محطة القطار في طرابلس

03 مايو 2016
محطة القطار في طرابلس (Getty)
+ الخط -
في عام 1911 دشنت محطة طرابلس، كواحدة من سلسلة محطات "قطار الشرق السريع". المنظور أوسع من محطة قرب ميناء المدينة البحرية اللبنانية، فأصل القصة سكك حديدية تربط بين إسطنبول والحجاز ؛ الخط الحديدي الحجازي. 

الزمن زمن الإمبراطورية العثمانية، والعهد عهد السلطان عبد الحميد الثاني. المشروع طموح، يريد شدّ أواصر الولايات العثمانية، وقد راحت تنأى وتستيقظ من "نومها"، على وقع دقّات قلب "الرجل المريض". يقال إن أشجارًا كثيرة قطعت لهذا الغرض، وإن المشروع الذي ظهر اقتصاديًا وجزءًا من الإصلاحات العثمانية، له وجه سياسي. وهذا صحيح إذ قليلاً ما تفترق السياسة عن الاقتصاد.


في العقد الأوّل من القرن العشرين، الممتلئ بأمور كثيرة، ومن بينها تواريخ إنشاء محطات على غرار محطة طرابلس، راح العرب يتلمسون هويتهم بعيدًا من العثمانيين.
وعلى شرفة قصره في مكة المكرمة، وقف الشريف حسين بن علي، في العاشر من يوليو / حزيران عام 1916. أطلق النار من بندقيته معلنًا بداية الثورة العربية الكبرى.
ها هنا سيؤدي الخط الحديدي الحجازي دورًا كبيرًا، لكأنه شخصية رئيسة في الأحداث كلّها. فإن نُقل الجنود العثمانيون فيه، راح لورنس العرب، يعلّم العرب كيفية تركيب المتفجرات لنسف القطارات، وفكّ "الأواصر" التي أرادها العثمانيون.


أما جهة طرابلس، حيث هذه المحطة، ففي البداية، مال المخططون لربط طرابلس بحمص، أي ربط مرفأ بحري بمدينة داخلية. تعطّل الأمر لفترة الحرب العالمية الأولى، ثم عاد إلى عهده عام 1921. وظلت المحطة تؤدي دورها في الربط بين الناس وتقريب المسافات ونقل البضائع. حركة لا تهدأ، وأوهام كبرى أيضًا.

سكة الحديد هذه، لم ترنُ صوب المدن السورية الداخلية فحسب، بل تشعّبت وامتدت، حد إنها وصلت مدينة الأنوار: باريس. الرحلة الطرابلسية الباريسية كانت تستغرق أربعة أيام ونصف يوم.
بالطبع لم تعد تلك الرحلة القائمة، فباريس ليست "مربط خيلنا"، على ما تردد الشعارات الرنانة. التفتت المحطة إلى أخواتها من المحطات في مدن المشرق، وأدّت دورها في النقل والأسفار. لكن ربما، لأن ذاكرتها وولادتها مرتبطتان بالحرب العالمية الأولى، التي فكّكت تركة "الرجل المريض"، ورسمت حدودًا بقلمين: إنكليزي وفرنسي، تحت عنوان الاتفاق الشهير ؛ سايكس بيكو، لم تتوانَ المحطة عن التوقّف والتحول إلى خربة وأطلال غداة الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975.


ها هنا في الصورة أطلال المحطة الطرابلسية، تلزمها قصيدة جاهلية على ما يبدو، إذ إن كل محاولات ترميمها وتحويلها إلى متحف يحترم الذاكرة الجمعية باءت بالفشل.