07 نوفمبر 2024
متى ستغادر جبهة النصرة المشهد؟
قبل بضعة أشهر، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) انتهى. وفي 15 فبراير/ شباط الجاري، عُمّم إعلامياً أن المعركة حُسمت ضده. على الرغم من ذلك، سرّبَ الإعلام أن "داعش" ما زال حيّاً يرزق في بادية السويداء! مشهد آخر: شاهدنا صوراً آتيةً من إدلب تظهر مسحاً لعبارات "الجهاد باب من أبواب الجنة، والحجاب يا فتاة الإسلام، والصلاة يا شباب الإسلام، والشيعة أعداء الشام".
تُغيِّرُ هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) جلدها، وفقاً لقراءتها الشروط الإقليمية والرسائل التي تصل إليها تباعاً من تركيا. وشطبها السابق هذا يوضّح أنّها مجبرةٌ عليه، وعلى تغيير رؤيتها بالكامل، وحدث ذلك بالتزامن مع اجتماع الدول الضامنة لاتفاق إدلب في سوتشي، وعلى وقع التهديد الروسي باجتياح إدلب في الأيام الأخيرة، والتهديد بأن المدينة أصبحت تحت حكم "القاعدة"، ولا بد من إنهاء الإرهاب فيها. ربما فهمت جبهة النصرة الشروط الإقليمية أخيراً، ومجمل اللوحة السورية كذلك، فتنظيم الدولة الإسلامية انتهى في شرقي الفرات، ووجوده في البادية، حراً طليقاً، بمثابة ورقة سياسية لتدوير الزوايا بين كل الدول، للتوافق على المصالح في سورية، وضمن ذلك لا تشكّل قوات سورية الديموقراطية مُشكلةً حقيقية، فتركيا حاسمةٌ بقرار اجتثاثها، وعرب شرقي الفرات لن يقبلوا بحكمها، وأميركا ومهما ناورت لن
تضحّي بالعلاقة مع تركيا لصالح أكراد سورية، وبالتالي "لم يبقَ إلا حديدان بالميدان"، أي جبهة النصرة، وصارت إعادة إنتاجها باعتبارها حركة مقبولة هي القضية الموضوعة على طاولة الدول الضامنة والأميركان كذلك. فهل ستنجح في ذلك؟
الآن، ما المطلوب منها لتكون مقبولة، وهي المُلاحقة بقراراتٍ دولية باعتبارها جهة إرهابية؟ وهناك نهاية المعارك الكبرى في سورية. هيئة تحرير الشام حركة جهادية وأصولية أولاً، ووفق ذلك تغيّر في ممارساتها ورؤيتها ثانياً، والمطلوب منها، حالياً، أن تكون شبيهة بالفصائل الخاضعة لتركيا أو المليشيات التابعة لروسيا، سوى ذلك مرفوض قطعاً. ولكنها كذلك حركةٌ قويةٌ، وهناك ما يشبه القرار الدولي بعدم فتح معركةٍ ضد إدلب. سيدفع هذا الوضع الهيئة لإجراء خطواتٍ حاسمةٍ لتشريع نفسها، وضد نفسها؛ أقصد تطهير نفسها بشكل كبير، وأكثر مما تمّ، من كل العناصر الجهادية، وإنهاء أي وجودٍ للحزب التركستاني الإسلامي وحراس الدين، وإعطاء الحرية والاستقلالية لفعاليات إدلب، لتشكيل إدارة مدنية لتسيير شؤون المدينة، والتحوّل إلى ما يشبه شرطةً مدنية، وإنهاء المحاكم الشرعية، وجعل السجون والمعابر تحت إدارة مدنية وتابعة لمجلس المحافظة، وبالتالي هناك قضايا حاسمة مطلوب تنفيذها، وبما يمنع الهيئة من تشكيل أي خطرٍ محتملٍ على كل الدول المتدخلة في سورية. طبعاً لم يعد مقبولاً التخفي خلف الحكومة المؤقتة التابعة للهيئة، ومختلف أشكال الإدارة التي أنتجتها من قبل هيئة تحرير الشام.
تحيط الدول الضامنة بمناطق نفوذ هيئة تحرير الشام، وهي متحالفةٌ معاً، وتعمل بشكلٍ منسق. اللعب الذي كانت تجيده الهيئة بسبب الخلافات بين الضامنات هذه يتآكل تباعاً. الخلاف أخيرا بين تركيا التي تؤكد على دورٍ كبير لها في شرقي الفرات ومنبج، وتهميش دور النظام هناك، وبين رفضٍ روسيٍّ إيرانيٍّ لذلك، وتأكيدهما على إنهاء الإرهاب في إدلب، وتفعيل اتفاقية أضنة في شمال الفرات والتطبيع مع النظام. ولا يعني هذا التباين أن تركيا ستماطل بورقة هيئة التحرير، فكما أن لإيران مليشيات ولروسيا كذلك، تريد تركيا من الهيئة أن تكون كذلك بالضبط، وتوظفها في إطار الصراعات بين الدول المتقاتلة على سورية وفيها. ضمن ذلك هناك مصلحة لتركيا خاصة، وتتعلق بتفكيك هيئة تحرير الشام، والتخلص من الجهاديين، وإحكام سيطرتها الكاملة على إدلب، وتحويلها إلى ورقةٍ بيدها، وهذه مهمةٌ تركية بامتياز، ولكنها
ستُواجه باستغلالٍ روسي إيراني لكل خطوةٍ تُضعف الهيئة، وهناك قوة الهيئة ذاتها والهامش الذي تتحرك من خلاله.
قد يتأخر حسم الوضع ضد هيئة تحرير الشام، كلما تأخر حدوث توافقاتٍ بين الدول الضامنة على مستقبل سورية، ومصير كل من شرقي الفرات ومنبج، وهذا متعلقٌ بالانسحاب الأميركي، والذي تارةً يتأكد وتارةً يتأجل البتّ في توقيته! وذلك بسبب خلافات الإدارة الأميركية الداخلية، وعدم وجود اتفاق كامل بين تركيا وأميركا على القوات التي ستحلَّ محلها في شرقي الفرات ومصير قوات الاتحاد الديموقراطي أيضاً. الأشهر التي تكسبها هيئة تحرير الشام بسبب ما سبق تفرض عليها إحداث تغييراتٍ كبرى، بما يجعلها فصيلاً مسلحاً تابعاً لتركيا بالكامل؛ سوى ذلك، فإن روسيا وإيران وأميركا تعتبرها قوة إرهابية، ويجب اجتثاثها.
ليس من مستقبلٍ لتنظيم داعش، فهو بالأصل أداة لتخريب الصراعات الثورية والوطنية ولصالح دول وضد دول. هو أقرب إلى الشركات الأمنية، و"متعدّدة الجنسيات"، وهذا يشمل جبهة
النصرة وسواها أيضا، ولهذا تُتابع تحركاته دولياً وبشكل دقيقٍ، وهو من برّرَ تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، لاجتثاث الثورة وتدمير سورية باسم محاربة الإرهاب. الآن انتهت الثورة، وكل الحديث عن إعادة تأهيل النظام، والتخلص من بقايا الجهادية، وإعادة دورها إلى ما كانت عليه قبل مجيئها الكثيف إلى سورية، أي نقلها إلى أماكن أخرى، أو إلى خلايا نائمة، وهكذا؛ هيئة تحرير الشام أمام خيارات واضحة، إمّا أن تصبح فصيلاً تابعاً لتركيا أو تُنقل إلى خارج سورية أو تجتث؛ وكل هذه الاحتمالات ممكنة.
وبالتالي، هل من نهاية للجهاد في سورية؟ وُجِدَ الجهاد في سورية لاجتثاث الثورة، والآن هُجر نصف الشعب السوري، ودمّرت مدنه، وهناك محاولاتٌ لإعادة تأهيل النظام، وربما سيحدث هذا، وسيكون ذلك عبر توافق أميركي روسي أولاً، ولكن أميل إلى احتمال آخر، وهو إحداث تغيرات كبرى في النظام، وتطاول مفاصله الأساسية ليكون مقبولاً في المستقبل. ربما يمكن الاستنتاج هنا أن نهاية الجهادية ليست خبراً سعيداً للنظام السوري.
تتطلب عملية إعادة اللاجئين وبداية الإعمار التي تستعجلها روسيا، أولاً، نهاية الجهادية، وهو ما يُعمل لأجله عبر سوتشي وتركيا خصوصا، وعبر قول ترامب بانتهاء "داعش"، وثانياً من خلال إنهاء الوجود الإيراني الكبير. وهنا علينا التدقيق بمؤتمر وارسو أخيرا، وعدم التقليل من شأنه، وهو شرط إقليمي وأميركي، وثالثاً، إحداث تغييرات كبرى في النظام، وهو شرط أميركي وأوروبي خصوصا.
الآن، ما المطلوب منها لتكون مقبولة، وهي المُلاحقة بقراراتٍ دولية باعتبارها جهة إرهابية؟ وهناك نهاية المعارك الكبرى في سورية. هيئة تحرير الشام حركة جهادية وأصولية أولاً، ووفق ذلك تغيّر في ممارساتها ورؤيتها ثانياً، والمطلوب منها، حالياً، أن تكون شبيهة بالفصائل الخاضعة لتركيا أو المليشيات التابعة لروسيا، سوى ذلك مرفوض قطعاً. ولكنها كذلك حركةٌ قويةٌ، وهناك ما يشبه القرار الدولي بعدم فتح معركةٍ ضد إدلب. سيدفع هذا الوضع الهيئة لإجراء خطواتٍ حاسمةٍ لتشريع نفسها، وضد نفسها؛ أقصد تطهير نفسها بشكل كبير، وأكثر مما تمّ، من كل العناصر الجهادية، وإنهاء أي وجودٍ للحزب التركستاني الإسلامي وحراس الدين، وإعطاء الحرية والاستقلالية لفعاليات إدلب، لتشكيل إدارة مدنية لتسيير شؤون المدينة، والتحوّل إلى ما يشبه شرطةً مدنية، وإنهاء المحاكم الشرعية، وجعل السجون والمعابر تحت إدارة مدنية وتابعة لمجلس المحافظة، وبالتالي هناك قضايا حاسمة مطلوب تنفيذها، وبما يمنع الهيئة من تشكيل أي خطرٍ محتملٍ على كل الدول المتدخلة في سورية. طبعاً لم يعد مقبولاً التخفي خلف الحكومة المؤقتة التابعة للهيئة، ومختلف أشكال الإدارة التي أنتجتها من قبل هيئة تحرير الشام.
تحيط الدول الضامنة بمناطق نفوذ هيئة تحرير الشام، وهي متحالفةٌ معاً، وتعمل بشكلٍ منسق. اللعب الذي كانت تجيده الهيئة بسبب الخلافات بين الضامنات هذه يتآكل تباعاً. الخلاف أخيرا بين تركيا التي تؤكد على دورٍ كبير لها في شرقي الفرات ومنبج، وتهميش دور النظام هناك، وبين رفضٍ روسيٍّ إيرانيٍّ لذلك، وتأكيدهما على إنهاء الإرهاب في إدلب، وتفعيل اتفاقية أضنة في شمال الفرات والتطبيع مع النظام. ولا يعني هذا التباين أن تركيا ستماطل بورقة هيئة التحرير، فكما أن لإيران مليشيات ولروسيا كذلك، تريد تركيا من الهيئة أن تكون كذلك بالضبط، وتوظفها في إطار الصراعات بين الدول المتقاتلة على سورية وفيها. ضمن ذلك هناك مصلحة لتركيا خاصة، وتتعلق بتفكيك هيئة تحرير الشام، والتخلص من الجهاديين، وإحكام سيطرتها الكاملة على إدلب، وتحويلها إلى ورقةٍ بيدها، وهذه مهمةٌ تركية بامتياز، ولكنها
ستُواجه باستغلالٍ روسي إيراني لكل خطوةٍ تُضعف الهيئة، وهناك قوة الهيئة ذاتها والهامش الذي تتحرك من خلاله.
قد يتأخر حسم الوضع ضد هيئة تحرير الشام، كلما تأخر حدوث توافقاتٍ بين الدول الضامنة على مستقبل سورية، ومصير كل من شرقي الفرات ومنبج، وهذا متعلقٌ بالانسحاب الأميركي، والذي تارةً يتأكد وتارةً يتأجل البتّ في توقيته! وذلك بسبب خلافات الإدارة الأميركية الداخلية، وعدم وجود اتفاق كامل بين تركيا وأميركا على القوات التي ستحلَّ محلها في شرقي الفرات ومصير قوات الاتحاد الديموقراطي أيضاً. الأشهر التي تكسبها هيئة تحرير الشام بسبب ما سبق تفرض عليها إحداث تغييراتٍ كبرى، بما يجعلها فصيلاً مسلحاً تابعاً لتركيا بالكامل؛ سوى ذلك، فإن روسيا وإيران وأميركا تعتبرها قوة إرهابية، ويجب اجتثاثها.
ليس من مستقبلٍ لتنظيم داعش، فهو بالأصل أداة لتخريب الصراعات الثورية والوطنية ولصالح دول وضد دول. هو أقرب إلى الشركات الأمنية، و"متعدّدة الجنسيات"، وهذا يشمل جبهة
وبالتالي، هل من نهاية للجهاد في سورية؟ وُجِدَ الجهاد في سورية لاجتثاث الثورة، والآن هُجر نصف الشعب السوري، ودمّرت مدنه، وهناك محاولاتٌ لإعادة تأهيل النظام، وربما سيحدث هذا، وسيكون ذلك عبر توافق أميركي روسي أولاً، ولكن أميل إلى احتمال آخر، وهو إحداث تغيرات كبرى في النظام، وتطاول مفاصله الأساسية ليكون مقبولاً في المستقبل. ربما يمكن الاستنتاج هنا أن نهاية الجهادية ليست خبراً سعيداً للنظام السوري.
تتطلب عملية إعادة اللاجئين وبداية الإعمار التي تستعجلها روسيا، أولاً، نهاية الجهادية، وهو ما يُعمل لأجله عبر سوتشي وتركيا خصوصا، وعبر قول ترامب بانتهاء "داعش"، وثانياً من خلال إنهاء الوجود الإيراني الكبير. وهنا علينا التدقيق بمؤتمر وارسو أخيرا، وعدم التقليل من شأنه، وهو شرط إقليمي وأميركي، وثالثاً، إحداث تغييرات كبرى في النظام، وهو شرط أميركي وأوروبي خصوصا.