المثقف اليمني مواطن سياسي بامتياز، فالحركة الثقافية اليمنية قد نشأت في كنف حواضن أيديولوجيّة. وإذا كان الصراع الأهلي المتفاقم في اليمن، قد أعطب قدراً من روحانية المثقفين اليمنيين؛ فإنّ "عاصفة الحزم" التي ينفذها التحالف "العشري"، قد أخضعهم جميعاً لضغوطٍ الأمر الواقع. جميعهم مطالب بإعلان مواقفه مما يحدُث، ضمن حلبةِ ثنائيّات دوغمائية قاسية، وفي ظل تفكّك للمرجعيَّات الثقافية والأخلاقية، وحالة شتاتٍ سياسي واجتماعيّ هي الأخطر منذُ قرون.
في هذا الاستطلاع، يتحدثُ كتّابٌ ومبدعون يمنيون حول ما يجري. وللقارئ أن يأخذ في الاعتبار شروط اللعبة المُجحفة التي فُرضت على اليمنيين وفي مقدمتهم نخبهم السياسية والمثقفة، وهو ما يُفسّر صعوبة تقدير الموقف، ضمن أدوات مثقف متحرر من الميول والخطوط العريضة التي ترسمها القوى المتنازعة.
الكاتبة والناقدة السينمائية هدى جعفر ترى أن دورها "ككاتبة لا يخرج عن دورها كمواطنة"؛ وتقول لـ "العربي الجديد": "أجد دوري في الابتعاد تماماً عن كل ما يؤجج الفتن والشقاق، وفي كل ما يدفع نحو الحفاظ على ما تبقى من السلم الاجتماعي هنا في اليمن".
لكن جعفر تكشف أن "ما يحدث اليوم في اليمن نتيجة طبيعية، وذلك منذ أن أصبح مسرحاً للحروب الإقليمية والاصطفافات المذهبية والسياسية والمناطقية"، وهي تعتبر أن "عاصفة الحزم" كشفت "حالة التمزق والتشظي الذي أصابت الشعب اليمني في شماله وجنوبه" معربةً عن أملها بتوقف القصف وأن يسوّى الأمر سياسياً.
يشاطر الكاتب والشاعر أحمد السلامي آراء جعفر، من كون الكاتب "يظل مواطناً في النهاية له دوره في التوافق لا في الفرقة". ويضيف السلامي: "لدينا جماعة دينية انتفخت كالبالون، سلفيّة ولكن على الطريقة الشيعيّة" مشيراً إلى أنها تحالفت بشكل "جهوي" مع رأس النظام السابق.
يفتح السلامي باب نقاش آخر، حين يقول: "لدينا تاريخ طويل لهيمنة جغرافيا بعينها على اليمن الكبير" معتبراً أن المثقف يخاف من العمل في "وسط اجتماعي بلا أفراد.. وسط قبائلي يكون المعيار فيه هو الانتساب لجماعات ما قبل وطنية وما قبل سياسية".
السلامي الذي يشعر هي هذه اللحظة "أنه يصعب اليوم الحديث عن وطن يخصُّ اليمنيين" بسبب التدخلات الخارجية. يتساءل "هل نطلب من المجتمع الإقليمي والدولي أن يدعنا وشأننا إلى أن نوجد دولة ومجتمع متجانس؟".
ثم يردف: "كل الحروب عمياء وغبية، مهما كانت أهدافها في البداية مقبولة ومحددة. إنها تنتهي بخياراتٍ مفتوحة على العدم والفوضى، وكيمنيّ أعلن رفضي للتدخل، أخلاقياً وسياسياً وثقافياً، وأستغرب هذا اللون من المساعدة القذرة".. ويختتم حديثه "القنابل لن تساعد اليمن ولن تقضي عن مليشيات الحوثي، بل ستقتل اليمنيين العُزَّل".
من جهته، يدين الكاتب والشاعر فتحي أبو النصر ما يحدث، معتبراً أنّه "لا يمُتّ للعصر بصلة، ولا للحلم الكبير الذي يجمع اليمنيّين"، معتبراً أن التأجيجات الطائفية "تقلقنا على مستقبل البلاد والعباد"، إضافةً إلى ما أسماها بـ "المغامرات الإقليمية سيئة التقدير بشأن اليمن".
ويشير أبو النصر إلى وجود "أنانيات مهووسة" للحوثيين يؤجّجها مبدأ الولاية الذي يؤمنون به، وهو مبدأ "لا ديمقراطي وتمييزي" تصاحبه "ارتدادات وانهيارات وطنية وسياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية وعسكرية وثقافية"، هذه الارتدادات قادت جميعها إلى انتعاش "القاعدة" التي لا يعنيها بحسب أبو النصر سوى "مبدأ الخلافة الرجعي" حسب قوله.
اليمن، كما يراه أبو النصر الآن واقع بين "كماشة مشروعين لا وطنيين" مرجّحاً أن يكون رأس النظام السابق "صالح" هو من يضغط على الكماشة بشكل "انتقامي" على حد وصفه، معتبراً أن "انفلات السلاح لدى الحوثيين في مِراسِهم السياسي من أهم الأسباب غير المبشرة باليمن المنشود".
وبالرغم من تشاؤمه، أعرب أبو النصر عن تطلعه ليمن حر وديمقراطي يعيد الاعتبار لدولة ضامنة وعادلة لا ديكورية، مبدياً تخوفه من تفاقم التدهور واستمراره حتى أنه يخشى أن يصحو يوماً "ولا نجد اليمن على الإطلاق".
أما الأكاديمي والشاعر عبد السلام الكبسي، فيعتبر ما أسماه بـ "العدوان السعودي" وحلفائه يمثل "ذروة المأساة"، فالتدخل العسكري للتحالف العشري ينتهك كل القيم العربيّة، ويعلن عن دخول العالم العربي مرحلة جديدة من الغموض والفوضى و"الانهيارات المتتالية".
ويبيّن الكبسي المؤيد لـ "أنصار الله" الحوثيين، أنه لا يمكن لشعوب الدول "المعتدية" أن "يربحوا من تعاسات اليمنيين"، وهو يرى أن المثقف الحقيقي هو من ينحاز إلى وطنه "ويدافع عنه كمقاتل الساموراي".
بالنسبة للشاعر والكاتب اليساري محمد عبد الوهاب الشيباني، فإن "ما يحدث في اليمن هو تصفية حساب إقليمي بين إيران والسعودية" معتبراً أن السعودية تخوض حربها بشكل مباشر عكس إيران التي تعتمد على الحوثيين والرئيس السابق بسبب الوضع الجغرافي ومواقع الدولتين.
وهو يرى أن "التحولات التي شهدتها المنطقة العربية عقب إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر سنة 2013، قد أنتجت الصورة الناقضة لحلم الربيع العربي المصطبغ بلون المشروع "الإسلاموي" للحُكم"، واعتبر أن هذه "الصورة الناقضة" قد أعادت التكريس الذهني لـ "الدولة العميقة" التي أثبتت الأيام أن "ثورات الربيع" لم تسقطها.
أخيراً، يرى الموسيقي والكاتب عمَّار اليمني أن "حركة الواقع اليمني تسير عكس عقارب الساعة، ولا تشبه أي حركة منتظمة يمكن قراءتها"، واعتبر أن "ما يحدث صراع مراكز قوى، وإن كان أحد الأطراف يتوهم أنه يسير في صالح الوطن، فأوهامه لا تحاكي تطلعاتنا".
وجود منتصر وخاسر، بالنسبة لليمني، لا يعني بالضرورة وجود استقرار، مشيراً إلى أن الحروب والخلافات وضحاياها غالباً ما تتجاوزها الذاكرة. كما يؤكد بأنه "لا يوجد عاقل يرى في "عاصفة الحزم" إنقاذاً، وأن نتائجها ودروسها يمكن أن نتعلمها من أفغانستان والعراق وسورية وليبيا".
واتهم اليمني "الصف الثالث" من القادة السعوديين بأنهم "جاوزوا كل التوقعات في تحويل اليمن من حديقة خلفيّة إلى أطلال خلفيّة".