فشل مجلس الأمن الدولي، للمرة الرابعة خلال أربعة أيام، في تبني قرار يجدد تقديم المساعدات الإنسانية لسورية عبر الآلية العابرة للحدود، للشمال الشرقي والشمال الغربي.
وصوت مجلس الأمن الدولي في نيويورك، الجمعة، على مشروعي قرار، الأول مشروع ألماني بلجيكي، بعد ظهر الجمعة، لكنه لم يتمكن من تبنيه بسبب فيتو روسي صيني مزدوج.
أما مشروع القرار الثاني فتقدمت به روسيا، وصوت المجلس عليه بعد ذلك بساعات، مساء الجمعة بتوقيت نيويورك، وفشل كذلك في تبنيه.
وفي حين أفشلت كل من روسيا والصين مشروع القرار الأول بفيتو مزدوج، حيث حصل على تأييد ثلاث عشرة دولة، لم يحصل مشروع القرار الروسي على عدد كاف من الأصوات لتبنيه.
وحصل المشروع الروسي على تأييد أربع دول، روسيا والصين وجنوب أفريقيا وفيتنام، ومعارضة سبع دول، هي فرنسا وألمانيا وبلجيكا والولايات المتحدة وبريطانيا وإستونيا وجمهورية الدومنيك. وامتنعت أربع دول عن التصويت، وهي تونس والنيجر وإندونيسيا وسانت فينسين.
وبعد التصويت على المشروع الأول، الألماني البلجيكي، عقد مجلس الأمن جلسة مغلقة، لم تكن مقررة بشكل مسبق على جدول أعماله، حاولت خلالها كل من ألمانيا وبلجيكا، الدول التي تحمل ملف القلم الإنساني السوري في مجلس الأمن، التفاوض مجددا على صياغة مشروع جديد.
في المقابل، أصرّ الطرف الروسي على موقفه الأساسي المتعلق بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية العابرة للحدود فقط عبر معبر واحد (باب الهوى)، وليس عبر معبرين ( باب الهوى وباب السلام)، كما يريد الجانب الغربي، والمعمول به حاليا. وأصر كذلك، على التصويت على مسودة مشروعه التي فشلت.
وأكد مصدر دبلوماسي غربي، فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن الجانب الروسي كان مستعداً لتمديد المدة لاثني عشر شهرا بدلا من ستة أشهر، لكنه رفض التفاوض وتغيير موقفه حول دخول المساعدات من معبر واحد (باب الهوى) فقط، وأصر على إغلاق باب السلام.
وأكد المصدر أن الجانب الألماني والبلجيكي، وبعد التصويت الرابع، وفشل المجلس بتبني أي قرار، يعقد مباحثات مكثفة لصياغة مشروع خامس.
ورجّح المصدر أن تخضع الدول الغربية للطلب الروسي بإغلاق باب السلام، ولكنها ستقترح أن يتم ذلك بعد ثلاثة أشهر وليس فورا، على أن يبقى معبر باب الهوى مفتوحا. كما ستقترح أن يتم التمديد لسنة وليس لستة أشهر. وتوقع أن يتم التصويت على المسودة خلال نهاية الأسبوع.
الجانب الألماني والبلجيكي، وبعد التصويت الرابع، وفشل المجلس بتبني أي قرار، يعقد مباحثات مكثفة لصياغة مشروع خامس
وينتهي العمل بآلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود لسورية منتصف الليلة بتوقيت نيويورك، السبت السابعة صباحا بتوقيت سورية.
وكان المجلس قد صوت، أول مرة الثلاثاء، على مشروع بلجيكي ألماني نص على التجديد لتقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود عبر معبرين تركيين، باب الهوى وباب السلام، ولمدة 12 شهرا. وحصل المشروع كذلك على 13 صوتا، لكن فيتو روسي صيني مزدوج أفشله.
في اليوم التالي، الأربعاء، قدمت روسيا مشروع قرار خاصا بها نص على الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية، لكن عبر معبر واحد وهو باب السلام ولستة أشهر.
ولم يحصل المشروع الروسي إلا على تأييد أربع دول وهي روسيا والصين وفيتنام وجنوب أفريقيا. ولم يتم تبنيه، لأنه لم يحصل على تسعة أصوات. واستمرت المداولات بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وحاولت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، الضغط على الجانب الروسي والصيني لقبول مشروع نص مشابه يصر على التجديد لتقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود عبر معبرين، بدلا من معبر، ولكن لستة أشهر، وهو المشروع الذي تم التصويت عليه صباح الجمعة، وأفشلته كل من روسيا والصين بالفيتو.
وعلى عكس توقعات السفيرة الأميركية للأمم المتحدة، كيلي كرافت، والتي قالت في تصريحات لـ"العربي الجديد" في نيويورك الخميس، إن بلادها ودولا غربية أخرى تضغط على جنوب أفريقيا وفيتنام كي تقف ضد روسيا وقرارها، ولكي تكون معزولة، فإن نتيجة التصويت حول القرار الروسي الأخير تظهر عكس ذلك.
وصحيح أن روسيا لم تتمكن من إدخال تعديلات على القرار الألماني البلجيكي، الذي تم التصويت عليه صباح اليوم، وأن جنوب أفريقيا وفيتنام لم تصوتا لصالح تلك التعديلات وخضعتا للضغط الغربي، ولكنهما صوتتا كذلك لصالح المشروع الروسي.
كما أن هناك أربع دول إضافية امتنعت عن التصويت ولم تعارض القرار الروسي، وهي تونس والنيجر وإندونيسيا وسانت فينسين، وهذا يظهر ضعف الدبلوماسية الغربية في هذا السياق، حتى على المستوى الرمزي.
وتعلل الدول التي تؤيد القرار الروسي، والذي ينص على الاستمرار بالسماح بدخول المساعدات العابرة للحدود عبر معبر واحد، بأن ذلك أفضل من ألا تدخل المساعدات بتاتا.
أربع دول امتنعت عن التصويت ولم تعارض القرار الروسي، وهي تونس ونيجيريا وإندونيسيا وسانت فينسين
ويرى الجانب الروسي أن الأوضاع على الأرض تغيرت، مقارنة بعام 2014، حين بدأ مجلس الأمن العمل بالآلية، والتي كان من المفترض أن تكون مؤقتة وغير دائمة، بحسب الطرف الروسي.
ويقول الجانب الروسي إن موقفه كان دائما واضحا، وهو أن يتم إغلاق المعابر وبشكل تدريجي، بما يتماشى مع الأوضاع على الأرض. ويرى أن إغلاق معبر اليعربية العراقي، في يناير/ كانون الثاني الماضي، أدى إلى تكثيف التعاون بين النظام والأمم المتحدة، وساعد على تقديم المساعدات عبر أراضيه. لكن الأمم المتحدة، وفي أكثر من تقرير، أشارت إلى أن النظام ما زال يعيق قدرتها على تقديم المساعدات الإنسانية للشمال الشرقي، بسبب البيروقراطية، كما أنها لم تتمكن من تقديم المساعدات بنفس الحجم الذي كانت تقدمه قبل إغلاق اليعربية.
كما يرغب كل من الجانب الروسي والصيني أن ينص مشروع القرار على طلب للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، يقوم بموجبه بتقديم تقرير حول تأثير العقوبات التي تفرضها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على قدرة النظام السوري في مكافحة فيروس كورونا.
وتطالب روسيا والصين برفع العقوبات الأميركية والأوربية عن النظام. ومن غير الواضح ما إذا كانت روسيا ستصر على هذه النقطة في مشروع القرار الخامس.
وفي تصريح مشترك لسفراء كل من بلجيكا وألمانيا في وقت سابق الجمعة، بعد فشل مجلس الأمن بتبني القرار البلجيكي الألماني بسبب الفيتو الروسي الصيني المزدوج، قال الطرفان: "هناك الملايين من الناس بحاجة ماسة للمساعدة عبر الحدود في سورية. مرة أخرى، قدم المساهمون في المسودة اقتراح تسوية، يستند فقط إلى الاحتياجات الإنسانية الموضوعية على أرض الواقع. وقد حظي هذا الاقتراح بتأييد ساحق من أعضاء المجلس. ومع ذلك، اختارت روسيا والصين استخدام حق النقض ضد هذا النهج الإنساني البحت. نأسف بشدة لهذا القرار". ثم أكدا أنه من الضروري أن يتوصل المجلس إلى حل لضمان استمرار تقديم المساعدات العابرة للحدود.
يذكر أن مجلس الأمن وافق على أن تقدم الأمم المتحدة المساعدات العابرة للحدود عام 2014 بموجب القرار 2165، ومن خلال أربعة معابر، وهي الرمثا (الأردن)، واليعربية (العراق)، وباب السلام وباب الهوى (تركيا)، وكان ذلك حتى العاشر من يناير/ كانون الثاني الماضي.
واستخدمت كل من روسيا والصين، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حق النقض وأفشلتا تبني مجلس الأمن لمشروع قرار يجدد لآلية تقديم المساعدات العابرة للحدود في سورية عبر ثلاثة معابر، بدلا من الأربعة التي كان معمولا بها.
وكان القرار قد حصل على تأييد 13 دولة من أصل 15 دولة. ثم تبنى مجلس الأمن القرار 2504 (2020) في العاشر من يناير/ كانون الثاني الماضي، والذي يسمح بتقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود عبر المعابر التركية فقط، ولستة أشهر تنتهي مدتها اليوم.