يحيل اسم المخرج الأميركي مايكل تشيمينو (1939 – 2016) إلى فئة من السينمائيين الذين اختاروا أن يحلّقوا خارج السرب الهوليوودي، ودفعوا ثمن ذلك، إذ لا نجد لهم تلك القوائم المطوّلة من الأفلام، أو الاحتفاءات النقدية، فلا يحفظ مكانتهم سوى إقرار متابعي أعمالهم بتميّزهم.
هكذا لم يكن المخرج الأميركي الذي رحل عن عالمنا السبت الماضي أحد أشهر سينمائيّي جيله، والذي وضع معادلة (مُربكة) في أفلامه الثمانية: الحفاظ على الأطر الهوليوودية مع تمرير رسائل مضادة. "صائد الغزال" هو أشهر أفلامه، أنجزه في 1978، وهو نموذج هذه المعادلة. ففي وقت كانت فيه الماكينة السينمائية والإعلامية تبرّر التدخل الأميركي في فيتنام، أخذ تشيمينو صوت المواطن الأميركي البسيط إلى الشاشة الكبيرة.
لم تكن بداياته السينمائية، في ستينيات القرن الماضي، من موقع الإخراج، فقد عُرف أولاً ككاتب سيناريو. في 1974، ظهر فيلمه الأول "ثندربولت ولايتفوت" (بطولة كلينت إيستوود وجف بريدجز). كان فيلماً تنطبق عليه وصفة تشيمينو: اعتماد نفس العوالم الهوليوودية ومعاجمها (هنا استعاد قصص سرقة البنوك) والتعويل على نجوم الشباك، لكن بمخرجات مختلفة تماماً.
عمله الثاني، كان "صائد الغزال". في هذه المرة، التقط إطار أفلام الحرب (عادة تستعمل للدعاية إلى الخيارات السياسية والعسكرية الأميركية) ليضيء الحياة النفسية لمن شاركوا في حرب فيتنام. حين خرج الفيلم للجمهور، كان مثل صدمة، فهو أوّل عمل يدين صراحة الخطوة الأميركية.
مرة أخرى، استدعى تشيمينو لهذا العمل نجوم هوليوود، مثل روبير دي نيرو وميريل ستريب وجون كازال. نجاح الفيلم جماهيرياً كان بداية حرب خفية على مخرجه، حيث إن المنتجين بدؤوا يقيّدون خياراته، ما أجبره على الاستعانة بأصدقائه في إنتاج فيلمه اللاحق "باب الجنة"، غير أن العمل حقق إيرادات قليلة بسبب الحملات الخفية ضدّه، كالضغط على القاعات بعدم عرضه وتشويه صورة المشاركين فيه، وبعد فترة من العرض تحدّث النقّاد عن "فشل ذريع" و"عدم قدرة تشيمينو على البقاء في نفس المستوى".
ما مرّره النقاد للجمهور كان بعيداً عن حقيقة الفيلم، والذي أعيد له الاعتبار بداية من التسعينيات، لكن بعد أن جرى تدمير "قصة صعود تشيمينو" وجرّ بعض المنتجين الذين ساعدوه إلى الإفلاس. فيلم "باب الجنة" كان هو الآخر بالتركيبة نفسها، حيث اعتمد على نمط الوستيرن وأدخل فيه أسئلة حول التاريخ الأميركي المجهول.
وبعد توقف دام لسنوات، استدعى تشيمينو في "الصقلي" (1987) إطار عالم المافيا، في ما يشبه محاكاة للفيلم الأبرز في هذا النمط "العرّاب"، حيث إنه اقتبس هو الآخر من إحدى روايات ماريو بوزو.
في مجمل مسيرته، لم يبق لتشيمينو سوى ذلك الاعتراف الذي ينتزعه من محبّي السينما ممن لم يضعوا أذواقهم وخياراتهم تحت رحمة آلة الدعاية الأميركية. هذه الآلة التي تُظهر قصة تشيمينو شراستها كلما تعلّق الأمر برؤية تريد أن تقول شيئاً خارج البرمجة العامة.