خرج محمد من البيت كعادته للعب كرة القدم مع رفاق الحيّ. هو شغف الفتيان باللعبة التي تأسرهم لساعات يومياً حتى مغيب الشمس.
لكنه وعد أمه قبل خروجه في ذلك اليوم بأنه سيعود قبل الغياب، ويتابع ما لديه من واجبات.
أنهى الرفاق الشوط الأخير في لعبتهم، وحين تجمعوا استعداداً للعودة إلى منازلهم سمعوا دويّ انفجار هائل. سرى الخوف في قلوبهم وانبطحوا أرضاً، في ردة فعل معتادة لديهم. فهم يعيشون في مدينة يغيب عنها الأمن والاستقرار.
أحد الرفاق قال لمحمد: "هيا نستطلع الأمر ونعرف أين وقع الانفجار بالتحديد". تردد محمد للوهلة الأولى، وتذكر الوعد الذي قطعه لوالدته بأن يعود قبل المغيب. لكن الفضول دفعه لمرافقة الفتى الذي عزم على السير باتجاه مكان التفجير.
صفارات الإسعاف والشرطة اختلطت أصواتها مع جلبة الناس الذين بدأوا يتراكضون نحو مصدر الدخان المتصاعد وألسنة اللهب التي خلفها الانفجار.
حشر محمد نفسه ورفيقه وسط جمهرة الناس قرب مكان الانفجار بعد أن قطعا المسافة نحوه ركضاً. ولكن ما هي إلا دقائق قليلة حتى وقع التفجير الثاني في المكان عينه، وهي خطة يتبعها الإرهابيون في عملياتهم لحصد المزيد من الضحايا وقتل المدنيين الأبرياء.
وقع محمد أرضاً وغاب عن الوعي، وحين استفاق من غيبوبته شعر بالألم، ورأى نفسه ممدداً على سرير المستشفى، وأمه بالقرب منه تمسك يده وتطمئنه وتحاول جاهدة حبس دموعها. صار محمد يتلمس مصدر الألم في جسمه، ليكتشف أن الانفجار بتر قدمه. صدمة قاسية مؤلمة تلقاها الفتى وكذلك أمه ورفاقه وأقاربه الذين بدأوا بالتوافد لرؤيته والاطمئنان عليه.
استطاع الأطباء خلال الأيام التي قضاها في المستشفى تسكين آلامه بالأدوية والعلاج، لكن ألمه النفسي كان أقوى. لم يستطع تخيل حياته من دون قدمه لأن كرة القدم هي شغفه. وتملكته مشاعر الغضب والرفض لواقعه الجديد، فهو لا يريد أن يعيش بجسد ناقص. وتيقن أن ما أصابه من إعاقة ويصيب المئات غيره من الأطفال سببه الحرب والقصف والتفجيرات التي تحول حياتهم إلى مأساة.
حين عاد محمد إلى المنزل تلقى الدعم والمساعدة من أسرته ورفاقه. لكن الجميع كانوا يعلمون أن والدته غير قادرة على تأمين المال الكافي لتركيب قدم اصطناعية لمحمد، فأحوالهم صارت صعبة جداً بعد وفاة والده العام الماضي.
بعد فترة وجيزة، أراد رفاق محمد أن يفاجئوه، بعدما اجتهدوا في جمع التبرعات والبحث عن جمعيات تساعد في توفير أطراف اصطناعية للأطفال. وتغيرت ملامح محمد الحزينة حين تلقى الخبر منهم بأن أحد المشافي سيركب له قدماً جديدة، وبأنه مع التدريب سيتمكن من اللعب مجدداً والتنقل سيراً.
قصة محمد، هي سيناريو مركّب، لكنّها تشبه قصص كثير من الأطفال ممن بترت أطرافهم في أكثر من مدينة عربية. وأعطته الأمل في ختامها بحصوله على طرف اصطناعي ليصير مثل الطفل الفلسطيني عبد الرحمن نوفل الذي فقد ساقه اليسرى بإصابة قناص إسرائيلي أطلق نحوه طلقاً متفجراً شرق مخيم البريج في غزة في إبريل/نيسان الماضي. ونجح في الحصول على طرف اصطناعي في الولايات المتحدة، وخضع للعلاج الطبيعي.
كما تتقاطع حكايته مع حكاية الطفل السوري عبد الباسط صطوف الذي بترت براميل النظام السوري رجله وذراعه في إدلب في فبراير/شباط 2017، وحظي بفرصة تركيب رجل اصطناعية في تركيا.
أطفال في اليمن والعراق وليبيا وفي كل مناطق الحروب والنزاع يتعرضون يومياً لخطر الألغام والتفجيرات والقصف والقنص، وكلها تنتهي بتهديد حياتهم وإصابتهم بإعاقات دائمة. وإن كان بعضهم يحصل على فرصة تخفف من حدة إعاقته وتسهل عيشه، إلا أن أكثرهم للأسف لا يحظون بتلك الفرص.