أخذت جمعية "إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج" على عاتقها حلحلة أزمة آلاف التونسيين في الخارج، سواء في بعض مناطق النزاع، على غرار ليبيا وسورية والعراق، أو حتى المقاتلين الذين ذهبوا لـ"الجهاد"، بالإضافة إلى أولئك الذين سافروا بطرق غير شرعية إلى عدد من الدول الأوروبية، وما زال مصيرهم مجهولاً.
وتعمل الجمعية منذ سنوات على معرفة مصير هؤلاء، وخصوصاً أولئك الذين أعلنت السلطات السورية أنها مستعدة لتسليمهم رسمياً إلى الدولة. وتعلّق عائلات كثيرة آمالها على الجمعية لإعادة أبنائها العالقين في الخارج. ودائماً ما يسعى رئيس الجمعية، محمد إقبال بن رجب، إلى الاتصال بالسلطات التونسية لمعرفة آخر المستجدات حول أولئك الذين وافقت السلطات السورية على تسليمهم إلى تونس، وغيرهم.
ولطالما طالب وزارة الخارجية التونسية بالحصول على أسماء الشباب التونسيين الذين وصلوا إلى تركيا وما زالوا عالقين هناك، بهدف حصر أعدادهم، علماً أن السلطات التركية تعتبر دخول التونسيين إلى تركيا من دون تأشيرة قانونياً، حتى تتجاوز إقامتهم هناك الستة أشهر. ويرى أن السلطات التركية رفضت هذا الطلب لأنه سيكشف عن أرقام تفوق التوقعات.
أيضاً، تستقبل الجمعية بعض الأهالي الذين سافر أبناؤهم إلى سورية أو ليبيا للمشاركة في القتال مع الجماعات المسلحة، وتحرص على توثيق قصصهم. وكثيراً ما شاركت الأهالي في عدد من الوقفات الاحتجاجية لمطالبة السلطات بمعرفة مصير أبنائهم وأماكن تواجدهم. كذلك، عقدت ندوات صحافية عدة، قدمت فيها بعض المعطيات المتعلقة بهؤلاء الشباب. حاورت "العربي الجديد" بن رجب، للاطلاع على مزيد من التفاصيل.
- كم عدد التونسيين العالقين في الخارج؟
تقول الإحصائيات الرسمية إنه في سورية نحو ستة آلاف تونسي. لكن بات مصيرهم مجهولاً اليوم، بسبب الحرب، وإغلاق السفارة التونسية هناك. حتى المكتب الذي أنشئ في يوليو/تموز الماضي في سورية بهدف حلّ مشاكل الجالية لم يهتم بالمسألة بالشكل الكافي، ولم يوفر معلومات دقيقة حول وضع التونسيين، أو يقدم أي خدمات لأفراد الجالية المتواجدين أصلاً في سورية، أو يتصل ببعض الشباب المسجونين. تعيش بعض العائلات أوضاعاً صعبة، من دون أن يستجيب لهم أحد. يمكن القول إنهم مهمشون في بلد يعيش حرباً. وطالبنا بضرورة الإبقاء على القنصلية من دون التدخل في الشؤون السياسية.
في المقابل، يوجد أكثر من خمسة آلاف مقاتل في سورية سافروا بداعي الجهاد بعد الثورة، وقد توفي عدد منهم. فيما عاد المئات منهم إلى تونس.
وما زال هناك المئات في العراق. ربما كان عددهم معروفاً لدى السلطات قبل عام 2011. لكن بعد ذلك، باتت السلطات العراقية تتكتّم حول الموضوع، ولا تقدم إحصائيات رسمية ودقيقة حول عدد التونسيين هناك.
- هل تتابعون محاكمات التونسيين في الخارج؟
تابعنا العديد من المحاكمات، وخصوصاً تلك التي صدرت فيها أحكام بالعفو في كل من سورية والعراق. كذلك، صدرت أحكام بالعفو بحق نحو 43 تونسياً من السجون السورية، وما زلنا بانتظار التنفيذ. وصدرت أحكام بالعفو بحق 8 تونسيين في السجون العراقية منذ عام 2012، من دون تطبيق القرار حتى اليوم. ونطالب بمحاكمة الموقوفين في العراق محاكمة عادلة، وتنفيذ أي عقوبة في تونس.
أيضاً، طالبنا بالإفصاح عن عدد المساجين التونسيين بصفة عامة، وهوية القتلى، ومعرفة الأشخاص أو الجماعات التي تجند الشباب التونسيين للقتال في العراق وسورية.
- ما هو دور الجمعية في هذا الإطار؟
كثيراً ما استقبلت الجمعية الأهالي الذين سافر أبناؤهم إلى الخارج. كذلك، التقينا بعض المسؤولين لمعرفة مصير التونسيين العالقين في الخارج، وتحديد أماكن تواجدهم، وحصر أعدادهم، بالإضافة إلى الاطلاع على آخر المستجدات، وخصوصاً في ما يتعلق بالتونسيين الذين وافقت السلطات السورية على إرجاعهم إلى تونس.
- من يحرّض على الإرهاب؟
يحرض كثير من الأشخاص بشكل علني على الإرهاب، من خلال خطاباتهم. علماً أن السلطات لا تكترث لتعليق أنشطتهم. أما الشباب فيعتقلون. لا يجب أن يقتصر التصدي للإرهاب على الجبال، بل يجب أن يحدث ذلك في المدن، من خلال القضاء على ينابيعه. أيضاً، يجب إعادة تأهيل الشباب العائدين من سورية من قبل أئمة معتدلين، حتى لا يشكلوا أي خطر على المجتمع وقيم الإسلام المعتدل الذي يدعو إلى الرحمة والتسامح.
من جهة أخرى، لابد من تتبع الجماعات التي تحرّض وتجند الشباب للقتال في سورية، وخصوصاً أن الأمر ما زال مستمراً.
- ما موقفك من سجن العائدين من سورية مع مساجين الحق العام؟
انتقدت أكثر من مرة سجن وإيقاف بعض المتورطين في أعمال إرهابية أو بعض العائدين من سورية مع مساجين الحق العام. فالمتورطون في قضايا إرهابية تمكنوا من استقطاب مساجين الحق العام، وتكوين خلايا نائمة من خلال التواصل معهم في الزنازين ودعوتهم للهِداية وترسيخ مفهوم الجهاد لديهم. ولا بد للقائمين على السجون من الانتباه للأمر، لأنه في غاية الخطورة.
- هل من جديد حول مصير المفقودين في إيطاليا؟
يناهز عدد التونسيين العالقين في إيطاليا (بعد عام 2011) 504 أشخاص، وغالبيتهم من الذكور الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و30 عاماً تقريباً. لكن للأسف، فإن مساعي الجمعية لإعادة هؤلاء باءت بالفشل، ولم يعد أي شخص بسبب عدم تجاوب السلطات.
الحكومة مسؤولة عن الأمر، وتحديداً منذ عهد الباجي قائد السبسي عام 2011. كما أن حسين الجزيري، كاتب الدّولة المكلف بملفي الهجرة والتونسيين في الخارج في حكومة "الترويكا" ساهم في تعطيل كثير من المسائل، لا سيما في ما يتعلق ببعض الاتفاقيات. وبقي هذا الملف رهن المماطلة مع الحكومات المتعاقبة بعد الثورة.
- كيف تُقيّم تعامل السلطات التونسية مع ملف العالقين في الخارج؟
هناك تقاعس كبير في كيفية تعاطي السلطات التونسية مع ملف المفقودين في الخارج، وخصوصاً وزارة الخارجية والرئاسة. هاتان الجهتان لم تبديا الاهتمام الكافي بمصير 350 تونسياً فُقدوا في إيطاليا عقب الثورة، أو بالعالقين في السجون السوريّة، على الرغم من قرار تسليمهم الصادر منذ يونيو/حزيران عام 2013.
كذلك، لم تحرّك ساكناً بشأن التونسيين الذين هاجروا بطريقة غير شرعية إلى إيطاليا عقب الثورة، والذين غدا مصيرهم مجهولاً، ولم تبحث عنهم في السجون أو في مراكز اعتقالهم، ولم تسع إلى الاستفسار من الجانب الإيطالي عنهم.
مبادرة محليّة
لم يكن لمحمد إقبال بن رجب (36 عاماً)، وهو خريج كلية العلوم في تونس، أي نشاط مدني في السابق، كما أنه لم يعمل مع أي جمعية. كانت البداية حين علم بمشاركة شقيقه في القتال في سورية، على الرغم من كونه مقعدا. أمر دفعه وعدد من العائلات إلى تأسيس جمعية "إنقاذ التونسيين العالقين بالخارج" عام 2013، بهدف العمل على إعادة التونسيين العالقين في الخارج إلى بلادهم، سواء كانوا مسجونين أو مفقودين أو موتى في كل من سورية والعراق ومالي وغيرها من الدول، بالإضافة إلى إعادة تأهيل ودمج هؤلاء الشباب.