وتعد إب من أكبر المحافظات من حيث الكثافة السكانية، وساهم العديد من العوامل، الطبيعية والسياسية، في تغليب حالة من الاستقرار النسبي فيها. لكن الوضع الاقتصادي فيها يشبه ما هو سائد في غالبية المناطق اليمنية، خصوصاً مع ارتفاع الأسعار بسبب انهيار سعر العملة أمام الدولار وعودة الآلاف من المغتربين، خصوصاً من السعودية، ممن كانوا يمثلون مصدر دخل أساسيا لأسرهم. وساهمت الحرب، التي ألقت بظلالها على أهم مدن البلاد، في مزيد من النزوح إلى إب، خصوصاً من أبناء المحافظة، الذين كانوا يسكنون في محافظات أخرى، ومنها العاصمة صنعاء، وعادوا إلى قراهم وإلى المدينة الصغيرة مركز المحافظة.
وتنتشر في إب عشرات حواجز التفتيش التابعة للحوثيين، الذين اضطروا لرفع العديد منها أثناء التصعيد العسكري في الحديدة منذ نحو شهرين. وترتفع صور قتلى الجماعة وشعاراتها السياسية في أهم مناطق المحافظة. ويتألف مسلحو وأعضاء الجماعة في المدينة من ثلاثة أنواع، وهم القادمون من خارج المحافظة والموالون لها من داخلها ممن يمثلون جزءاً عقائدياً وتنظيمياً منها. والصنف الثالث، هو القيادات المحلية أو الموظفون من سكان المحافظة، الذين رضخوا للجماعة باعتبارها سلطة الأمر الواقع. ويتخوف أصحاب المصالح والوجهاء من خطر أن يكونوا محل اتهام إذا رفضوا سلطة "أنصار الله"، كما أفاد، لـ"العربي الجديد"، أحد الشيوخ القبليين الذين طالبتهم الجماعة بالدعوة إلى جمع تبرعات لدعمها.
وعلى الرغم من حالة عدم الرضى التي يبديها العديد من السكان والوجهاء، الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، على سيطرة الحوثيين وعن الوضع الذي آلت إليه البلاد بعد سيطرتهم، لكنهم يعتبرون أن انخراط المحافظة في جبهات الحرب المباشرة، في هذه الظروف على الأقل، يمثل تهديداً أكبر، وفقاً لما آلت إليه أوضاع العديد من المحافظات التي دخلت الحرب، ومنها محافظة تعز خصوصاً، والتي لم تعد أزمتها مقتصرة على الحرب العصية على الحسم مع الحوثيين منذ أكثر من ثلاث سنوات، بل امتدت إلى الحالة الأمنية التي أفرزتها الحرب، طوال المدة نفسها، كما هو حاصل، بالنسبة إلى التباينات في مناطق سيطرة الشرعية.
ولسياقات كثيرة، اجتماعية وسياسية وثقافية وفكرية، شكلت إب مع تعز المجاورة لها نسيجاً واحداً، أو ثنائية وثيقة الترابط، جسّدتها وقائع وأحداث عديدة، خلال تاريخ اليمن الحديث، كان أبرزها اصطفافهما في مقارعة حكام الأئمة، عبر ثورة فبراير/شباط 1948، وثورة سبتمبر/أيلول 1962، اللتين التحق بهما الكثير من أبناء المحافظتين، سواء عبر تحالفات قبلية، أو تشكيلات شعبية مسلحة، أو تجمعات فكرية. ووفقاً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل (مارس/آذار 2013 ويناير/كانون الثاني 2014) فقد تم توصيف محافظتي إب وتعز إقليماً واحداً ضمن الأقاليم الستة للبلاد، تحت مسمى "إقليم الجَنَد". وبينما يسود اعتقاد لدى جزء غير قليل من السكان بأن الوضع الاستثنائي الذي تعيشه إب يعد الأقل ضرراً، مثّل رضوخ المحافظة للحوثيين بالنسبة إلى آخرين باعثاً لكيل العتب لها، لا سيما مع ما تشهده تعز، في ظل ما يعتبره البعض خذلاناً من قبل قيادتي السلطة الشرعية والتحالف العربي في تعز. إلا أن مواقف الناقمين على إب، بنظر آخرين، تبدو انفعالية، بالنظر إلى ما يمكن أن تفعله أي تحركات مسلحة في المناطق الخاضعة للحوثيين، بالإضافة إلى أن أعداداً غير قليلة من المتحدرين من المحافظة، ينضوون في صفوف قوات الشرعية المرابطة بتعز ونهم شرق صنعاء ومناطق شمال الشمال، فضلاً عن جبهات الساحل الغربي.
وخلال الفترة بين عامي 2013 و2016، وقعت مواجهات متفاوتة مع الحوثيين في بعض مناطق محافظة إب، لعل أبرزها الرضْمة، ويَريم، وبَعدان، والعُدين، والحزم، والسيّاني، فضلاً عن مركز المحافظة، سقط فيها الكثير من أبنائها. وكادت هذه المناطق تشكل مراكز تجمع مسلحة قابلة للتوسع في بقية مديريات المحافظة، لولا العديد من العوامل المتشابكة التي جعلتها تواجه مصيرها منفردة، وكانت النتيجة المنطقية لذلك هي تغلب الحوثيين، بل وتمكنهم من إخماد أية بادرة من هذا القبيل. وفرض الموقع الجغرافي لمحافظة إب أن تكون، ولو مؤقتاً، خارج دائرة المواجهات، لتتحول إلى ملاذات آمنة للنازحين من تعز والضالع وعدن. غير أن عوامل أخرى، سياسية وعسكرية، كانت أكثر ثقلاً من هذا المسوّغ. فبالنظر إلى خريطة المناطق التي شهدت مواجهات مع الحوثيين نجد أنها، في مجملها، متباعدة جغرافياً، وذات قيادات متفرقة، واتصال منعدم، إلى جانب بروز الحوثيين كقوة مسيطرة تكتسح كل من يعترض طريقها. ويقول القائد السابق في "المقاومة" في إب، عبدربه العواضي، إن المحافظة "كانت ولا تزال ترفض وجود الحوثي أو هيمنته على أي شبر في اليمن، وقد قدمت الكثير من التضحيات والعديد من الشهداء في جميع الجبهات، وكانت من أوائل من واجه دخول الحوثيين أراضيها وواجهتهم من خلال فتح العديد من الجبهات، ولولا استقواء الحوثيين بسلاح الدولة وإمكاناتها لما تمكنوا من السيطرة على المحافظة". ويُرجّع العواضي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، توقف الجبهات التي اشتعلت بأوقات متفرقة، إلى "العديد من الأسباب، منها فارق التسليح بين المقاومة والحوثيين، وخذلان التحالف للجبهات التي أشعلت الحرب ضد الحوثيين عند بداية وصولهم وفرض سلطتهم عليها، وكذلك عدم وجود تنسيق بين الجبهات وانعدام العمل تحت قيادة موحدة ترسم وتخطط، بالإضافة إلى نزوح العديد من أبناء المحافظات الأخرى إليها".
من جانبه، يربط الخبير والمحلل العسكري، علي محمد الذهب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، الدور العسكري لمحافظة إب بمصير مدينة الحُديدة، وموقف التحالف من المعركة في تعز، معتبراً أنه "إذا تمكنت قوات الجيش الوطني من السيطرة على الحديدة، وتطوير العمليات العسكرية شمالاً، فإن استكمال تحرير تعز سيكون ضمن استثمار هذا المنجز، وبالتالي يتعين على التحالف إعادة النظر في موقفه من تعز، لتمكين محافظة إب من الاضطلاع بدور فاعل في تحريرها، بوصفها عمقاً لها، خصوصاً المناطق ذات القيمة الجيوبوليتيكية، التي تخدم العمليات العسكرية، كتلك التي تمر عبرها شبكة الطرق، والتي تصل بين تعز والحديدة وذمار والضالع. وذلك لا يعني، قطعاً، عدم إيلاء مدن المحافظة الأخرى أي اهتمام، إذ إن دورها سيكون مرتبطاً بالتطورات". في هذا الصدد، يمكن استحضار الدعوة، التي وجهها الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، مطلع يوليو/تموز الماضي، إلى القيادات الموالية له في إب بسرعة تفعيل جبهات القتال في المحافظة، لما تشكله من مرتكز أساسي لدعم تحرير تعز، لكن هذه الدعوة، قُرئت من زوايا عديدة، إذ إنها وفي ظل الأوضاع غير المستقرة بالمحافظات التي تشهد مواجهات مع الحوثيين، تمثل كابوساً للسكان الذين يخشون تكرار ما يحدث في تعز، كما أنه لن يكون لها أي تأثير يذكر ما دامت تفتقر إلى الديناميات المحركة لها، لأن قراراً مثل هذا، يتطلب أولاً تقدير الموقف القتالي للطرفين، بمفرداته المختلفة، فضلاً عن الموقف السياسي، ودور الزعامات القبلية، التي لا تزال تقيم في مناطق سيطرة الحوثيين بالمحافظة، أو تلك، التي غادرتها وتترقب فرص العودة من أجل المشاركة في القتال. وحول لقاء هادي قيادات المحافظة، تواصلت "العربي الجديد" هاتفياً مع محافظ إب، اللواء عبد الوهاب الوائلي، الذي أشار إلى وجود خطة لتفعيل جبهات القتال بالمحافظة، متحفظاً عن الإفصاح عن أية تفاصيل حول تلك الخطة، ومركزاً حديثه حول الجهود الأخيرة التي بذلتها قيادة المحافظة بخصوص النازحين والجرحى ومقاعد الطلاب المبتعثين بالخارج في إب، وذلك ما يخشاه الكثير من أبنائها.
يشار إلى أن محافظة إب تمتد على مساحة 6484 كيلومتراً مربعاً، وتعد الأولى بين محافظات الجمهورية في الكثافة السكانية نسبة لمساحتها، والثانية بعد تعز، في عدد السكان بشكل عام، إذ يقطنها نحو مليونين و132 ألف نسمة بحسب تعداد 2004، يتوزعون على 20 مديرية. وتسمى اللواء الأخضر لكونها محافظة زراعية مشهورة بمدرجاتها الخضراء وشلالاتها المائية وجوّها البديع، وصنفت كإحدى أجمل عشر مدن عربية.