ليس للعراق تاريخ طويل في السينما. ظلّ العراقيون يجرّبون في هذا الفن طوال قرن كامل، وحتّى عام 2003 لم يُنتج أكثر من مئة فيلم. غرق بعض هذه الأعمال في الأيديولوجيا السياسية التي روّجت لنظام صدّام حسين وحروبه، وبعضها حاول التجريب في الكوميديا، إلا أنها سقطت في فخِّ الابتذال.
ورغم ما حملته لحظة 9 نيسان/ أبريل 2003 من قلق على مستقبل البلاد، وما ستؤول إليه في ظلّ فوضى الاحتلال وحلّ مؤسسات الدولة، فإن السينمائي الشاب عُدي رشيد أيقن مبكراً أنه لا يجب انتظار تشكيل المؤسسة الرسميّة لإنتاج سينما، فذهب إلى "دائرة السينما والمسرح"، وانتشل المعدّات القديمة والمتهالكة وأنتج فيلمه الأوّل "غير صالح للعرض".
كان رشيد أوّل من وضع القطار على سكّة السينما العراقية الجديدة المتحرّرة من الأعباء السياسية، ومن ثمّ لحق به محمّد الدراجي، وأنتج فيلمه الأول "أحلام". وسُرعان ما تحلّق حول المخرجَين عدد من الشبّان ممن يدرسون السينما في "أكاديمية الفنون الجميلة" في بغداد.
بعد أن جمّع رشيد والدراجي مجموعة حالمين بـ "سينما مستقلة"، خطرت فكرة إنشاء "المركز العراقي للفيلم المستقل" عام 2009. أعدّ رشيد مسوّدة العمل الذي يجب أن يقوم به المركز، وحصل، بعد عامين، على موافقة تخصيص مقر له بشارع الرشيد في بغداد، وخلال هذه الأعوام قام المركز بإنتاج عشرين فيلماً بين روائي وقصير.
في شباط / فبراير الماضي، احتفل "المركز العراقي للفيلم المستقل" بمرور ستة أعوام على تأسيسه، وعدّ الاحتفال فرصة لرفض الفساد المستشري في جسد الثقافة العراقيّة، إذ قام القائمون على المركز بكسر أقلام حمراء، محتجين بهذه الإشارة على رفض وزارة الثقافة الموافقة على تمويل أفلام تقدّم بها المركز.
المخرج السينمائي والمدير الإعلامي للمركز مهند حيّال، بيّن في حديث لـ "العربي الجديد" أن "المركز أدّى أعمالاً خدمت السينما، في ظلّ خراب البنية التحتية للثقافة العراقية، بعد أن تحوّلت دُور العرض إلى خرائب ومخازن خردة"، مشيراً إلى أن "المركز قدّم أكثر من مشروع للحكومة العراقيّة لتطوير قطاع السينما إلا أنها قوبلت بالإهمال".
حصدت الأفلام التي أنتجها المركز نحو 100 جائزة عربيّة وعالمية، ونال فيلم "ابن بابل" لمحمّد الدراجي 22 جائزة وحده، وكانت "الدب الكريستالي" آخر جائزة حصل عليها المركز في "مهرجان برلين" عن فيلم "هديّة أبي" للمخرج سلام سلمان. يحضِّر المركز حالياً لإنتاج ستة أفلام من بينها فيلم لعديّ رشيد مقتبس عن رواية "يا مريم" للروائي العراقي سنان أنطون، التي تتحدث عن أوضاع المسيحيّين العراقيين بعد احتلال بغداد.
يحاول "المركز العراقي للفيلم المستقل" التأسيس لسينما عراقية جادّة، ويراهن الوسط العراقي السينمائي على هؤلاء الشباب الذين تتجاهلهم المؤسسة الرسمية وتحتفي بهم مهرجانات السينما العالمية.