"ظننت أنني السايبورغ الوحيد"، عنوان اختاره المعماري والفنان المصري محمد المغربي لمعرضه المقام في غاليري "سوما آرت" في القاهرة ويستمر حتى الرابع من كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ويتضمن فيديو ورسومات ونصاً، وفيه يستكشف الفنان الروابط بين الشكل المادي والافتراضي من منظور فلسفي ومعماري، حيث يجرب الفنان العمل الفني بوسائط مختلفة من الرسم والطباعة والتصوير.
يعيد المغربي (1985) التفكير في العلاقة بين الواقعين: الافتراضي الرقمي والواقعي، من خلال نموذج السايبورغ أي كائن أجزاء من جسده عضوية والأخرى ميكانيكة رقمية (مصطلح نحته العالمان الأميركيان مانفرد كلاينز وناثان كلاين عام 1960).
يقول المغربي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه يستعير السايبورغ في محاولة لتفكيك وإعادة التفكير في "العلاقة بين العالم المادي وطبيعة البنى داخل الفضاء الرقمي، والكيفية التي يمكن من خلالها بناء هذا الأخير وتحويله إلى شيء مادي والكيفية التي يمكن بها أيضاً أن يحصل العكس".
يتكون المعرض من فيديو يظهر فيه جسم طائر يتحرك في الفراغ، بينما تحاول ذراعان آليتان الإمساك به وتثبيته: "الجسيم الأزرق هو نتاج عملية تخصيب وتناسل الماكينة، حيث ينمو الجسيم على الغلاف الخارجي لأطراف الماكينة ثم ينقسم ويتحرر ليطفو في الفضاء".
أما في الرسومات، فيجري الفنان إعادة تفكير في طيران هذا الجسم والأذرع التي تحاول إمساكه، فتبدو الرسومات المتقطعة كما لو كانت مشاهد مجتزأة من عملية واحدة، أو كأنها "أحجية" لو جمعنا أجزاءها لفهمنا الطريقة التي تكون بها السايبورغ، عن ذلك يقول المغربي: "اللوحات هي مراحل، افترضت الأصل ثم كيف تطوّر عبر رسومات مختلفة".
"العمارة موجودة طول الوقت ومتضمنة في العمل"، يكمل المغربي موضحاً: "من خلال الأدوات والبرامج التي أبني عليها الأشكال والتعامل مع الأدوات والرسم بمنطق معماري، والبرنامج الرقمي الذي أبني من خلاله منتجاً رقمياً"، كل ذلك يدور حول استكشاف الفنان لنمط وأساليب التفكير من خلال وسيط رقمي.
تحيلنا فكرة "السايبورغ الوحيد" إلى سؤال الفنان، في هذا العصر حيث كل فرد هو إنسان له كيان افتراضي وعزلة متعاظمة، هل يظن كل فرد أنه السايبورغ الوحيد؟ "ممكن"، ويكمل: "العنوان مرتبط بالنص وسياقه، ونص الحوار في المعرض هو عمل موازٍ للرسومات والفيديو"، في النص "سلمى" وهي سايبورغ، تتحدث إلى البرنامج الذي برمجت عليه، نقرأ في النص "كانت الرموز المعقدة دائماً محيّرة لسلمى، على الرغم من نجاحها في تطوير قدرتها على فك هذه الرموز تماماً كما برمجت، تقضي سلمى وقتاً في مراقبة عمل الماكينة وعلاقتها بالفضاء وبحركة الجسيمات عبر شاشة التضخيم، وفي الوقت ذاته تستمر في تلقي الرموز وفكّها ونقلها عبر الهوائي الخاص بها".
ما إن يقرأ المتلقي العبارات السابقة حتى يشعر أنه سلمى، فالفيديو يعرض الماكينة وحركتها وعلاقتها بالفضاء، والمتلقي يظن أنه يفكك رموز المعرض، ليكتشف عند قراءة النص أنه أيضاً سايبورغ بشكل أو بآخر. الجسيم الأزرق الطائر في الفيديو وفي اللوحات هو الحلقة المفرغة، الشيء الذي يعيد إنتاج نفسه، وهو قريب من فكرة الوعي وأدواته، فنحن نفكر ونحول الفكرة إلى واقع ثم نعود ونستقبل الواقع من جديد. وفي هذا السياق يمكن فهم كلمات السايبورغ سلمى: "في رحابة الفضاء وسعته، كيف كانت الأمور قبل وجودي".
يذكر أن "ظننت أنني السايبورغ الوحيد" هو المعرض الفردي الأول للمغربي، وسبق له المشاركة في ثمانية معارض جماعية، ويستخدم العمارة دائماً كمرجع بصري وفلسفي في أعماله.