ماذا بعد زلزال الاغتيال؟

09 يناير 2020
تأثيرات مباشرة على أسعار النفط (فرانس برس)
+ الخط -

 

الانقسام في ردود الفعل الأميركية، وحسب مشاهدة المرء وسائل الإعلام الأميركية، حيال اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، في بغداد واضحٌ وبيّن.

فالديمقراطيون وأنصارهم يرون أن الدافع الأساسي للعملية هو كسب الرأي العام الأميركي لصالح الرئيس دونالد ترامب والحزب الجمهوري، أما الجمهوريون فيصفونه بأنه الرد الفعال على ما يتّهمون به الحرس الثوري وعملياته خارج إيران من استهداف لجنود وأشخاص أميركيين وحلفاء أميركا في المنطقة.

لكن ردة الفعل الاقتصادية أتت لتُحدِث كل ما هو غير مرغوب لإدارة ترامب، فقد نتج عنها ارتفاعٌ فوريٌ في أسعار النفط، حيث ارتفع سعر نفط خام برنت بأكثر من ثلاثة دولارات، في الوقت الذي تراجع فيه مؤشر "داو جونز" للأسهم بأكثر من مائتي نقطة.

وقد تزامن الهبوط في هذين المؤشرين مع تراجع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي الأميركي إلى أدنى مستوياته في السنوات التسع الأخيرة.

ولذلك، من المتوقع أن تبقي إيران على حالة التوتر القائمة حالياً في المنطقة، وفي مواقع كثيرة. ومع أن إيران والولايات المتحدة متعاديتان، إلا أنهما يتشاركان في مواقع كثيرة، مثل العراق، وسورية، واليمن، ولبنان وبعض الدول في وسط آسيا، خصوصا أفغانستان.

ولذلك، الساحة أمام إيران واسعة، لكي توجه ضربة للقوات الأميركية. وقد يكون من أهدافها استخدام لبنان في حالة ضعفه الراهنة لضرب مواقع إسرائيلية، أو إعادة تثوير الحدود في قطاع غزة.

وإبقاء التوتر على حاله، ستكون له تأثيرات مباشرة على ارتفاع أسعار النفط، خصوصا بسبب ارتفاع مخاطر النقل، سواء بالسفن في مضيق هرمز أو الخليج، أو عبر الأنابيب والمصافي ومراكز تجهيز النفط قبل شحنه.

وإذا حصل هذا الاضطراب، فإن أسعار النفط على المستهلك الأميركي سترتفع قليلاً، ما قد يدفع الرئيس ترامب لكي يضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي"، لكي يخفض أسعار الفوائد أكثر، تجنباً لرفع الأسعار عامة، ودعماً لأسواق البورصة المالية.

وخلاصة الأمر أن اغتيال سليماني وأعوانه في بغداد قد أعطى إيران أوراقا اقتصادية لم تكن لديها قبل الاغتيال. لقد عبّرت إيران، حتى فجر يوم الجمعة الماضي، عن أنه الضحية المستهدفة من الضغوط الاقتصادية الأميركية، من دون أن تكون لديها أي أدوات للرد حتى فجر الأربعاء حيث شنت هجوما كبيرا على قوات التحالف بقيادة أميركا في العراق.

أما بعد حادثة اغتيال قاسم سليماني، فقد أعطيت إيران وأنصارها العذر، لكي تهدد مواقع أميركية ومنشآت نفطية في الشرق الأوسط. وهذا يضع الأمور على المحكّ، وعلى مسارٍ صعب قابل للانفجار، فإما أن يقتنع الطرفان أن من مصلحتهما الجلوس إلى مائدة التفاوض، أو أن يقتنع الطرفان بأن لا مخرج من الأزمة إلا بحربٍ طويلة، ولعل هذا ما يريده اليمين المتطرّف في إسرائيل، وحكومتها اليمينية بقيادة نتنياهو.

في ظل هذه الحقائق، ما الذي يمكن أن يجري للوطن العربي؟ هل سيكون الغُنْم الذي يريد الجميع أن يتقاسمه، وأقصد بالجميع الولايات المتحدة، وأوروبا، وروسيا، وإيران، وتركيا وإسرائيل؟ سواء أكان بالولوج في حربٍ طويلة أم عبر اتفاق "سايكس بيكو" جديد.

ولعل قصة الغاز في البحر المتوسط، وما يجري حولها من صراعات ونزاعات وعقود وغيرها توضح لنا الأمور، فهنالك سبق إسرائيلي لبئر غاز، اسمها الحوت أو ليفاثيان، وتبعد حوالي 130 كيلومتراً عن ميناء حيفا (شمال غرب)، وتواجه ساحل غزة، ومصر وسورية ولبنان، وغيرها. لكن إسرائيل كانت السبّاقة إلى ما تسميه حقل "ليفاثيان"، وآخر قبله، وقد وقعت قبل عامين اتفاقاً تزود به الغاز إلى الأردن، وآخر حديثاً تزوّد به مصر بالغاز.

وكذلك، اتفقت إسرائيل مع قبرص واليونان، بتوقيع اتفاق لمد خط أنابيب غاز إلى إيطاليا، حيث يذهب الغاز بعد ذلك إلى دول في شرق أوروبا. وفي مقابل ذلك، وقعت تركيا اتفاقا مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج بطرابلس لاستثمار الغاز في ليبيا والبحر المتوسط مقابل الدعم العسكري والمعنوي واللوجستي لها.

إذاً، صار الغاز موضع رهان وتقسيم في منطقتنا العربية. وهو يدلل على ما للأقوياء الدوليين والإقليميين من تطلعاتٍ في منطقتنا، فما هو الحل؟ وكيف نستطيع أن نبدأ حواراً عربياً يدرك فيه جميع العرب، قادة وشعوباً، أن ضعفهم وانقسامهم هما ما يغريان بهما الآخرين. ولا أقول إن الأطراف الأخرى كلها سيئة أو عدوة، بل أقول إن ضعفنا وهوان حالنا وتشرذمنا وعدم تعلمنا من دروس الربيع العربي هي التي قادتنا إلى هذا الوضع.

آن الأوان أن يبدأ الجميع بالتحرّك لوضع حدود لهذا الانشقاق في الصف العربي، وقد وصل الشقاق إلى حد أن بعضنا لا يأمن فيه بعضاً، بل ويسعى كل طرف إلى إسقاط الطرف الآخر. دعونا نتوقف ونتأمل وضعنا بعد عشر سنوات.

لعلنا، إن بقي الحال على حاله، سيصل عددنا إلى 40 عضواً في الأمم المتحدة، وكلنا تابع لهذا الطرف أو ذاك. ويكثر بيننا الجوع، حتى ينطبق علينا الحوار الأندلسي في القرن الأخير من وجودنا هنالك.

أليس من أسهل الأمور أن ندعو إلى قمةٍ عربيةٍ نحل فيها بعض خلافاتنا؟ وأن نتفق على فتح الحدود أمام رجال أعمالنا ورؤوس أموالنا حتى تتدفق بدون تدخل سياسي فيها؟ كلنا سوف يستفيد من هذا الوضع، وستكثر الاستثمارات التي نحن في أمسّ الحاجة إليها.

وقد يكون مقتل سليماني هو الزلزال العربي الذي سيضرب منطقتنا، مثلما كان اغتيال آرشدوق النمسا في مدينة سيراييفو عام 1914 مفتاح الحرب العالمية الأولى.

لن تقع على الأرجح حرب عالمية ثالثة، طالما أن الصين ترقب، لكن منطقتنا مرشحة لأهوالٍ لا طاقة لنا بها، إذا لم ننقذ أنفسنا بموقفٍ منسقٍ يراعي أبسط حقوق الجوار والتاريخ والثقافة والحضارة.