19 سبتمبر 2022
ماراثون "الكتلة الكبرى" في العراق
طالما أتأمّل طويلاً في مقولة ذكيّة قالها ألبرت آينشتاين، وهو يعيش مرارة من يصفّق للسياسيين الأغبياء، قال: العالم لا يتحطّم بواسطة الأشرار، بل بواسطة من يشاهدونهم من دون أن يفعلوا شيئاً ما ضدّهم كي يوقفوهم عند حدّهم.. وهذا ما يحدث في العراق منذ سنوات.. يعيش العراق اليوم ماراثون البحث عن الكتلة الكبرى، بحيث يمكنها تسلّم الحكم، كعادة حليمة القديمة.. وها نحن نرى كلّ المساومات والوصوليات، وسوق الذمم حيث تباع وتشترى، ومزاد كلّ الاتفاقات والتحالفات الخالية من كلّ القيم والمبادئ لدى طبقةٍ سياسيةٍ تسعى إلى البقاء في السلطة، مهما كلّف الأمر.. ويأتي السباق اليوم بعد فشل انتخابات تشريعية فشلاً ذريعاً، إذ اتهمت رسمياً وشعبياً، كونها انتخابات مزّورة، بمعنى أنّ أيّ تشكيل سياسي تربَّع على دست الحكم سيكون لا شرعية له أبداً.
عندما تختفي المبادئ من شرعة أيّ بلد، أو من أيديولوجيته الوطنية، نجد الأوضاع تغوص في مستنقعٍ من الفوضى السياسيّة، وهذا ما يشهده العراق اليوم، إذ نجد سباقاً غير أخلاقي، ومنعدم الثوابت لدى قوى سياسيّة مزمنة، لها مراكز قوة ونفوذ، وقد فرضت نفسها بقوة المال والسلاح، ويصل توحشّها حدّ الافتراس في الوصول إلى السلطة والاستحواذ عليها، أو حتى استلابها، بعد أن افتقدت كلّ المعاني السامية التي لم يزل يؤمن بها المخلصون من العراقيين، ذلك أنّ المتصارعين السياسيين يخضعون لعوامل وأجندات خارجية، أكثر منها وطنية، ناهيكم عن نوازعهم الشريرة من أجل حكم البلاد. وعليه، فهم يسعون إلى تشكيل الكتلة الكبرى، كي يفوزوا بالمناصب، واحتكار السلطة والانفراد بالقرار السياسي.
مضت مراحل ساخنة من 2018، شغلت الناس بالانتخابات التشريعية، وكم سمعنا قيادات تافهة تتحدّث للناس باسم التغيير، والقضاء على الفساد، وتشكيل النزعة المدنية، وإرساء
الوطنية، واعتماد الكفاءة، ورفع شعارات الديمقراطية، وأنهم ضد المحاصصة.. إلى غير ذلك من الكليشيهات الوهمية المرحلية، ومرّت الانتخابات على أسوأ ما يكون الحال، واتهموا هم أنفسهم جولات الانتخابات بالتزوير، وأدينت المفوضية وسط تشكيك أحدهم بالآخر.. ونودي بإلغاء الانتخابات التي طاولها الفساد باعتراف الجميع. ولكن خرجت المحكمة العليا بقراراتها التي مسحت كلّ ما حصل بجرّة قلم، جرّاء تواطؤها المخزي، فعادت مراكز القوى وكلّ أتباعها تتسابق من أجل تشكيل الكتلة الكبرى للفوز، وهم بين قوتين اثنتين: إيران والولايات المتحدة.. ولا يعرف حتى اليوم أي موقف عراقي وطني، له ثوابته إزاء الأزمة بين الدولتين، ولم يعد الأمر مفضوحاً فقط، بل يشكّل فجيعة تاريخية مدمرّة للعراق، يوماً بعد آخر، إذ تتسابق مراكز القوى في العراق لكسب ود الطرفين، بلا أية إرادة وطنية، تكسي هؤلاء المتصارعين على السلطة عريهم المكشوف. والسؤال هنا: ما حصيلة التزوير؟ من هم أبطاله؟ أين لجان التحقيق؟ أين النتائج؟
يتسابقون اليوم إلى تشكيل الكتلة الكبرى، ليس من أجل تسيير شؤون العراق المعطّلة، أو خلاصهِ من هذا المستنقع الآسن، بل من أجل الاستحواذ على السلطة، مهما كانت الأثمان باهظة.. ويكفي أن واحداً من ثلاثة سيرشّح رئيساً للوزراء، فكيف سيتم تشكيل الحكومة اذن؟ ولا يبدي الشعب أي اعتراضات حقيقية على ما يحدث، وكأنّ الشعب قد صدّق أكذوبة العمليّة الانتخابية، وأن الفائزين يتمتعون بصفة الزعامة أو الريادة أو القيادة في الحقيقة. وقد صدّق هؤلاء من المتنازعين مرة، والمتحالفين مرات، أنهم يمتلكون الشرعيّة وسط هذه الفوضى السياسيّة العارمة.
الكتلة الكبرى تعني الاستحواذ المحاصصي للسلطة، كما هو متوقّع.. تعني هيمنة قوى حزبية أو طائفية أو عميلة على مجلس النواب، كما تشير كلّ الدلائل.. الكتلة الكبرى تعني دكتاتورية الجماعة المسيطرة التي تتألّف من عصابات ومليشيات، وبمعيّتها من رضي بالتحالف لينال الفتات.. الكتلة الكبرى تعني إبقاء البلاد تحت هيمنة هذا أو ذاك، في ظلّ أوضاع منقسمة وخطيرة تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط بأسرها، وخصوصاً في العراق الذي يُخشى من أن يزّج في حربٍ طاحنةٍ قادمة، أو جعل العراق، ومن أكبر الاحتمالات، بقرة حلوباً لإيران، في أزمتها الفعلية اقتصادياً ومالياً. الكتلة الكبرى تعني امتلاك كلّ القرار السياسي، وكلّ المقدّرات بيدها، وسحق كلّ الكتل الأصغر واحتقارها، وخصوصاً من يملك ذرةً من الوطنية، ويطالب بإعمار العراق وتحقيق أمنه القومي.. الكتلة الكبرى تعني انفتاح الباب لامتهان كلّ العراقيين، واستمرار النهب، وغياب الأمن، واستشراء الفساد تحت أغطية جديدة.. والسماح ببقاء التظاهرات الشعبية، ما دامت سلمية ووديعة، وليس للشعب فيها إلا شقّ الحناجر، ولطم الخدود، وإعلان الغضب.
ما نشهده اليوم لدى الطبقة السياسية، وفي مقدّمتها الأحزاب وجماعات الحكم وعلاقاتها
المتفسخّة التي تتحكّم بها المصالح الفئوية والطائفية، وحتى الشخصية.. وما تتصّف به من دسائس ومشاغبات، وتبادل مصالح وممارسة تشهير، وبيع الذمم وشرائها وامتهان القيم وتوزيع الحصص حسب الإملاءات.. حتى بات الكلّ يتعامل وسط مستنقع قذر، باشتراك الجميع فيه، ومن خلال سيناريو يجيد الساسة العراقيون اليوم تلاعبهم على ملعبه، فمن كان عدّواً لدوداً لخصمه بات رفيقاً له، ومن كنت تجده يستعرض عضلاته، بوطنيته وشرفه وولائه الطائفي، بات اليوم يلعق الأحذية لتحقيق مصالحه. من كان يتأمل به أهله الخير في إعمار مدينته بات اليوم حليفاً لقاتله، كي يفوز بمنصب سيادي.. وهكذا بالنسبة للأسماء التي تعوّدت الانتقال من منصب إلى آخر.
كم كان حريّاً بالعراقيين، إن بقيت لديهم مجرد ثوابت وطنية عليا، السعي إلى إلغاء أوسخ عملية انتخابية غير تشريعية جرت حتى الآن، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، تقوم بإعادة الانتخابات العامة في ظل قانون طوارئ خاص، يمنع كلّ المتورطين من الاشتراك فيها، وتشكيل هيئة تحقيق قضائية عليا، لمحاسبة الفاسدين، من دون تلكؤ أو تأخير أبداً.. العراق لا يمكنه الخلاص من ربقة هؤلاء، إلا في هذه المرحلة التي تشعر فيها إيران بالاختناق، ولكي لا يكون العراق متنفساً لها، أو رئة تتنفس من خلالها، وتزيد من انسحاقه يوماً بعد آخر.. وحتى لا تتكرّر مآسي نشوب حرب أهلية، فالانقسامات السياسية شديدة جداً، وهي تنذر بالخطر. إن حكومة إنقاذ وطني ستكون منقذاً للعراق، تجنّبه الكوارث، وتخلّصه من كلّ الإجحاف الذي حاق به، كما أنها ستنقذ كلّ العراقيين من الانسحاق الذي يعيشونه منذ سنوات طوال.. فهل سيتحقق حلم العراقيين وإنقاذهم؟ أشكّ في ذلك.
عندما تختفي المبادئ من شرعة أيّ بلد، أو من أيديولوجيته الوطنية، نجد الأوضاع تغوص في مستنقعٍ من الفوضى السياسيّة، وهذا ما يشهده العراق اليوم، إذ نجد سباقاً غير أخلاقي، ومنعدم الثوابت لدى قوى سياسيّة مزمنة، لها مراكز قوة ونفوذ، وقد فرضت نفسها بقوة المال والسلاح، ويصل توحشّها حدّ الافتراس في الوصول إلى السلطة والاستحواذ عليها، أو حتى استلابها، بعد أن افتقدت كلّ المعاني السامية التي لم يزل يؤمن بها المخلصون من العراقيين، ذلك أنّ المتصارعين السياسيين يخضعون لعوامل وأجندات خارجية، أكثر منها وطنية، ناهيكم عن نوازعهم الشريرة من أجل حكم البلاد. وعليه، فهم يسعون إلى تشكيل الكتلة الكبرى، كي يفوزوا بالمناصب، واحتكار السلطة والانفراد بالقرار السياسي.
مضت مراحل ساخنة من 2018، شغلت الناس بالانتخابات التشريعية، وكم سمعنا قيادات تافهة تتحدّث للناس باسم التغيير، والقضاء على الفساد، وتشكيل النزعة المدنية، وإرساء
يتسابقون اليوم إلى تشكيل الكتلة الكبرى، ليس من أجل تسيير شؤون العراق المعطّلة، أو خلاصهِ من هذا المستنقع الآسن، بل من أجل الاستحواذ على السلطة، مهما كانت الأثمان باهظة.. ويكفي أن واحداً من ثلاثة سيرشّح رئيساً للوزراء، فكيف سيتم تشكيل الحكومة اذن؟ ولا يبدي الشعب أي اعتراضات حقيقية على ما يحدث، وكأنّ الشعب قد صدّق أكذوبة العمليّة الانتخابية، وأن الفائزين يتمتعون بصفة الزعامة أو الريادة أو القيادة في الحقيقة. وقد صدّق هؤلاء من المتنازعين مرة، والمتحالفين مرات، أنهم يمتلكون الشرعيّة وسط هذه الفوضى السياسيّة العارمة.
الكتلة الكبرى تعني الاستحواذ المحاصصي للسلطة، كما هو متوقّع.. تعني هيمنة قوى حزبية أو طائفية أو عميلة على مجلس النواب، كما تشير كلّ الدلائل.. الكتلة الكبرى تعني دكتاتورية الجماعة المسيطرة التي تتألّف من عصابات ومليشيات، وبمعيّتها من رضي بالتحالف لينال الفتات.. الكتلة الكبرى تعني إبقاء البلاد تحت هيمنة هذا أو ذاك، في ظلّ أوضاع منقسمة وخطيرة تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط بأسرها، وخصوصاً في العراق الذي يُخشى من أن يزّج في حربٍ طاحنةٍ قادمة، أو جعل العراق، ومن أكبر الاحتمالات، بقرة حلوباً لإيران، في أزمتها الفعلية اقتصادياً ومالياً. الكتلة الكبرى تعني امتلاك كلّ القرار السياسي، وكلّ المقدّرات بيدها، وسحق كلّ الكتل الأصغر واحتقارها، وخصوصاً من يملك ذرةً من الوطنية، ويطالب بإعمار العراق وتحقيق أمنه القومي.. الكتلة الكبرى تعني انفتاح الباب لامتهان كلّ العراقيين، واستمرار النهب، وغياب الأمن، واستشراء الفساد تحت أغطية جديدة.. والسماح ببقاء التظاهرات الشعبية، ما دامت سلمية ووديعة، وليس للشعب فيها إلا شقّ الحناجر، ولطم الخدود، وإعلان الغضب.
ما نشهده اليوم لدى الطبقة السياسية، وفي مقدّمتها الأحزاب وجماعات الحكم وعلاقاتها
كم كان حريّاً بالعراقيين، إن بقيت لديهم مجرد ثوابت وطنية عليا، السعي إلى إلغاء أوسخ عملية انتخابية غير تشريعية جرت حتى الآن، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، تقوم بإعادة الانتخابات العامة في ظل قانون طوارئ خاص، يمنع كلّ المتورطين من الاشتراك فيها، وتشكيل هيئة تحقيق قضائية عليا، لمحاسبة الفاسدين، من دون تلكؤ أو تأخير أبداً.. العراق لا يمكنه الخلاص من ربقة هؤلاء، إلا في هذه المرحلة التي تشعر فيها إيران بالاختناق، ولكي لا يكون العراق متنفساً لها، أو رئة تتنفس من خلالها، وتزيد من انسحاقه يوماً بعد آخر.. وحتى لا تتكرّر مآسي نشوب حرب أهلية، فالانقسامات السياسية شديدة جداً، وهي تنذر بالخطر. إن حكومة إنقاذ وطني ستكون منقذاً للعراق، تجنّبه الكوارث، وتخلّصه من كلّ الإجحاف الذي حاق به، كما أنها ستنقذ كلّ العراقيين من الانسحاق الذي يعيشونه منذ سنوات طوال.. فهل سيتحقق حلم العراقيين وإنقاذهم؟ أشكّ في ذلك.