23 اغسطس 2024
ما وراء محطة استوكهولم للسلام في اليمن
بذل المبعوث الأممي البريطاني للسلام في اليمن، مارتن غريفيث، جهودا كبيرة لجمع طرفي الأزمة في اليمن، الشرعية والانقلاب، في منتجع رامبو في السويد ثمانية أيام، ليخرجوا للعالم في الجلسة الختامية التي توجت بمصافحة رئيسي وفدي التفاوض، أعقبه كلام كثير، وتصريحات صحفية متناقضة من الطرفين ومستمرة.
من الملاحظ أنه تم طرح قضايا كثيرة للنقاش خطوات لبناء الثقة، وهي ست قضايا رئيسية، لكن ما حدث كان عكس ذلك تماما، هو أنه كان ثمّة حزمة خطواتٍ معدة سلفاً، ومثبته من المبعوث الأممي، والقوى التي تقف خلفه، بريطانيا تحديدا، بالاتفاق مع إيران فيما يتعلق بموضوع معركة الحديدة ومصيرها، وهي القضية الجوهرية والرئيسية لما عرفت بمشاورات السويد التي لم ينجم عنها سوى ما أعد لتك المشاورات مسبقا، وهو موضوع مدينة الحديدة، فمما سمعناه طوال أيام ما قبل المشاورات وما قبلها كان ينصب حول مشاوراتٍ لبناء الثقة بين الشرعية والانقلاب، ولكن ما حدث هو تكريس اتفاقٍ لم يوقع حتى عليه، فيما يتعلق بمدينة الحديدة، وهي الجبهة الأكثر تأثيرا على مصير جماعة الحوثي المستقبلي، ما دفع إيران، وبكل ثقلها لدى البريطانيين، مستغلة حالة السخط الشديد عالميا ضد العربية السعودية، لتفرض بريطانيا رؤيتها فيما يتعلق بالحديدة، والتي تتلخص في أن تبقى مدينة الحديدة محايدة تديرها الأمم المتحدة.
الغريب في هذا كله أن وثيقة الاتفاق التي لم يوقع عليها أحد خرج كل طرف يفسّرها بما يخدم رؤيته، فالشرعية تقول إن المليشيات الانقلابية هي التي ستسلم الميناء والمدينة، وإن قوات للحكومة الشرعية هي التي ستدير المدينة، فيما يقول الطرف الانقلابي إن قوات الحكومة هي التي ستنسحب، وتسلم مواقعها للسلطات المحلية في المدينة، والتي كانت تدير المدينة قبيل الانقلاب في سبتمبر/ أيلول 2014.
الجانب الآخر، هو أن الجانب الحكومي يقول إن دور الأمم المتحدة إشرافي فقط، فيما الأمم المتحدة ومبعوثها يتحدثان عن قوات حفظ سلام، وتعيين جنرال هولندي قائدا لقواتها التي سترسل إلى اليمن، للرقابة على وقف إطلاق النار في المدينة، والمقرّر الليلة الماضية (18 ديسمبر/ كانون الأول الحالي).
وبعيدا عن كل هذه الجدلية، الملاحظ أن مشاورات السويد التي بذلت فيها جهود كبيرة لجمع الانقلابيين بالشرعية، ومُورست في أثنائها ضغوط كبيرة على الشرعية، لم يكن من أهدافها السلام في اليمن مطلقا، بقدر ما كانت تهدف إلى تموضعات جديدة، فيما يتعلق بإدارة الحرب والأزمة، بطريقة تضمن عدم خسران مليشيات الانقلاب المعركة والحرب في اليمن، وبقاءها بمثابة ورقة توازن للقوى الدولية وإيران في المنطقة، واليمن تحديدا.
وانطلاقا من هذه الحقيقة، رأينا كيف تم تجاهل كل القضايا الأخرى المطروحة للنقاش، والمتعلقة مباشرة بحياة ملايين الناس الذين تبكي عليهم الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية، ومنهم سكان مدينة تعز المحاصرون منذ أكثر من أربع سنوات من القصف والحصار. وقضية العالقين في الداخل والخارج جرّاء إغلاق المطارات، عدا عن الملف الاقتصادي الذي يعتبر في صلب القضية الإنسانية، مثل الرواتب وانهيار العملة الذي يهدد حياة كل اليمنيين.
يتضح جليا من هذا كله أن هدفا وحيدا كان لمشاورات السويد، هو تحييد معركة الحديدة وإيقاف تحريرها، باعتبارها أكبر جبهة، ومحرقة للمليشيات الانقلابية، عدا عن أهميتها الجيوسياسية منفذا وحيدا للمليشيات على العالم، باعتبار ميناء الحديدة هو المنفذ البحري الوحيد المتبقي لهذه المليشيات، ومصدر وحيد للدعم بالسلاح المهرّب، والمواد الإغاثية الدولية التي تتسلمها المليشيات، وتبيعها في الأسواق السوداء.
نستطيع القول إن مسودة الاتفاق الأولي للمبعوث الأممي، فيما يتعلق بمصير السلام في مدينة الحديدة حتى الآن، لا تمثل نجاحا كبيرا واختراقا في جدار الأزمة، بالنظر إلى أنه ملغوم بتناقضاتٍ كثيرة يفسرها كل طرف بما يريد، فضلا عن أن جماعة الحوثي لا يمكنها أن تقبل بأي وضع كان للحديدة، ما لم يكن لها اليد الطولى هناك، عدا عن أن السلام لم يعد خيارا واقعيا للمليشيات التي ترى أن أي سلامٍ يعني نقيضا وجوديا لها، ولطبيعتها التكوينية والأيديولوجية المذهبية.
ربما هناك، من يقول، أيضا، إن الأطراف الدولية وصلت إلى قناعةٍ تامة بضرورة إيقاف الحرب في اليمن، من خلال فرض رؤية معينة تقتضي الضغط على الأطراف الإقليمية الفاعلة التي بدورها ستضغط على الأطراف المتحاربة اليمنية، في الشرعية والانقلاب، لإيقاف الحرب. وهذه رؤية بعيدة تماما عن رؤيتها إلى عمق الأزمة والحرب، والتي يستحيل أن تتوقف بفعل الضغط الدولي والإقليمي فحسب، من دون الوقوف عند الأسباب والجذور التي أنتجت الحرب، وهي الانقلاب، وليس النتائج التي تعني أنها ستستمر وتكبر، كلما بقيت الأسباب المنتجة لهذه الحرب، وكذا استمرار تداعياتها.
نخلص من ذلك كله إلى أن رمي بريطانيا كل ثقلها في هذه المشاورات، والتي سيعقبها قرار بريطاني مرتقب في مجلس الأمن أيضا، يمثل عودة بريطانيا إلى الساحة اليمنية، وبدعم واتفاق إيراني معلن أيضاً، لإعادة التموضع والحضور في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن مجددا. وهذا كله نتاج طبيعي لفشل التحالف العربي، وتضارب أجنداته في اليمن، والتي في مقدمتها إضعافه حليفه الرئيسي ممثلا بالشرعية اليمنية، وأن موضوع السلام في اليمن ليس أولوية دولية، بقدر ما هو ورقة لهذه القوى، تدير من خلاله مصالحها وتموضعاتها في هذه المنطقة الاستراتيجية والحيوية من العالم، ولا يعني لهم مصير سكانها وأهلها شيئا من قريب أو بعيد.
من الملاحظ أنه تم طرح قضايا كثيرة للنقاش خطوات لبناء الثقة، وهي ست قضايا رئيسية، لكن ما حدث كان عكس ذلك تماما، هو أنه كان ثمّة حزمة خطواتٍ معدة سلفاً، ومثبته من المبعوث الأممي، والقوى التي تقف خلفه، بريطانيا تحديدا، بالاتفاق مع إيران فيما يتعلق بموضوع معركة الحديدة ومصيرها، وهي القضية الجوهرية والرئيسية لما عرفت بمشاورات السويد التي لم ينجم عنها سوى ما أعد لتك المشاورات مسبقا، وهو موضوع مدينة الحديدة، فمما سمعناه طوال أيام ما قبل المشاورات وما قبلها كان ينصب حول مشاوراتٍ لبناء الثقة بين الشرعية والانقلاب، ولكن ما حدث هو تكريس اتفاقٍ لم يوقع حتى عليه، فيما يتعلق بمدينة الحديدة، وهي الجبهة الأكثر تأثيرا على مصير جماعة الحوثي المستقبلي، ما دفع إيران، وبكل ثقلها لدى البريطانيين، مستغلة حالة السخط الشديد عالميا ضد العربية السعودية، لتفرض بريطانيا رؤيتها فيما يتعلق بالحديدة، والتي تتلخص في أن تبقى مدينة الحديدة محايدة تديرها الأمم المتحدة.
الغريب في هذا كله أن وثيقة الاتفاق التي لم يوقع عليها أحد خرج كل طرف يفسّرها بما يخدم رؤيته، فالشرعية تقول إن المليشيات الانقلابية هي التي ستسلم الميناء والمدينة، وإن قوات للحكومة الشرعية هي التي ستدير المدينة، فيما يقول الطرف الانقلابي إن قوات الحكومة هي التي ستنسحب، وتسلم مواقعها للسلطات المحلية في المدينة، والتي كانت تدير المدينة قبيل الانقلاب في سبتمبر/ أيلول 2014.
الجانب الآخر، هو أن الجانب الحكومي يقول إن دور الأمم المتحدة إشرافي فقط، فيما الأمم المتحدة ومبعوثها يتحدثان عن قوات حفظ سلام، وتعيين جنرال هولندي قائدا لقواتها التي سترسل إلى اليمن، للرقابة على وقف إطلاق النار في المدينة، والمقرّر الليلة الماضية (18 ديسمبر/ كانون الأول الحالي).
وبعيدا عن كل هذه الجدلية، الملاحظ أن مشاورات السويد التي بذلت فيها جهود كبيرة لجمع الانقلابيين بالشرعية، ومُورست في أثنائها ضغوط كبيرة على الشرعية، لم يكن من أهدافها السلام في اليمن مطلقا، بقدر ما كانت تهدف إلى تموضعات جديدة، فيما يتعلق بإدارة الحرب والأزمة، بطريقة تضمن عدم خسران مليشيات الانقلاب المعركة والحرب في اليمن، وبقاءها بمثابة ورقة توازن للقوى الدولية وإيران في المنطقة، واليمن تحديدا.
وانطلاقا من هذه الحقيقة، رأينا كيف تم تجاهل كل القضايا الأخرى المطروحة للنقاش، والمتعلقة مباشرة بحياة ملايين الناس الذين تبكي عليهم الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية، ومنهم سكان مدينة تعز المحاصرون منذ أكثر من أربع سنوات من القصف والحصار. وقضية العالقين في الداخل والخارج جرّاء إغلاق المطارات، عدا عن الملف الاقتصادي الذي يعتبر في صلب القضية الإنسانية، مثل الرواتب وانهيار العملة الذي يهدد حياة كل اليمنيين.
يتضح جليا من هذا كله أن هدفا وحيدا كان لمشاورات السويد، هو تحييد معركة الحديدة وإيقاف تحريرها، باعتبارها أكبر جبهة، ومحرقة للمليشيات الانقلابية، عدا عن أهميتها الجيوسياسية منفذا وحيدا للمليشيات على العالم، باعتبار ميناء الحديدة هو المنفذ البحري الوحيد المتبقي لهذه المليشيات، ومصدر وحيد للدعم بالسلاح المهرّب، والمواد الإغاثية الدولية التي تتسلمها المليشيات، وتبيعها في الأسواق السوداء.
نستطيع القول إن مسودة الاتفاق الأولي للمبعوث الأممي، فيما يتعلق بمصير السلام في مدينة الحديدة حتى الآن، لا تمثل نجاحا كبيرا واختراقا في جدار الأزمة، بالنظر إلى أنه ملغوم بتناقضاتٍ كثيرة يفسرها كل طرف بما يريد، فضلا عن أن جماعة الحوثي لا يمكنها أن تقبل بأي وضع كان للحديدة، ما لم يكن لها اليد الطولى هناك، عدا عن أن السلام لم يعد خيارا واقعيا للمليشيات التي ترى أن أي سلامٍ يعني نقيضا وجوديا لها، ولطبيعتها التكوينية والأيديولوجية المذهبية.
ربما هناك، من يقول، أيضا، إن الأطراف الدولية وصلت إلى قناعةٍ تامة بضرورة إيقاف الحرب في اليمن، من خلال فرض رؤية معينة تقتضي الضغط على الأطراف الإقليمية الفاعلة التي بدورها ستضغط على الأطراف المتحاربة اليمنية، في الشرعية والانقلاب، لإيقاف الحرب. وهذه رؤية بعيدة تماما عن رؤيتها إلى عمق الأزمة والحرب، والتي يستحيل أن تتوقف بفعل الضغط الدولي والإقليمي فحسب، من دون الوقوف عند الأسباب والجذور التي أنتجت الحرب، وهي الانقلاب، وليس النتائج التي تعني أنها ستستمر وتكبر، كلما بقيت الأسباب المنتجة لهذه الحرب، وكذا استمرار تداعياتها.
نخلص من ذلك كله إلى أن رمي بريطانيا كل ثقلها في هذه المشاورات، والتي سيعقبها قرار بريطاني مرتقب في مجلس الأمن أيضا، يمثل عودة بريطانيا إلى الساحة اليمنية، وبدعم واتفاق إيراني معلن أيضاً، لإعادة التموضع والحضور في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن مجددا. وهذا كله نتاج طبيعي لفشل التحالف العربي، وتضارب أجنداته في اليمن، والتي في مقدمتها إضعافه حليفه الرئيسي ممثلا بالشرعية اليمنية، وأن موضوع السلام في اليمن ليس أولوية دولية، بقدر ما هو ورقة لهذه القوى، تدير من خلاله مصالحها وتموضعاتها في هذه المنطقة الاستراتيجية والحيوية من العالم، ولا يعني لهم مصير سكانها وأهلها شيئا من قريب أو بعيد.