يُعدّ استنفار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العلني لمحاولة إنقاذ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من تداعيات قضية اغتيال الصحافي الكاتب جمال خاشقجي، عبر دعوته إلى ضرورة الحفاظ على استقرار نظام الحكم في الرياض، المستوى الثالث من مستويات التدخل الإسرائيلي الهادف إلى تحقيق هذا الهدف.
في البداية، عمدت تل أبيب إلى محاولة احتواء اهتمام النخبة السياسية الأميركية بقضية خاشقجي، من خلال الطلب من منظمات اللوبي اليهودي العاملة في الولايات المتحدة، للضغط على أعضاء الكونغرس، سيما الجمهوريين لمراعاة المصالح الاستراتيجية لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل المرتبطة باستقرار نظام الحكم في الرياض، والتي يمكن أن تتأثر بشكل كبير في حال تعرض هذا النظام لهزة كبيرة.
لكن عندما لم يفلح تحرك اللوبيات اليهودية الذي كشف عنه نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، عيران ليرمان، في تحقيق النتيجة المرجوة، عمدت القيادة الإسرائيلية إلى الدبلوماسية الصامتة عبر تدخل نتنياهو المباشر لدى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بهدف إقناعها بعدم التصعيد ضد بن سلمان، كما كشفت عن ذلك صحيفة "واشنطن بوست" أخيراً.
وعلى الرغم من أن تشابك والتقاء المصالح بين إسرائيل ونظام الحكم الذي يقوده بن سلمان في الرياض كبيرة وجلية، إلا أن عامل الوقت، هو العامل الرئيس الذي دفع القيادة الإسرائيلية إلى التدخل بكثافة ومن خلال تنويع الأدوات، في محاولاتها إنقاذ بن سلمان. فإسرائيل تخشى أن يفضي انشغال نظام الحكم السعودي في مواجهة تبعات قضية اغتيال خاشقجي إلى المس بقدرة الرياض على توفير بيئة تسهم في إنجاح رزمة العقوبات الكبيرة التي يفترض أن يعلن عنها ترامب غداً الإثنين، والتي تراهن تل أبيب على دورها في إخضاع طهران وإجبارها على الموافقة على إعادة النظر في الاتفاق النووي.
فإعلان بن سلمان خلال مقابلته الأخيرة مع موقع "بلومبيرغ"، وعشية تفجر قضية خاشقجي، بأنه سيعمد إلى استخراج النفط من الحقل المتنازع عليه مع الكويت من أجل ضمان عدم تأثر سوق الطاقة العالمي بتقليص تصدير النفط الإيراني، أثار ارتياحا كبيراً في أوساط صناع القرار في تل أبيب. لكن إسرائيل تعي الآن أن قدرة بن سلمان على الوفاء بهذا المتطلب لإنجاح العقوبات محدودة للغاية. في الوقت ذاته، فإن هناك في تل أبيب من يخشى من لجوء بن سلمان إلى ربط تعاونه مع العقوبات بمستقبل الإجراءات الأميركية ضد نظامه.
إلى جانب ذلك، فإن نخب الحكم في تل أبيب تنطلق من افتراض مفاده أن تواصل اهتمام وسائل الإعلام والرأي العام في الولايات المتحدة وأوروبا بتداعيات قضية خاشقجي، سيساعد تحديداً الحكومات الغربية التي تعارض فرض القائمة الجديدة من العقوبات على إيران.
إلى جانب ذلك، وعلى المدى الأبعد، فإن إسرائيل قلقة جداً من تداعيات قضية خاشقجي على الواقع الداخلي في السعودية. فعلى الرغم من أن السيناريو الأفضل بالنسبة لإسرائيل، يتمثل في نقل للسلطة بهدوء وسلاسة عبر تخلي بن سلمان عن الحكم لصالح شخصية أخرى من العائلة المالكة؛ إلا أن تل أبيب، في الواقع تتخوف من أحد سيناريوهين؛ أحدهما يتمثل في تعاظم الضغوط الدولية على بن سلمان مما قد يضطره إلى الانقلاب على سياساته المؤيدة للغرب وإسرائيل، مما يسهم في تعقيد البيئة الإقليمية بشكل كبير.
من ناحية ثانية، فإن إسرائيل مستاءة من تواصل الانشغال بقضية خاشقجي لأنها أفضت إلى حدوث تحول في موازين القوى الإقليمية؛ وأسفرت هذه القضية بشكل واضح عن تعزيز مكانة تركيا وإيران مقابل تراجع مكانة نظام الحكم السعودي.
ومما زاد الأمور تعقيداً، أن قضية خاشقجي مهّدت الطريق أمام حدوث تحسّن كبير لمكانة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خصمها اللدود، ومنحته الفرصة لتحسين العلاقة مع إدارة ترامب، مع العلم أن تل أبيب راهنت كثيراً على تراجع هذه العلاقات؛ وهذا ما دفع نخباً مرتبطة بدوائر الحكم في تل أبيب إلى مهاجمة تركيا واتهامها باستغلال قضية خاشقجي للمس بنظام بن سلمان ومصالح تل أبيب وواشنطن.
في الوقت ذاته، فإن إسرائيل تخشى أن يفضي أي مسّ بمكانة نظام الحكم السعودي إلى العصف باستقرار نظام حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يعد أحد أهم ركائز الأمن القومي الإسرائيلي، كما يجاهر بذلك الكثير من المسؤولين في تل أبيب. وتعي إسرائيل أن الدعم المادي والسياسي الذي وفرته السعودية أسهم في ضمان استقرار نظام السيسي، على الرغم من تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في بلاد النيل.