تبدأ المسألة من مباراة كرة قدم لبنانية محلية منقولة عبر الشاشة الصغيرة يوم الأحد الماضي. المباراة هي لنادي النجمة الأكثر جماهيرية في تاريخ البطولة المحلية. والمسألة لا تتعلق بكرة القدم بالذات إلا في كونها أحد عناصر الثقافة في مجتمعاتنا شأنها شأن عناصر أخرى عابرة لحدود الدول كرياضات مختلفة وفنون وآداب وعلوم وغيرها.
خلال متابعة المباراة كان أحد الحاضرين في المكان يمتنع عن مشاهدتها كلياً كونه لا يتابع الدوري المحلي ولا يعتبره أهلاً لذلك، بل يتابع البطولات الأوروبية الأكبر تلك التي فيها كرة قدم "حقيقية".
شخص آخر كان يتابع فقط لأجل المقارنة بين هذه المباراة ومباريات في بطولات أوروبية يعتبرها شأن الأول تعكس كرة القدم "الحقيقية". بات يسخر من الملعب وأرضيته والمدرجات والفريقين والجمهور والحكام والنقل المباشر وحتى الفتية الذين يعيدون الكرات. في رأسه نموذج جاهز لكلّ شيء يختلف تماماً عمّا يشاهده هنا، وهو إذ ذاك يعتبر أنّ ذلك النموذج أرقى وأنّ ما يراه أمامه ليس إلا "تقليدا" لا يتمكن من الوصول إلى مستوى "الأصل". هو يفترض أنّ الأوروبي يقع في المستوى الأعلى من التطور مهما تعددت مدارسه ومذاهبه إلى ثلاثة أو أربعة فالمنافسة تقع بينها بالذات وكلّ ما عداها هو خارج المنافسة أساساً، ويفترض بالتالي أنّ غير الأوروبي يسعى على الخط نفسه للوصول إليه، وعندما يصل إلى ما كان عليه الأوروبي في زمن معين يستمر الأخير في التصدّر تبعاً لاستمرار "سنّة التطور" على ما هي عليه.
هذه النظرة تمتد إلى كلّ شيء فتسخّف كلّ ما هو محلي لصالح القوى المهيمنة في العالم وهي الأوروبية والأميركية، فالصين مثلاً إذا أرادت أن تحصل على الاعتراف بتقدمها التكنولوجي عليه أن يكون بحسب المعايير المعتمدة أوروبياً وأميركياً، ودول عربية دأبها السعي إلى الدخول في قائمة أفضل الجامعات في العالم بمعاييرها المحددة سلفاً أوروبياً وأميركياً، بل حتى الغناء والتمثيل والجمال لها كلّها نسخ محلية لبرامج أوروبية وأميركية، بينما يحاول أدباء واقتصاديون عرب الحصول على الجوائز العالمية المرموقة من خلال تطبيق الشروط والمعايير المعتمدة بحذافيرها ولا يحصلون عليها إلا نادراً.
بين مشاهدي المباراة نفسها واحد يستمتع بها كما هي، ولا تخطر أيّ مقارنة له على بال. تزعجه تعليقات الآخرين خصوصاً تلك التي تصنف تفضيلاته في مرتبة أدنى، لكنّه يهوى متابعة البطولة المحلية وربما لا يشاهد غيرها أساساً. مع ذلك، تضعف قدرته على تسجيل الأهداف في مرمى الخصم يوماً بعد يوم فالهجمات على مرماه أكثر من قتلى الاستعمارين الأوروبي والأميركي قديماً وحاضراً... وهو استعمار حقيقي.
اقــرأ أيضاً
خلال متابعة المباراة كان أحد الحاضرين في المكان يمتنع عن مشاهدتها كلياً كونه لا يتابع الدوري المحلي ولا يعتبره أهلاً لذلك، بل يتابع البطولات الأوروبية الأكبر تلك التي فيها كرة قدم "حقيقية".
شخص آخر كان يتابع فقط لأجل المقارنة بين هذه المباراة ومباريات في بطولات أوروبية يعتبرها شأن الأول تعكس كرة القدم "الحقيقية". بات يسخر من الملعب وأرضيته والمدرجات والفريقين والجمهور والحكام والنقل المباشر وحتى الفتية الذين يعيدون الكرات. في رأسه نموذج جاهز لكلّ شيء يختلف تماماً عمّا يشاهده هنا، وهو إذ ذاك يعتبر أنّ ذلك النموذج أرقى وأنّ ما يراه أمامه ليس إلا "تقليدا" لا يتمكن من الوصول إلى مستوى "الأصل". هو يفترض أنّ الأوروبي يقع في المستوى الأعلى من التطور مهما تعددت مدارسه ومذاهبه إلى ثلاثة أو أربعة فالمنافسة تقع بينها بالذات وكلّ ما عداها هو خارج المنافسة أساساً، ويفترض بالتالي أنّ غير الأوروبي يسعى على الخط نفسه للوصول إليه، وعندما يصل إلى ما كان عليه الأوروبي في زمن معين يستمر الأخير في التصدّر تبعاً لاستمرار "سنّة التطور" على ما هي عليه.
هذه النظرة تمتد إلى كلّ شيء فتسخّف كلّ ما هو محلي لصالح القوى المهيمنة في العالم وهي الأوروبية والأميركية، فالصين مثلاً إذا أرادت أن تحصل على الاعتراف بتقدمها التكنولوجي عليه أن يكون بحسب المعايير المعتمدة أوروبياً وأميركياً، ودول عربية دأبها السعي إلى الدخول في قائمة أفضل الجامعات في العالم بمعاييرها المحددة سلفاً أوروبياً وأميركياً، بل حتى الغناء والتمثيل والجمال لها كلّها نسخ محلية لبرامج أوروبية وأميركية، بينما يحاول أدباء واقتصاديون عرب الحصول على الجوائز العالمية المرموقة من خلال تطبيق الشروط والمعايير المعتمدة بحذافيرها ولا يحصلون عليها إلا نادراً.
بين مشاهدي المباراة نفسها واحد يستمتع بها كما هي، ولا تخطر أيّ مقارنة له على بال. تزعجه تعليقات الآخرين خصوصاً تلك التي تصنف تفضيلاته في مرتبة أدنى، لكنّه يهوى متابعة البطولة المحلية وربما لا يشاهد غيرها أساساً. مع ذلك، تضعف قدرته على تسجيل الأهداف في مرمى الخصم يوماً بعد يوم فالهجمات على مرماه أكثر من قتلى الاستعمارين الأوروبي والأميركي قديماً وحاضراً... وهو استعمار حقيقي.