03 سبتمبر 2020
ماذا يريد الإليزيه من السرايا الحمراء؟ (3/3)
موقف فرنسا من هجوم حفتر على طرابلس
بعد شهر من انطلاق العدوان على طرابلس انطلق رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج ووزير خارجيته وداخليته بجولة أوروبية تضمنت برلين ولندن وروما وباريس، وفي استقبال باهت استقبل ماكرون السراج وطلب منه أن يدين عدوان حفتر على طرابلس، لكن جموح قوات حفتر وعلو كعبها تلك الفترة ربما كانا يداعبان مشاعر ماكرون ووزير خارجيته لودريان الداعمين لخليفة حفتر من تحت الطاولة، زيارة عاد فيها السراج بخفي حنين.
لكن التعاون الوفاقي التركي بدأ يقلب الموازين جزئيا، فبعد قرابة ثلاثة أشهر من شن حملة حفتر على طرابلس، قامت قوات الوفاق بالاستيلاء على مدينة غريان غرفة عمليات حفتر للهجوم على طرابلس، وشن هذا الحدث غير المتوقع حملة من التساؤلات حول مدى قوة حفتر وصلابة قواته، إضافة إلى خسارة مدينة مهمة، إلا أن ما وجدته قوات الوفاق من أسلحة ومعدات لوجستية قد أحرجت الإمارات والأردن إضافةً لفرنسا.
فقد عثرت قوات الوفاق على صواريخ جافلن أميركية الصنع في فضيحة مدوية أحرجت فرنسا، وتمثل خرقا حقيقيا لحظر توريد الأسلحة المفروض على ليبيا والذي من المفترض أن تراقبه فرنسا نفسها، وفي تعليق مرتبك قالت وزارة الجيوش الفرنسية إن صواريخ جافلن الأميركية الصنع، التي عثر عليها في قاعدة غريان على بعد نحو مائة كيلومتر جنوب غرب طرابلس، "تعود في الواقع للجيش الفرنسي الذي اشتراها من الولايات المتحدة".
كما قالت الوزارة الفرنسية إن "هذه الأسلحة كانت تهدف إلى توفير الحماية الذاتية لوحدة فرنسية نشرت لغرض استطلاعي في إطار مكافحة الإرهاب". وبذلك اضطرت الوزارة الفرنسية إلى تأكيد نشر تلك القوة بينما لا تتطرق باريس عادة إلى العمليات التي تشارك فيها قواتها الخاصة وعناصر استخباراتها.
وأكدت باريس أنه تم تخزين هذه الذخيرة "التالفة وغير الصالحة للاستخدام مؤقتًا في مستودع بهدف تدميرها" و"لم يتم تسليمها لقوات محلية". وبذلك نفت باريس تسليمها إلى قوات حفتر لكنها لم توضح كيف انتهت في تلك القاعدة في أيدي تلك القوات.
رد باريس المرتبك لم يغير من الواقع شيئا فهي الداعمة لحفتر دبلوماسيا وعسكريا ولوجستيا، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي سفن لودريان التي أبحرت باتجاه حفتر، فباريس وعبر لقاءات دبلوماسية هي من صنعت من حفتر واجهة سياسية، ولعل أبرزها جمعه مع عقيلة صالح والمشري والسراج في باريس لوضع أطر للعملية السياسية.
استمرت العمليات العسكرية، وتوغل حفتر في قلب طرابلس بعد دخول مرتزقة فاغنر رسميا للمحاور، ومع توقيع حكومة الوفاق اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، إضافة لمذكرة تعاون أمني وعسكري مع أنقرة، ومع احتدام المعارك وتوغل فاغنر التابعين لحفتر شيئا فشيئا، طلبت حكومة الوفاق دعما عسكريا بريا وبحريا وجويا من أنقرة، وصادق البرلمان التركي على إرسال قوات عسكرية وأمنية لليبيا في أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي.
قابلت باريس الخطوة بتحفظ كبير، فتركيا بغض النظر عن إمكانية تغييرها لمسار المعارك، إلا أنها ليست الدولة المفضلة لباريس، فبينهما ما صنع الحداد، ويعود خروج الخلافات بين الدولتين للعلن إلى بداية التنقيب التركي عن الغاز على شواطئ قبرص الشمالية التي تخضع للإدارة التركية.
استمرت المعارك بين مد وجزر جنوبي طرابلس، وفي مطلع مارس/ آذار الماضي، أعلن وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا لرويترز عزم حكومته على إطلاق عملية عسكرية لتحرير طرابلس والغرب الليبي، ويبدو أن هذا التصريح قوبل ببعض من الاستهزاء في وقتها، حيث كانت قوات حفتر تتوغل ببطء في أحياء كأبوسليم وغيره، وفي منتصف إبريل/ نيسان الماضي، سيطرت الوفاق على خمس مدن ساحلية مهمة في الغرب الليبي، وبعدها بشهر تقريبا سيطرت الوفاق على قاعدة الوطية الجوية الاستراتيجية، تبع هذه السيطرة تهاوي قوات حفتر التي انسحبت من طرابلس من شدة تأثير ضربات الوفاق ثم ترهونة وبني وليد.
وتنفيذا لقرارات مؤتمر برلين أعلن الاتحاد الأوروبي عملية ايريني لفرض حظر على توريد السلاح في ليبيا، العملية كانت بقرار أوروبي وبهندسة فرنسية، مستغلة فيها فرنسا تهور اليونانيين وتحمسهم للتحرش بالأتراك، لكن أتت الرياح أيضا مرة أخرى ضد اتجاه سفن الإبحار الفرنسية، إذ تفيد مواقع متخصصة بأن السلاح لم يتوقف عن التدفق لحفتر من الإمارات ومصر براً وجواً، بينما سيرت أنقرة جسراً جوياً مع طرابلس لتعزيز وجودها ولضمان عدم الاحتكاك مع الأوروبيين.
لكن التعاون الوفاقي التركي بدأ يقلب الموازين جزئيا، فبعد قرابة ثلاثة أشهر من شن حملة حفتر على طرابلس، قامت قوات الوفاق بالاستيلاء على مدينة غريان غرفة عمليات حفتر للهجوم على طرابلس، وشن هذا الحدث غير المتوقع حملة من التساؤلات حول مدى قوة حفتر وصلابة قواته، إضافة إلى خسارة مدينة مهمة، إلا أن ما وجدته قوات الوفاق من أسلحة ومعدات لوجستية قد أحرجت الإمارات والأردن إضافةً لفرنسا.
فقد عثرت قوات الوفاق على صواريخ جافلن أميركية الصنع في فضيحة مدوية أحرجت فرنسا، وتمثل خرقا حقيقيا لحظر توريد الأسلحة المفروض على ليبيا والذي من المفترض أن تراقبه فرنسا نفسها، وفي تعليق مرتبك قالت وزارة الجيوش الفرنسية إن صواريخ جافلن الأميركية الصنع، التي عثر عليها في قاعدة غريان على بعد نحو مائة كيلومتر جنوب غرب طرابلس، "تعود في الواقع للجيش الفرنسي الذي اشتراها من الولايات المتحدة".
كما قالت الوزارة الفرنسية إن "هذه الأسلحة كانت تهدف إلى توفير الحماية الذاتية لوحدة فرنسية نشرت لغرض استطلاعي في إطار مكافحة الإرهاب". وبذلك اضطرت الوزارة الفرنسية إلى تأكيد نشر تلك القوة بينما لا تتطرق باريس عادة إلى العمليات التي تشارك فيها قواتها الخاصة وعناصر استخباراتها.
وأكدت باريس أنه تم تخزين هذه الذخيرة "التالفة وغير الصالحة للاستخدام مؤقتًا في مستودع بهدف تدميرها" و"لم يتم تسليمها لقوات محلية". وبذلك نفت باريس تسليمها إلى قوات حفتر لكنها لم توضح كيف انتهت في تلك القاعدة في أيدي تلك القوات.
رد باريس المرتبك لم يغير من الواقع شيئا فهي الداعمة لحفتر دبلوماسيا وعسكريا ولوجستيا، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي سفن لودريان التي أبحرت باتجاه حفتر، فباريس وعبر لقاءات دبلوماسية هي من صنعت من حفتر واجهة سياسية، ولعل أبرزها جمعه مع عقيلة صالح والمشري والسراج في باريس لوضع أطر للعملية السياسية.
استمرت العمليات العسكرية، وتوغل حفتر في قلب طرابلس بعد دخول مرتزقة فاغنر رسميا للمحاور، ومع توقيع حكومة الوفاق اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، إضافة لمذكرة تعاون أمني وعسكري مع أنقرة، ومع احتدام المعارك وتوغل فاغنر التابعين لحفتر شيئا فشيئا، طلبت حكومة الوفاق دعما عسكريا بريا وبحريا وجويا من أنقرة، وصادق البرلمان التركي على إرسال قوات عسكرية وأمنية لليبيا في أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي.
قابلت باريس الخطوة بتحفظ كبير، فتركيا بغض النظر عن إمكانية تغييرها لمسار المعارك، إلا أنها ليست الدولة المفضلة لباريس، فبينهما ما صنع الحداد، ويعود خروج الخلافات بين الدولتين للعلن إلى بداية التنقيب التركي عن الغاز على شواطئ قبرص الشمالية التي تخضع للإدارة التركية.
استمرت المعارك بين مد وجزر جنوبي طرابلس، وفي مطلع مارس/ آذار الماضي، أعلن وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا لرويترز عزم حكومته على إطلاق عملية عسكرية لتحرير طرابلس والغرب الليبي، ويبدو أن هذا التصريح قوبل ببعض من الاستهزاء في وقتها، حيث كانت قوات حفتر تتوغل ببطء في أحياء كأبوسليم وغيره، وفي منتصف إبريل/ نيسان الماضي، سيطرت الوفاق على خمس مدن ساحلية مهمة في الغرب الليبي، وبعدها بشهر تقريبا سيطرت الوفاق على قاعدة الوطية الجوية الاستراتيجية، تبع هذه السيطرة تهاوي قوات حفتر التي انسحبت من طرابلس من شدة تأثير ضربات الوفاق ثم ترهونة وبني وليد.
وتنفيذا لقرارات مؤتمر برلين أعلن الاتحاد الأوروبي عملية ايريني لفرض حظر على توريد السلاح في ليبيا، العملية كانت بقرار أوروبي وبهندسة فرنسية، مستغلة فيها فرنسا تهور اليونانيين وتحمسهم للتحرش بالأتراك، لكن أتت الرياح أيضا مرة أخرى ضد اتجاه سفن الإبحار الفرنسية، إذ تفيد مواقع متخصصة بأن السلاح لم يتوقف عن التدفق لحفتر من الإمارات ومصر براً وجواً، بينما سيرت أنقرة جسراً جوياً مع طرابلس لتعزيز وجودها ولضمان عدم الاحتكاك مع الأوروبيين.
لكن تحرك 14 طائرة حربية من قاعدة حميم السورية إلى قاعدة الجفرة الليبية لدعم حفتر من قبل روسيا، وبيانات القوات الأميركية في أفريقيا (افريكوم) وحلف الناتو والخارجية الأميركية، كانت بمثابة هدية قدمها الروس للأتراك على طبق من ذهب، فمباشرة تحرك الأميركان ونشروا قوات في تونس، معللين هذا تحت بند الاستشارات والتدريب، ويبدو أن واشنطن أعطت ضوءا أخضر لتركيا لتعزيز وجودها، خاصةً أن أنقرة عضو مهم وحليف استراتيجي لواشنطن سياسيا وعسكريا في حلف شمال الأطلسي.
هل راهن الإليزيه على حصان خاسر؟
فرنسا التي وضعت كل بيضها في سلة حفتر لم تستوعب تسارع الأحداث، وأصبحت تغرد خارج السرب وتشتكي لواشنطن وواشنطن لا تعلق، بعد أن منحت الأخيرة للأتراك هوامش واسعة للتحرك في ليبيا، خاصة في ظل التخبط الذي تعيشه الإدارة الأميركية وعدم حسمها لموقفها من القضية الليبية بعد.
فرنسا لا تبحث عن حفتر ولكنها تبحث عن تقليص الدور التركي والحصول على جزء من الكعكة الذي يبدو أنه لم يعد ممكنا بسهولة، خاصة أن الغرب الليبي أصبح مواليا لأنقرة، وأن الشرق الليبي تحت وصاية موسكو، من جهة أخرى ففرنسا دولة أوروبية في الناتو، والوجود الروسي في ليبيا لن يكون أبدا لمصلحتها، ويبدو أن ماكرون ليس هو ذلك الثعلب الذي من الممكن أن يصنع الفارق في أروقة الدبلوماسية العالمية بهذا الفكر المحدود.
لكن خيارات فرنسا لن تنضب بسهولة فدول الحوض الجنوبي المحيطة بليبيا تدين لها بالولاء، إضافة إلى بعض القبائل والتشكيلات المسلحة، التي من الممكن أن تصنع حراكا في الجنوب الليبي قد يتماهى مع هوى الإليزيه، أو صنع نموذج فوضوي قد يزعج أنقرة ويقلل من فرصها في العمل في جنوب ليبيا الغني بالثروات.
بالتأكيد فإن فرنسا هي من ورطت نفسها، ورغم احتفاظها بشعرة معاوية طيلة العدوان وقبله مع الوفاق، إلا أنها ومن خلال تصريحاتها الأخيرة واستعدائها لتركيا، قد وضعت نفسها في زاوية الخصم، فكيف تقلق فرنسا من وجود شرعي بضوء أميركي ولا تقلق من تحرك روسي عبر عصابات فاغنر التي تعيث فسادا وإفسادا في أوكرانيا الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي.
فرنسا أصبحت تحت إدارة ماكرون ولودريان تسير فعليا في حقل من الألغام، فعلى ما يبدو لي أنه من الصعوبة بمكان توحيد موقف فرنسي روسي، وإغضاب العم سام، فالنزاع مع تركيا حتى وإن كان عميقا فإنه سيكون محدودا بمرجعيته الأميركية، أي أن الولايات المتحدة بإمكانها كبح أي جموح تركي، إضافة إلى أن روسيا سيطرت على سورية وهي منطقة نفوذ وامتداد فرنسي منذ سايكس بيكو، فضلاً عن ندرة التعاون أساسا بين البلدين، في أي من قضايا المنطقة، وليس بالإمكان المجازفة بإغضاب أميركا على حساب أوهام قد لا تحقق، كما أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي ستجرى ربيع 2022 سيكون الملف الليبي لاعبا أساسيا فيها، فماكرون فعليا لا رصيد داخليا لديه، وخارجيا يبدو أن الإخفاق في ليبيا سيكون بمثابة رصاصة الرحمة التي قد تزيحه من المشهد السياسي ولو لحين.