لطالما اعتبر محمد صادق حديد نفسه مالكاً لما هو أقوى من تأثير الرصاص. لذلك، ربما، كان يهدد حاملي السلاح من جمهوره بالتوقف عن الغناء كلما أطلقوا رصاصهم المبتهج في الهواء. جملة واحدة، "لا تطلقوا النار يا شباب"، كانت كافية لتعاد المسدسات إلى جعبها وتسدل فوهات البنادق باتجاه الأرض.
رحل "أبو صادق"، الملقب بـ"ملك العتابا"، عام 2007، من دون أن يختبر سلطة صوته وقوة "عتاباه وموليّاه" في زمنٍ سوري باتت ثوانيه رصاص، ودقائقه قذائف.
في بداية الستينيات، انطلق صوت ابن قرية برّي الشرقي (1938)، في ريف مدينة "سلمية"، بعد أن أخذ الغناء والعزف عن والده صادق حديد، ثم تجاوز حدود منطقته ليحقق انتشاراً واسعاً في مناطق عدة من سورية.
دخوله في سلك الشرطة وخدمته في دمشق أمّنا له حضوراً مهمّاً فيها، خصوصاً في ريفها ومنطقة القلمون، حتى بات معظم الناس في منطقة تل منين لا يقيمون حفلاتهم وأعراسهم إلا بحضوره.
في الريف السوري قديماً، لم يعتد الناس على وصف مغنّيهم المحليين بالمطربين، بل كانوا يفضّلون لقب "شاعر" أو "شاعر ربابة". لذلك كنا نسمع على لسان "أبو صادق" وَلعَه بالشعر، وتقديره الكبير للكلمة: "العتابا تحتاج إلى مستمعين يصغون إلى معنى الكلمة، فإذا فهم المستمع المعنى طلب المزيد، مشدوداً بقوة الكلام وطريقة نسجه، وسحر الجناس في أواخر الكلمات". ومع أنه كان يأسف، في سنواته الأخيرة، لندرة "السمّيعة"، كما كان يعرّفهم في بداية ومنتصف مشواره الفني، إلا أنه بقي يبحث عنهم قبل أن يبحثوا عنه.
عاش "أبو صادق" حياة بسيطة أقرب إلى الفقيرة، إلا أن ربابته كانت دائماً قرشه الأبيض. ورغم أنه كان يتقاضى أجوراً عن حفلاته، لكنه، في الوقت نفسه، أحيا الكثير من الجلسات والحفلات من دون أجر.
من جهة أخرى، سجّل لإذاعة دمشق وصلة عتابا وموليّا في برنامج "صوت الفلاحين" عام 1968، وعرف سوق الكاسيتات أكثر من ألف ساعة غنائية بصوته، معتمداً لهجة منطقة سلمية، إضافة إلى اللهجة البدوية التي كانت مفهومة في منطقته الواقعة على حافة الصحراء.
وبسبب أسلوبه المتفرّد، أخذ الناس والمهتمون بالغناء الشعبي يطلقون على طريقته تلك اسم "العتابا السلمونية"، إذ استطاع أن يحوّلها إلى مدرسة حقيقية في هذا النمط الغنائي، وخلّف وراءه العديد ممَن حاكوا أسلوبه.
تعاون محمد صادق حديد مع عدة شعراء، منهم محمد كنعان، وهو من اللاذقية، وأخذ بعض المواويل عن الشاعر الشعبي جميل جنيد. لكن أغلب العتابا التي غناها كانت ممّا حفظه عن والده، وكذلك ما كتبه الشاعر الشعبي الشيخ علي زينو، من أبناء سلمية، كما غنى لشاعر من معضمية دمشق يلقب بأبي حسان عنبر، وغنى أغنيتين أخذهما من مجلة "الشبكة" اللبنانية، الأولى "ع المشلح يا أم المشلح" والثانية "قلبي ما بدو مفتاح"، إضافة إلى أنه كتب وارتجل العديد من أبيات العتابا.