صبّ جان ماري لوبان الزعيم التاريخي لحزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرّف، جام غضبه على ابنته مارين لوبان رئيسة الحزب، بعد صدور قرار تأديبي للمكتب السياسي، يقضي بتعليق عضويته، عقاباً له عن تصريحات أطلقها أخيراً في وسائل الإعلام. وبلغت العلاقة بين الأب وابنته حدّ القطيعة بعد أشهر من الاتهامات المتبادلة.
لم ينكفئ الأب، بل وصل الغضب به إلى حدّ تمنّي الفشل لابنته في الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2017، ودعاها في تصريح أدلى به، أمس الثلاثاء، إلى تغيير اسمها العائلي، وقال "أشعر بالخزي لكون رئيسة حزب الجبهة الوطنية تحمل اسمي، وأتمنى أن تفقده في أقرب وقت"، مقترحاً عليها أن تتزوج حتى تفقد اسمها العائلي.
ومن المتوقع ألا تتوقف الأمور عند تعليق عضوية لوبان، فالمكتب السياسي برئاسة الابنة، وافق بالإجماع يوم الاثنين، على فكرة تجريد الأب من لقب "الرئيس الفخري للحزب"، إلا أن هذا التجريد يتطلّب تعديلاً للقانون الداخلي، وهذا ما سيطرح قريباً على التصويت في مؤتمر عام، سيدعو إليه المكتب السياسي الشهر المقبل، ما يشير إلى وجود عزم واضح من الحزب على التخلّص من جان ماري لوبان، الذي تحوّل إلى عبء ثقيل على الحزب، وعائق أمام طموحاته في أداء دور طلائعي في الساحة السياسية الفرنسية.
وكانت مارين لوبان قد دعت والدها إلى الكف عن الحديث لوسائل الإعلام باسم الحزب، ومنعته من إلقاء خطاب في تظاهرة مطلع مايو/ أيار، لكنه تجاهل طلبها وظهر على المنصة، موجّهاً التحية لآلاف المناصرين والأعضاء الذين تجمّعوا في هذه المناسبة، التي يُحييها الحزب سنوياً احتفالا بذكرى حرق جان دارك، القديسة الفرنسية وفقاً للمعتقدات المسيحية، التي اشتهرت بمقاومتها الغزو البريطاني لفرنسا في القرن الـ15.
غير أن التخلّص من رجل بقامة لوبان الأب وبشخصيته القوية ليس سهلاً، لأن الأمر لا يتعلق بعضو عادي، بل بأحد أبرز مؤسسي حزب "الجبهة الوطنية" في العام 1972، والزعيم التاريخي الذي ارتبط اسمه وشخصيته بمسار الحزب منذ أكثر من 30 عاماً. كما شغل منصب رئيس الحزب منذ تأسيسه حتى العام 2011، عندما اختار ابنته مارين بدلاً منه على رأس الحزب. وذكر لوبان الأب وقتها أنه سيواصل التحدث باسمه، لا باسم الحزب.
ويأتي قرار تعليق عضوية لوبان الأب على خلفية تصريحات أدلى بها مطلع شهر أبريل/ نيسان الماضي، لإذاعة "أر.أم.سي"، شدّد فيها على موقفه القديم، والمثير للجدل من المحرقة اليهودية. واعتبر أن "أفران الغاز التي استُخدمت في المحرقة تفصيل ثانوي في تاريخ الحرب العالمية الثانية".
وهو الأمر الذي خلف عاصفة من الانتقادات ضد حزب "الجبهة الوطنية"، الذي يحاول منذ أعوام عدة التخلّص من صورة الحزب "المُعادي لليهود" والتحوّل من حزب راديكالي معارض إلى حزب سياسي جمهوري، يتطلّع إلى الحكم واكتساح الساحة السياسية الفرنسية.
وقامت مارين لوبان منذ تسلّمها رئاسة الحزب في العام 2011 بـ"جراحة سياسية تجميلية" له، كان مفتاحها الأساسي التخلّص من الاتجاه المعادي للسامية داخل الحزب، من أجل اكتساب شرعية جمهورية وإفشال محاولات "شيطنة" الحزب من طرف خصومه السياسيين يساراً ويميناً، وأيضا توسيع القاعدة الشعبية لليمين المتطرف، على أساس العنصرية ضد العرب والمسلمين فقط، من دون اليهود.
اقرأ أيضاً: يمين فرنسا ويسارها يرتبان الداخل بعد انتخابات الأقاليم