ما لهذا خُلقنا يا عبد الخالق!
إنْ هُزم حفتر في هذه المعركة حينها فقط سنذهب إلى "لا غالب ولا مغلوب"، مع ترقب يشوبه الحذر. لن تنتهي الحرب قريباً في ليبيا، إلا إذا توقف الدعم المالي لحفتر، وهو لن يتوقف ما دام شيخ الإمارات يملك مالاً، هو والسعودية، وله مطامع في الموانئ والمناطق الحرة والمطارات، أما النفط فهو بعيد عن "شنبه". أو يفنى كل الشباب الذين هم يقاتلون مع حفتر الآن، أو الذين يقاتلون ضده، الأمر الذي نتضرع إلى الله أن لا يحدث، فناء الشباب من الطرفين، أو يموت حفتر وذلك ليس على الله ببعيد، ونتمنى له ميتة كمثل تلك الرقدة السرمدية التي دامت سنوات، موت شارون سريرياً، فحين أماته الله بعد سنوات عذاب، لم يجدوا له جثة يدفنون.
الآن، يتم إغراء الشباب بالمال مقابل التجنيد، لكن ليس هناك من مؤشرات جيدة. الخطوة القادمة المتوقعة، هي الذهاب نحو التجنيد الإجباري والدفع بالكتلة الكبيرة، التي تحاذي الجيش وليس بجيش، أو المنتفعين من الضباط وضباط الصف كي يلتحقوا بالمعركة. طبعاً لا تتوقعوا أن أبناءه الفاسدين المجرمين ولا قبيلهُ من "ال فرجان" سيكونون من الذاهبين لخطوط النار.
هذا الغبي المتعجرف لا يملك نفساً لا طويلاً ولا قصيراً وإنما "حطبت له الريح"، وتدافع الناس "للكرامة"، وما تركوا من اصطلاح سب وتشهير إلا قذفونا به، ولا تهمة إلّا وألصقوها بنا، لأن كثراً جداً منا وعى لهذا "المعتوه" وأهدافه قبل أن يبدأ، أو حتى يفكر بها، لأنه مجبول على الخيانة منذ أن أنجبته أمه في المنيا بمصر إلى يوم يبعثون! من هو الشخص الذي تبعه حفتر ولم يتلقَ طعنة غادرة منه؟! غدر بجميع من اتبعهم وبجميع من اتبعوه أيضاً.
عام 2013، فوجئت بأحدهم يكتب باسم "عبدالخالق" لي في صندوق الماسنجر. كان سلاماً وتحايا، لم أعرف من عبدالخالق هذا، سألته من حضرتكم، وطبعي أني غير لحوح، فإن لم أُجبْ، لا أكرر. قال لي بالعامية ما يترجم إلى: "أعتقد أني سآتي إلى بنغازي وأجمع بواقي عسكريتي القدامى وأكوّن بهم جيشاً". خمّنت أن المتحدث إما حفتر شخصياً وإما أحد أبنائه بجواره، وهو يملي عليه، والموضوع لا يعدو حلم يقظة! رددت: "أي جيش قديم تقصد يا رجل"؟ سألني، متجنباً الجواب عما إذا كنت أعرف رقم الدكتور أبعيرة، متوقعاً أن له القول الفصل في التكتل الفيدرالي.
أحتاط كثيراً في مثل هذه الأمور، وأتخلى عن أي حذرٍ، في أمور أكثر بكثير، لذا أجبته "بأني كنت في سفر وكلمته من يومين على أرقامه وكانت خارج الخدمة. معروف عن الدكتور أبوبكر أنه يغير أرقامه كما أغير أنا سيارتي لدواع أمنية". حقيقة الأمر لا كلمته ولا هو غيّر أرقامه. استمررت: "لكنك تستطيع أن تدخل على موقع حزبهم في الإنترنت. أعتقد أنه الحزب الاتحادي، الوطني، أو الكلمتان معاً. ستجد كل المعلومات من التلفون إلى العنوان، فأنا لا أعرف لهم عنواناً ولا حتى عنوان مسكنه". كان قد سألني بعد سؤله رقم التلفون "أين يمكن أن أجده؟" في بيته. هل تعرفه؟ ادخل على العنوان تجد العنوان بإذنه، ولم أتحدث بهذا للدكتور أبوبكر، وإن كان متابعاً لموقعكم فسيعرف اليوم بعد "ست أسنين واطناشر شهر" على قولة الشيخ صديق!
في بداية شهر إبريل من نفس العام، وجهت لي دعوة من الشيخ الزبير بخصوص ميثاق شرف لأهالي بنغازي، ولا أستطيع أن أتغيب عن دعواته، من أيام جمعية السجناء السياسيين. حضرت وجلست مع أحدهم، سألته "يا شيخ هل سمعت أنّ حفتر يخطط لانقلاب، لم أسمع بذلك لكن هي بداية للحديث عن حفتر الذي خمنت أنه المتصل، وكانت المراسلات جديدة وقتها. أجابني الشيخ - ليس الزبير - أن حفتر تمت إقالته من الجيش وهو ليس بحوزته "حضيرة"، وهي مسمى عسكري يطلق على أصغر التشكيلات العسكرية التي تندرج تحت فصيل وعددها، أقله أحد عشر فرداً، ولها آمر رتبته جندي أول. عرفت هذه المعلومات حين فرض علينا التدريب العسكري في المدارس الثانوية وكنت فرد مخابرة، فأصبحت آمر حظيرة بي إم بي 45 أو 54 لم أعد أذكر الرقم. معي سائق ورام وثمانية جنود يدخلون من بابين في الخلف، وكل له فتحة تظهر سبطانة بندقيته. قال الشيخ: "هل تعرف فيلته؟ تقريباً أعرف الشارع، فبه رفيقي".
هل تعرف "الكوشة" أي المخبز؟ نعم نعم أعرفها جيداً. هي تبعد عن بيته 100 متر حين يريد شراء عشرين من الخبز ينظر في كاميراته ثم يفتح الباب، ويرسل خادمه السوداني ركضاً ليجلب الخبز ويعود ركضاً، فيقفل البيت ولا يغادره من الخوف. ضحك الشيخ وأضاف: "لا تصدق هذا فهو رِجل في الدنيا وأخرى في الآخرة".
لطالما جلبت لنا الكثير من المصائب هذه الرِجلُ التي وصفها الشيخ بأنها في الدنيا، فلم تلحق بأختها التي هي في الآخرة! بعد الكرامة وبعد أن نسيت "عبدالخالق"، جاءتني مكاتبات عبر الماسينجر من نفس الحساب تدعوني للانخراط بالكرامة. "عن أي كرامة تتحدث؟" ألم تسمع بها؟، "بلى لكني في أميركا". "أعرف، لكن بإمكانك المساهمة حتى من هناك". "من أنت؟" تجاهلني واستمر في الكتابة: "نحن نريدك في الإعلام فهو السلاح الأقوى حالياً وقد نستشيرك".
"اتصل بفلان ونسّق معه". الحقيقة أنه سبق لي والتقيت بهذا الفلان (المتلون) مرة أو اثنتين لا غير، ولم أهضمه، ولا أعرف رقمه. كنت فعلاً قد اتصلت بالمرج، يوم اجتماع وخطاب حفتر، بتاريخ الثامن والعشرين من مارس 2014، ولم أخفِ غضبي وقلقي الشديد من هذه الفرصة التي أعطيت له، وهل هناك ضمانات وما هي؟ وأوصيت أن لا يزيد دوره عن مستشار "شاورا وماتعباش عليه"، إن كتب علينا أن يكون مساهماً في إنشاء جيش وكانت هذه نيته، وتحدثت عن رمزية اختياره للتاريخ. أجبت من أكثر من شخص: "بأن كلامه جيد ومطمئن" قلت: "وهل يملك الآن سوى الكلام الجيد المطمئن".
حصلت محادثات كثيرة بيني وبين عبدالخالق، كل مرة يبدي إعجابه بحفتر، وكثرت الاختلافات، ومن ثم أصبحت خلافات فحظرته عام 2016. قبل الحظر كتبت له قائمة من الشروط تتعدى أحد عشر شرطاً تعجيزياً لأقبل بحفتر قائداً - وقتها كان "زاهداً متبتلاً"- وطلبت منه إيصالها، ولا أدري حتى الآن هل عبدالخالق الذي تبين أنه ضابط بعد حين، هو حفتر أم أحد أبنائه؟
خلاصة القضية توجز في عبارة، أن كل ما توقعناه حصل، ومن المحال ترجيع الفائت، لكن يمكن لإخواننا، الذين يتخذ منهم قاعدة انطلاق لعملياته القذرة أن يتحركوا على أن لا يتوقفوا بعدها، وهم يملكون العتاد والأرض، وكل الفرص مناسبة، وما موقعة توكرة، منذ يومين، التي تكبد فيها أحد جحافل أبنائه خسائر في العتاد والأرواح، إلا خير دليل أن في الحركة بركة، وأن بيته أوهن من بيت العنكبوت ليس نسجاً فحسب، بل غدراً أيضاً، وأنا على يقين أنه لم يعد لهذا الكائن أيّ قاعدة أو أنصار.