قبيل شهر من ذكرى رحيل المفكّر الجزائري مالك بن نبي (1905 -1973) التي تصادف 31 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، تستعيد الجزائر مفكّرها الذي طالما جرى تجاهله أو تناسيه لعقود طويلة لأسباب خلافية فكرية وسياسية أيضاً، ثم عاد الاهتمام به في السنوات القليلة الماضية.
يُستعاد بن نبي بمعرض يضم كتبه ودراساته، تقيمه "مؤسّسة الأصالة للنشر والتوزيع" حالياً في المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية في مدينة الجزائر، حيث تعرض كل مؤلّفاته، إلى جانب الكتب والدراسات والمقالات التي تناولت أفكار ومفاهيم صاحب "شروط النهضة"، و"الظاهرة القرآنية".
وُصف بن نبي أكثر من مرة بأنه قريب ومتشرّب لفكر ابن خلدون، وكتب عنه المفكر فهمي جدعان بأنه "أبرز مفكّر عربي معاصر عُني بالفكر الحضاري منذ ابن خلدون"، خاصة لجهة اهتمامه بمسائل العمران، والتمدن، والحضارة.
لكنه كان صاحب نظريات إشكالية ربما يكون من أكثرها استفزازاً لمن اختلف معهم تلك التي يتناول فيها ما أطلق عليه القابلية للاستعمار، وهي نظرية اعتبرها كثيرون تبريراً لاستعمار الشعوب من خلالها، فيما هي محاولة لفهم أسباب تعرض هذه الشعوب للاستعمار من وجهة النظر المقابلة.
كما أن له نظرية أخرى حول النهضة، التي يسميها الفكرة الأفروآسيوية أو الكومنولث الإسلامي، يرى فيها أن أزمة المجتمع المسلم هي أزمة منهجية عملية بالأساس، وبناءً على ذلك صاغ نظريته في التغيير الاجتماعي على أساس مبدأ الفاعلية والتصدي لـ القابلية للاستعمار.
كل هذه النظريات والأفكار ضمّنها بن نبي في ثلاثين كتاباً تتوفّر في المعرض؛ ومن أبزرها سلسلة من 17 كتاباً نشرتها "دار ابن مرابط"، من بينها "مذكرات شاهد القرن"، و"مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي"، و"مشكلة الثقافة"، و"شروط النهضة" و"الظاهرة القرآنية" و"الفكرة الإفريقية-الآسيوية" و"لتغيير الجزائر" (بالفرنسية).
المعرض يضمّ أيضاً العديد من الدراسات حول فكر بن نبي، ومن بينها: "مقوّمات مشروع بناء إنسان الحضارة في فكر مالك بن نبي التربوي" للأكاديمي عمر نقيب، و"محطات اقتصادية في فكر مالك بن نبي" لقادة بحيري.
إلى جانب دراسات بعناوين مختلفة منها "فقه التغيير في فكر مالك بن نبي" للباحث عبد اللطيف عبادة، و"مالك بن نبي في ذاكرة عبد السلام الهراس" للأكاديمي محمد البنعيادي، و"المفكر مالك بن نبي في الكتابات المعاصرة" للباحث مولود عويمر، و"الفكر الديني عند مالك بن نبي" للكاتب الهادي محمد السعدي.
وُلد مالك بن نبي في قسنطينة لأسرة محافظة. كان والده موظّفاً ووالدته تعمل في خياطة الملابس، وقد درس الهندسة الكهربائية، ولكنه التقى عام 1928 الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"، وبدأ بعد هذا اللقاء انخراطه في النشاط الفكري والسياسي في الجزائر ثم أثناء وجوده في فرنسا.