المتحف حديث العهد افتُتح في عام 2013، واختار مؤسساه مدينة مادبا الأردنية - مسقط رأسهما- مكاناً لإقامته، تعبيراً عن وفائهما للمدنية، ومساهمة منهما في تطوير الحركة السياحية في المدينة الضاربة في التاريخ، والمعروفة بعاصمة الفسيفساء.
سامر طوال، والذي أسس المتحف بالشراكة مع زميله في مهنة الدليل السياحي بشار الطوال، يُرجع إقدامهما على ذلك إلى الرغبة في تقديم منتج فريد يلخص قصة الحضارة الإنسانية والأديان وتطور المجتمع الأردني، وفي نفس الوقت يسوّق السياحة الأردنية عالمياً.
يجاور "لاستوريا" جبل نيبو، الذي تقول الروايات الدينية إن نبي الله موسى وقف عليه مع قومه ورأى من فوقه الأرض الموعودة التي لم يصلها، ويعتقد أنه تُوفي ودُفن هناك، وهو اعتقاد سائد رغم أن أياً من الأعمال الأثرية لم تؤكده.
يحتوي المتحف على خمسة أقسام؛ التراث الديني، والملابس والأدوات التقليدية، وتاريخ الأردن الحديث، والحياة البدوية، وأخيراً القرية الأردنية في بداية القرن العشرين.
يجد الزائر فور دخوله إلى المتحف نفسه أمام مجسّم لبرج بابل، بما يمثله من قيمة حضارية ودينية، يقابله مجسم لسفينة نبي الله نوح، وإلى جوارهما مجسم لمسلة ميشع، التي تعتبر أقدم المسلات التاريخية في بلاد الشام ويخلد فيها ملك المؤابيين انتصاره على بني إسرائيل، وهي مسلة عُثر عليها في مدينة مادبا ومحفوظة الآن في متحف اللوفر في باريس.
ويحكي قسم التراث الديني قصة الأديان السماوية، من خلال مجسمات لولادة النبي موسى وأخرى تصور مغارة الميلاد، مروراً بتعميد السيد المسيح، وتعذيب يوحنا المعمداني ومقتله، وصولاً إلى مجسم يصور العشاء الأخير للسيد المسيح مع تلاميذه، لينتهي القسم بمجسمات للمقدسات الإسلامية، هي قبة الصخرة والمسجد النبوي ومكة المكرمة. ويعزز قسم التراث الديني، كما يرى الطويل، "فكرة التآخي بين الأديان، منذ عهد نبي الله نوح وحتى الرسالة الإسلامية".
وفي قسم الملابس والأدوات التقليدية، يتيح المتحف لزواره الاطلاع على الملابس التقليدية للمجتمع الأردني وتنوّعها من منطقة إلى أخرى، فاحتوى اللباس البدوي والفلاحي والشيشاني والشركسي والدرزي، كما ضم الأدوات التي استخدمها الإنسان الأردني قبل نشأة الدولة الحديثة وصولاً إلى مطلع القرن العشرين.
فيما ركز القسم الخاص بتاريخ الأردن الحديث على مسيرة تطور القوات المسلحة الأردنية-الجيش العربي، فاحتوى مجسمات تُظهر تطور الأزياء العسكرية والأدوات القتالية، والمعارك التي خاضها الجيش للدفاع عن فلسطين، وهو قسم ساهمت مديرية التوجيه المعنوي في القوات المسلحة في توفير غالبية مواده، كما يبيّن مسؤول قسم التراث في المتحف، سامي الشعراء.
وعُني المتحف بشكل ملحوظ بقسم الحياة البدوية التي تشكّل أساس نشأة المجتمع الأردني، فأفرد مساحة واسعة ليحاكي تلك الحياة التي ما تزال تشكل قيمة استثنائية لدى الأردنيين، رغم ما طرأ على حياتهم من تطوّر ومدنية، فأعاد إنتاج الحياة البدوية من خلال مجسمات تحاكي الأدوار التي اضطلعت بها النساء والرجال في تلك الحياة.
وبالانتقال من البداوة إلى القرية الأردنية في بداية القرن العشرين، يعرِض المتحف مراحل التطور التي طرأت على المجتمع الأردني، والنهضة الحرفية والصناعية والتعليمية، مقدماً نماذج لمختلف المهن التي عرفها المجتمع الأردني في تلك الحقبة، مروراً من الكُتاب كمنطلق للنهضة التعليمية، ومهنة الخباز والحداد والمنجد والبقال وصانع الفخار والزجاج، وغيرها.
يقول الشعراء "المتحف يلخص لزواره تطور حياة الأردنيين (..). الأردنيون من أصول بدوية انتقلوا من حياة البادية إلى الحياة القروية، وتشكّل البادية جزءاً أصيلاً من التراث الأردني بكل ما يحتويه من قيم أصيلة كالشهامة والكرم والشجاعة والمروءة". ويتابع "يوثق قسم القرية الأردنية لواقع حضارة بلاد الشام قبل ستين سنة تقريباً، حيث انتشرت الحرف اليدوية وتطورت أنماط حياة الناس باتجاه المدنية".
واستُخدم الشمع في صناعة المجسمات الموجودة في المتحف، وصُنعت كلها بأيدي فنانين أردنيين، واعتُمدت فيها تقنية التحريك الميكانيكي، كما جرى إضافة مؤثرات صوتية، تتيح للزائر التقرب أكثر من روح الحقبة التاريخية التي تحاكيها.
وحرص مؤسسا المتحف على أن تكون غالبية الموجودات الخاصة بأقسام الملابس والتراث والحياة البدوية والقرية قطعاً أصلية، وهو ما تطلّب منهم جولات مضنية على مختلف مناطق المملكة للحصول على ما تبقّى لدى المواطنين من قطع تراثية تُضفي على المتحف قيمة استثنائية، وتجعل الزائر يعيش اللحظة بتفاصيل ماضٍ اندثر أو في طريقه إلى الاندثار.