ما تبقى من السياسة يحتضر في المغرب
ولم تستطع الأحزاب المشاركة في العملية واللعبة السياسية تقديم الصورة التي يسعى النظام للترويج لها منذ سنة 2011. فالظاهر والذي يسوق لها إعلاميا وخارجيا ودبلوماسيا منذ اندلاع تظاهرات حركة 20 فبراير هو أن المغرب أنجز "ربيعه الديموقراطي"، ويعيش مرحلة تنزيل دستور ديمقراطي تاريخي، وما إلى ذلك من الشعارات التي تلخص أطروحة "الاستثناء المغربي"، لكن الواقع يثبت عكس ذلك تماما. ولمعرفة مدى صحة أو خطأ ذلك، يكفي الوقوف عند الموضوع المشار إليه سابقا، أعني المشهد الحزبي وعلاقة المعارضة بالأغلبية الذي يعد التجلي الأقوى لمستوى النضج السياسي ومستوى "باراميتر" الممارسة الديمقراطية في كل بلد.
وبعيدا حتى عن المواقف التي تقول أن مجرد استمرار نفس وجوه القرن الماضي، على مستوى المشاركة في الحكومة وقيادة الأحزاب السياسية وبنفس سياسات العقلية التقليدية، يعتبر أكبر دليل على أن لا شيء تغير في البلد بالرغم من كل ما يروج أو يسوق له، فإن طبيعة الممارسة الحكومة والسياسية الحالية تؤكد في كل تجلياتها أن لا فرق بين ما قبل "الربيع المغربي" وما بعد. لكن الأخطر في كل ذلك، هو طبيعة الصورة التي يروج لها زعماء المعارضة في علاقتهم برئيس الحكومة. ولأن بعض أطراف المعارضة، وبالخصوص زعيم حزب الاستقلال حميد شباط، ذو التكوين والرصيد السياسي المتواضع جدا، والأمين العام لما تبقى من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ونقول ما تبقى لأن أغلب قياديي حزب بوعبيد التاريخيين الذين ما يزالون على قيد الحياة قرروا الاستقالة غير المصرح بها، فيما انسحب عدد كبير وأسسوا حزبا جديدا، إدريس لشكر، لم يعودا يخفيان حربهما، الإيديولوجية وشبه الشخصية، على الحزب الذي يقود الحكومة ورئيسه، فإن طابع الجلسة الشهرية التاريخية ليوم الثلاثاء 28 أبريل/نيسان يؤكد أن السياسة في المغرب تحتضر وتوجد على فراش الموت. فكيف ذلك؟
إن السياسة في الدول العريقة ديمقراطيا لا تعني شيئا اخر غير أن الحزب الحاكم الحاصل على غالبية الأصوات في الانتخابات يقوم بتطبيق سياساته، فيما المعارضة تبرز نقاط ضعفه، وتقف أمام توجهاته حينما تصب ضد مصلحة الوطن بالوسائل الموضحة دستوريا والمصونة قانونية، وهو ما يلخصه الشعر الذي يقول بـ"ربط المسؤولية بالمحاسبة". ويكون كل ذلك في جو من الحوار والاحترام المتبادل والتواصل، وليس بالسب والشتم والعنف اللفظي وردود الفعل السلبية، لتفادي دفع المواطنين إلى العزوف عن المشاركة السياسية أكثر فأكثر. أما عندنا في المغرب، فالوضع ليس كذلك. معناه أننا لم نرق بعد لنستحق أن نكون بلدا ديمقراطيا تقبل فيه الاراء والاراء المختلفة.