ولعل أخطر مصادر التهديد التي تخشاها إسرائيل من نتاج التصعيد الإيراني الأميركي يتمثّل في أن تصبح أحد أهداف رد طهران على اغتيال سليماني.
ويلفت مواف فاردي، المعلّق في قناة (كان) الرسمية الإسرائيلية، في تعليق نشره اليوم على صفحته على "فيسبوك"، الأنظار إلى أن تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس السبت، بضرب 52 هدفاً إيرانياً رداً على ضرب مصالح الولايات المتحدة، يمكن أن يدفع طهران إلى ضرب المصالح الإسرائيلية على وجه الخصوص.
وسبق للواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) أن حذّر من أن إيران أو المليشيات المرتبطة بها يمكن أن تستهدف إسرائيل انطلاقاً من سورية أو غرب العراق، وحتى من شمال اليمن.
وتمثّل التسريبات، التي ترجّح مساعدة الاستخبارات الإسرائيلية للولايات المتحدة في تصفية سليماني، محفزاً لطهران والمتحالفين معها لاستهداف العمق الإسرائيلي، لا سيما أن الغارات التي تستهدف المليشيات المتحالفة مع إيران، والتي تنسب إلى إسرائيل، تواصلت بعد اغتيال سليماني، كما حدث، أمس، عندما هوجمت مواقع لهذه المليشيات بالقرب من مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية.
إلى جانب ذلك، فإن أخطر السيناريوهات ذات الطابع العسكري لتداعيات التصعيد الإيراني الأميركي، التي تخشاها تل أبيب، يتمثل في تدحرج المواجهة الإيرانية الأميركية إلى حد قيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربات في عمق إيران، وهذا السيناريو قد يستدعي تدخل "حزب الله" اللبناني في المواجهة عبر استهداف إسرائيل.
ورسم أوري بار يوسف، الذي يعد أحد أهم المفكرين الاستراتيجيين في إسرائيل، مشهداً مأساوياً في مقاله، اليوم الأحد، في "هآرتس"، لما ستؤول إليه الأمور في إسرائيل في حال شارك "حزب الله" في المواجهة القائمة، إذ أشار إلى أنه لن يعود لبنان وإيران فقط إلى العصر الحجري في أعقاب المواجهة الشاملة، بل إسرائيل أيضاً، بسبب ما ستتعرض له بناها التحتية وعمقها المدني من أضرار.
وأضاف أن "هناك تداعيات سياسية يمكن أن تنجم عن التصعيد الإيراني الأميركي وتمثل مخاطر كبيرة على إسرائيل. فعلى سبيل المثال، فإن نجاح حلفاء إيران في العراق بإقناع البرلمان العراقي بتمرير قرار يلغي الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة ليتحول الوجود الأميركي هناك إلى غير شرعي يعد مصدر خطر كبير على إسرائيل".
كذلك قال عاموس يادلين، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، في مقابلة مع القناة "12" الإسرائيلية، أول من أمس الجمعة، إن ترامب قد يتحمس للخروج من العراق عبر تسويق تصفية سليماني كإنجاز.
وحسب يادلين، فإن مخاطر الانسحاب الأميركي من العراق على إسرائيل تفوق عوائد تصفية سليماني، على اعتبار أن هذا الانسحاب يسمح لإيران بتوسيع تمركزها العسكري ليس في العراق، بل في سورية.
إلى جانب ذلك، فإنه يمكن الافتراض أن إسرائيل تخشى أيضاً أن تسهم المواجهة الأميركية الإيرانية في دفع دوائر صنع القرار السياسي في طهران إلى التنصل تماماً من الاتفاق النووي، بحيث تتجه إيران إلى تخصيب اليورانيوم بالنسبة التي تسمح بإنتاج أول قنبلة نووية بسرعة.
ومن الواضح أن هذا يعد سيناريو الرعب الذي تخشاه إسرائيل لأنه يمثل تهديداً وجودياً عليها، ويرى كثير من الأوساط فيها أنه يستدعي توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، مع أنه لا يوجد ما يضمن أن لدى تل أبيب القدرة على القيام بهذه المهمة بنجاح.
وفي مقابل المخاطر، فإن هناك جملة فرص تراهن إسرائيل على تحقيقها في أعقاب المواجهة الإيرانية الأميركية. ففي حال لم تتمكن إيران وحلفاؤها من الرد بشكل رادع على الولايات المتحدة، وعجزت عن دفع الأخيرة للانسحاب العراق، فإن هذا يعزز من قدرة تل أبيب على تحقيق هدفها المتمثل في إخراج إيران من سورية، على اعتبار أن ذلك سيمثل مؤشر ضعف سيغري تل أبيب بتكثيف هجماتها لتحقيق هذه المهمة.
في الوقت ذاته، فإنه يمكن الافتراض أن إسرائيل تراهن على قيام الولايات المتحدة بتدمير المنشآت النووية الإيرانية في إطار المواجهة الشاملة مع طهران، وهذا ما يفكك مصدر الخطر الوجودي الوحيد، حسب التقدير الإسرائيلي.
لكن المعضلة التي تواجه أوساط التقدير الاستراتيجي في تل أبيب عند استشراف الفرص والمخاطر من المواجهة الإيرانية الأميركية، حقيقة أن أحداً في إسرائيل لا يؤمن بأن ترامب يتصرف وفق استراتيجية مدروسة ومقصودة، كما يقول الجنرال يادلين.
من جهته، رأى المعلّق فاردي أنه حتى لو كان لدى ترامب التصميم على المواجهة مع إيران، فإنه يكفي أن تستقبل واشنطن بعض جثامين الجنود الأميركيين حتى يغيّر ترامب توجهاته رأساً على عقب ويبدي استعداده للانسحاب من المنطقة.