هارباً، أمّا عدد الإخباريات المقدّمة الى رئاسات الاستئناف كافة والواردة إلى الهيئة التحقيقية القضائية هي 2612 إخباراً".
كما لفت إلى أنّ "عدد أوامر القبض الصادرة في القضية بلغ 818 أمراً"، داعياً الوزارات المعنية الى "الإسراع بإنجاز المطلوب منها، كالداخلية والعدل والمالية لإتمام المحاكمات وفق القانون".
ولاقت الإعدامات المتكررة التي نفذّها القضاء العراقي ضدّ 36 متهماً بجريمة "سبايكر"، موجة انتقادات من قانونيين ومنظمات مجتمع مدني، مطالبين بعدم إصدار أحكام انتقامية، وتحويل القضية إلى قضية سياسية.
وقال قاض في المحكمة الجنائيّة العراقية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قضية سبايكر تعدّ من أكبر القضايا التي تدخّلت بحيثياتها الأحزاب والمليشيات والحكومة"، لافتاً إلى أنّ "القضية كادت أن تؤثّر سلباً على حكومة العبادي بسبب الغضب الشعبي من أهالي المجنى عليهم، ما زاد من حجم الضغوط التي مورست على القضاء لحسمها، ما دفع باتجاه إصدار أحكام الإعدام لامتصاص الغضب الشعبي".
ورأى أنّ "هذه القضايا أساءت إلى سمعة القضاء العراقي، وجعلته مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالسياسة، ما جعل من العمل القضائي بحد ذاته وصمة سيئة بتاريخ من يمارسه".
بدوره، انتقد عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس محافظة صلاح الدين، ما سماه "تسييس القضاء العراقي بهذا الشكل، واستصدار أوامر قبض بحق المئات من الأبرياء".
وقال لـ"العربي الجديد"، إنّ "جريمة سبايكر اعترف بارتكابها تنظيم داعش، ومن غير الممكن أن ينفذ الجريمة 818 عنصراً من التنظيم، لأنّ التنظيم كان ينفذ هجماته الكبيرة بأعداد قليلة جدّاً". واستغرب "هذا الرقم الكبير الذي أصدره القضاء العراقي والذي تسبب بهجرة مئات من أهالي المحافظة الى خارجها، وحتى إلى خارج البلد خوفاً من الجهات الرسمية والمليشيات التي تلاحقهم، وقد تركوا عوائلهم وأطفالهم".
وحذّر المسؤول، الذي طلب عدم كشف اسمه، من "خطورة تحويل جرائم داعش الى جرائم قانونية تلاحق الأبرياء"، مؤكداً أنّه "من غير المعقول أن يكون 818 شخصاً شاركوا بهذه الجريمة".
وكان تنظيم "داعش" قد أعدم منتصف يونيو/حزيران 2014، 1700 من طلبة كلية القوة الجوية والمتطوعين للقوات المسلحة، في قاعدة "سبايكر"، شمالي تكريت.