ويتذكّر الجميع في فرنسا أن أول تنقّل خارجي لماكرون بعد انتخابه رئيسا للجمهورية، كان لقضاء بعض الوقت مع جنوده المرابطين في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً في دولة مالي، وهو ما فُهم منه أنه استمرارية لسياسة سلفه فرانسوا هولاند، الذي دخل مدينة تومبوكتو بمالي، بعد هزيمة الجماعات المتطرفة التي تصورت إقامة إمارتها على أنقاض مساجد أثرية تعود لقرون سالفة.
ويُلاحَظ أن الرئيس ماكرون استثنى النيجر خلال زيارته الأخيرة، التي شملت مالي وبوركينا فاسو وكوت ديفوار، ثم الجزائر، والتي أرادها أن تكونَ تاريخية وتظل في العقول، بسبب تصريحات أراد بها إحداث نوع من القطيعة مع سياسات أسلافه تجاه القارة، ومع سياسة "فرنسا - أفريقيا"، التي يعتبرها كثير من الأفارقة سببا للخراب الحالي الذي يعصف بِدُوَلهم.
وعلى الرغم من أن الزيارة تبدو عسكرية، بشكل خاص، بسبب نية الرئيس قضاء ما يقرب من 24 ساعة في القاعدة الجوية الفرنسية في العاصمة نيامي، وتفقُّد القوات الفرنسية، وعددها 500 شخص، المنخرطة لوحدها، تقريبا، في حرب عنيفة ضد الإرهاب، في انتظار تكوين القوات الأفريقية القادرة على رفع التحدّي، إلّا أن امتدادها خلال يومين يكشف أنها ستكون زيارة لمناقشة مواضيع متنوعة مع قادة هذا البلد، الذي يعتبر من أفقر بلدان العالَم، رغم توفره على مواد ثمينة، منها اليورانيوم، الذي تحتكر فرنسا استغلالَهُ، من خلال شركة أريفا.
وإذا كانت النيجر في قلب الأوضاع، وفي قلب استراتيجية مكافحة الإرهاب المتطرف، فإن فرنسا ستحاول مساعدة هذا البلد على تجاوز الصعوبات التي يعيشها، وخاصة المتعلقة بالشباب الذين يقرر العديد منهم الهجرة إلى أوروبا، وخاصة فرنسا.
وتعتبر دولة النيجر التلميذ النجيب والطيّع لفرنسا في سياستها لمواجهة تدفق المهاجرين الأفارقة، الذين يعبُرون أراضيها في اتجاه ليبيا، ومنها إيطاليا ففرنسا. وكانت النيجر، خلافا لدول أخرى، سبّاقة في السماح بوضع معسكرات للمهاجرين على أراضيها (إنشاء أربعة مراكز ترانزيت للمهاجرين على أراضيه)، ثم تقوم الدول الأوروبية، بالتنسيق مع المنظمة الدولية للهجرة، بانتقاء من تريد أوروبا السماح باستقبالهم على أراضيها.
وكان الرئيس النيجري محمدو إيسوفو، من بين نجوم لقاء باريس حول الساحل، الذي أريد منه تجميع الأموال لهذا الجسم الجديد من القوات الأفريقية المتحالفة، والذي أراده الرئيس الفرنسي في باريس تجميعاً للأموال الضرورية لتمويل هذه القوة، وهو ما استجابت له المملكة السعودية ودولة الإمارات بـمبلغ 130 مليون يورو، في حين أن هولندا تعهدت بتقديم 5 ملايين يورو، وسيتواصل قريبا في بروكسيل في بداية السنة الجديدة.
وأعلن رئيس النيجر، بالمناسبة، عن إلحاق كتيبتين إضافيتين من جنوده بقوات "مجموعة 5 للساحل"، أي قوى التحالف العسكري الأفريقي لمكافحة الإرهاب.
وكان قد اكتشف، قبل أشهر، تواجُد مهمّ للقوات الأميركية بعد إعلان الولايات المتحدة عن سقوط قتلى لها في اشتباك عسكري مع متطرفين، وساهم تدخل الطيران الفرنسي في تقليل الخسائر الأميركية.
ولأن الرئيس ماكرون يدرك الصعوبات التي تعاني منها النيجر والانتقادات الحادة المتصاعدة بسبب السياسات الداخلية والتبعية القوية للغرب، التي يواجهها الحليف النيجري، الذي يعتبر إلى جانب رئيس دولة تشاد إدريس ديبي، من أوثق حلفاء فرنسا، فسيحاول ماكرون ألا يسافر خاوي الوفاض، وهو ما يعني الإعلان عن تقديم بعض الدعم لنظيره النيجري، محمدو إيسوفو.
وأخيرا، لحفظ ماء وجه رئيس النيجر، سيعلن الرئيس الفرنسي عن مشاريع تنمية في هذا البلد، في حدود 400 مليون يورو، خلال السنوات الأربع القادمة.
400 مليون يورو، لا يراها كثيرون من سياسي هذا البلد، من معارضي "انبطاحيّة" الرئيس وقمعه للمعارضة، ومن مواطنيه العاديين، كافية مقابل اليورانيوم التي تستثمره فرنسا منذ فترة طويلة، وخلال حكومات نيجيرية وفرنسية متعاقبة، ومقابل مختلف الخدمات، المؤلمة أحيانا، التي يُقدّمها أفقرُ بلدٍ في العالَم، النيجر، لفرنسا خاصة، وللغرب عموماً.