يتواصل السباق في اليمن بين الحلول السلمية التي يقودها المبعوث الدولي، جمال بنعمر، من جهة، تحت عنوان حوار الدوحة، والحرب الأهلية التي تقترب من الانفجار الشامل، من جهة ثانية، مع وصول الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح إلى تخوم عدن.
وعلى الرغم من أن المعطيات الميدانية لا تعكس ما يجري في المفاوضات الماراثونية التي يقودها بنعمر في صنعاء مع الأحزاب، إلا أن مصادر المبعوث الأممي تؤكد أن حظوظ حوار الدوحة لا تزال موجودة بالفعل، في انتظار موقف علي عبدالله صالح الذي تشير أجواء مقربة من المفاوضات السياسية، إلى أنه يقود "جبهة الرافضين"، وسط تردد الحوثيين إزاء التوجه إلى الدوحة، رغم أنه بالنسبة لـ"أنصار الله" خيار الدوحة أكثر "منطقية" من الرياض، صاحبة الموقف الأكثر حدّةً تجاه الانقلاب الحوثي. كل ذلك في ظل احتمال أن يرفض علي عبدالله صالح التوجه شخصياً إلى الدوحة، من دون أن يمنع ذلك حزبه من المشاركة في المفاوضات السياسية. أما مشاركة الحوثيين في الحوار، فلا يستبعده حتى رموز "أنصار الله" أنفسهم. وفي هذا السياق، قال عضو المكتب السياسي لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، محمد البخيتي، لـ"العربي الجديد": نحن من حيث المبدأ نرفض نقل الحوار من صنعاء إلى أي مكان آخر، لأنه لا يوجد أي مبرّر للنقل، لأنّ المشكلة ليست في مكان الحوار وإنما في النوايا، بالإضافة إلى أن نقل الحوار قد يأخذ وقتاً، على حد تعبيره. ثم عاد وأعرب عن استعداد الجماعة "لمناقشة المقترح من أجل الوصول إلى توافق"، لافتاً إلى أنه "من حق الأطراف أن تطرح هذا المقترح ليتم مناقشته بين الأطراف السياسية، كما حصل في السابق، حين تم طرح نقل الحوار إلى الرياض".
وأفادت مصادر متطابقة، أمس الثلاثاء، أن المعارك بين الحوثيين وحلفائهم من جهة ومسلحي القبائل ومؤيدي الرئيس عبدربه منصور هادي في مناطق عدة من اليمن من جهة ثانية، أوقعت 30 قتيلاً منذ مساء الإثنين، من محافظة البيضاء (وسط) ومأرب (شرق العاصمة) ولحج والضالع وتعز التي تتحكم في الطريق إلى عدن، حيث قُتل خمسة من المتظاهرين وأصيب اكثر من 80 آخرين، عندما حاولت المليشيات الحوثية تفريق تظاهرة مناوئة، تبعا لما أعلنه مسؤولون محليون ومصادر طبية. كل ذلك وسط إرسال الحوثيين وحلفائهم تعزيزات جديدة باتجاه الجنوب، مصعدين ضغوطهم على عدن، حيث ارتفعت أيضاً وتيرة الاستعدادات لـ"المعركة الكبرى"، مع ازدياد وتيرة اندفاع أفراد الحراك الجنوبي والقبائل والموالين لهادي بقيادة وزير الدفاع، محمود الصبيحي، نحو التسلح، مع اقتراب الطرف الآخر من عدن. وفي محافظة الحديدة، أفاد شهود بقيام مسلحين من جماعة "الحوثيين"، بخطف 11 عضواً من حزب "التجمع اليمني للإصلاح". وأوضح شهود لوكالة "الأناضول"، أن مسلحين من جماعة الحوثي داهموا، عصر أمس، أحد مقرات الحزب في مديرية "القناوص"، شمال الحديدة، واختطفوا 11 عضوا من الحزب، واقتادوهم إلى جهة مجهولة"، مضيفين أن "عضواً آخر بالحزب اختطف في مديرية المراوعة على يد الحوثيين". وعزوا أسباب حملة الاعتقالات إلى المسيرة الحاشدة التي شهدتها الحديدة، ويتهم الحوثيون حزب الإصلاح بالوقوف وراءها وتنظيمها. في المقابل، ذكرت مواقع إخبارية يمنية، أمس الثلاثاء، أن طائرات شحن سعودية هبطت في مطار عدن، من دون الإشارة إلى ما تحمله، ما يشكل، في حال صحة هذه الأنباء، دعما عسكريا سعودياً، للرئيس اليمني هادي في مواجهة الحوثيين.
اقرأ أيضاً: الحوثيون وقوات موالية لصالح يتقدمون نحو الضالع وسط مقاومة
بموازاة التطورات الحربية، أمضى بنعمر يومه أمس في إجراء اتصالات مكثفة في صنعاء التي عاد إليها، مع مختلف الأطراف والقوى اليمنية، لنيل موافقتها على الدوحة مكاناً لجولات الحوار الذي ترعاه المنظمة الدولية. وكان بنعمر قد أبلغ، الليلة قبل الماضية، مجلس الأمن الدولي، اختيار الدوحة لاستضافة هذا الحوار، قبل أن يتواصل مع الأطراف اليمنية في هذا الشأن، في محاولة منه للتغلب على تحفظات بعضها على الرياض مكانا له، كما كان متوقعاً، بعد أن طلب الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، ذلك من القيادة السعودية، والتي سارعت إلى تلبية هذا الطلب والترحيب به.
وبحسب بنعمر، فإن الاتفاق الذي يمكن أن ينتهي إليه حوار الدوحة سيتم توقيعه في الرياض. وعلمت "العربي الجديد" أن توافقاً سعوديا قطريا قد تم على هذه الصيغة، وأن عدم ممانعة عواصم خليجية على هذا التوافق كان لاعتبار قطر رئيسة الدورة الحالية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. وقالت مصادر خليجية لـ"العربي الجديد" إن المبعوث الأممي لليمن، جمال بنعمر، الذي زار الدوحة الأسبوع الماضي، نقل الرغبة باختيار الدوحة مكاناً لعقد الحوار اليمني، بهدف إقناع جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بالمشاركة، وخصوصاً أن هؤلاء سبق أن شاركوا في حوار مع نظام الرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، بوساطة قطرية عام 2007، وأبرما، برعاية قطرية، "اتفاق الدوحة" بشأن محافظة صعدة، وبموجبه انسحبت القوات الحكومية من المواقع الآهلة بالسكان، ونزل الحوثيون من مواقعهم في الجبال، وعادوا إلى مناطقهم، مع تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، إضافة إلى بند خاص بعدم اعتدائهم على الأراضي السعودية. واستمرت الدوحة في رعاية الحوار، ومحاولة تفعيل الاتفاق بين الطرفين حتى عام 2010، قبل أن تنزلق منطقة صعدة إلى حرب طاحنة جديدة.
ويصطدم اقتراح بنعمر بعدم حماسة حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه صالح. وقالت مصادر في فريق بنعمر لـ"العربي الجديد" إن الحوثيين مترددون، لكنهم "غير متشددين في الممانعة"، وهو ما توحي به تصريحات البخيتي لـ"العربي الجديد". ومع هذا التردد، يتضح أنهم في وارد فرض حقائق جديدة تمثل رصيدا ضاغطا لديهم في أي جولة تفاوض وحوار، وذلك بالتقدم الميداني والعسكري الذي يحققونه باتجاه الجنوب اليمني، بهدف الوصول إلى عدن، الأمر الذي يجد صدى قويا من اليمنيين الجنوبيين، وتوافقا واسعا لمنعه. وكان بنعمر قد زار الرياض والدوحة، بعد رفض جماعة أنصار الله "الحوثيين" طلب هادي من الرياض استضافة الحوار، وترحيب المملكة بذلك. وعمد زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، إلى بث اتهامات ضد السعودية وقطر، في تصعيد استباقي من جانبه، يستهدف البلدين، وجهود بنعمر أيضاً. وقال في خطاب متلفز "إن الحوار بين اليمنيين لن يكون تحت مظلة أي طرف خارجي"، ما فهم منه قبوله بعقد الحوار خارج اليمن، واعتراضه على اختيار الرياض مكاناً للحوار العتيد. وفيما نقلت الأنباء، عن بدء توجيه المبعوث الأممي الدعوات للأطراف اليمنية، للمشاركة في الحوار، فضلت الأوساط القطرية عدم التعليق على اختيار الدوحة مكاناً لعقد الحوار، أو تحديد موعده.