كشف كتاب إسرائيلي جديد النقاب عن أن رئيس الوزراء ووزير الأمن الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون، ورئيس هيئة أركان الجيش الأسبق، رفائيل إيتان، أمرا بإسقاط أية طائرة مدنية يتواجد على متنها الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، حتى لو أدى الأمر إلى مقتل الكثير من المدنيين.
وحسب كتاب "القادم لقتلك بادر واقتله: التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية"، الصادر حديثاً، والذي أعدّه معلق الشؤون الاستخبارية رونين بريغمان، فقد تسنى إحباط مخططات إسقاط الطائرات المدنية، التي كان يظن أن عرفات تواجد على متنها، تسنى بسبب اعتراض مجموعة من القيادات العسكرية على إسقاط الطائرات المدنية خشية أن يَلحق بإسرائيل ضرر سياسي كبير.
وأشار بريغمان إلى أنه في 1982 توفرت لدى إسرائيل معلومات استخبارية تفيد بأن عرفات يستقل طائرة مدنية تواجد على متنها أيضاً 30 طفلا ممن أصيبوا في مجزرة "صبرا وشاتيلا"، فأمر شارون وإيتان بإسقاط الطائرة، إلا أن عدداً من كبار الضباط الإسرائيليين اعترضوا على المخطط خشية أن يتسبب في إلحاق أذى بمكانة إسرائيل الدولية.
وحسب الكتاب، فقد أبلغ جهاز "الموساد" قائد سلاح الجو دفيد عفري في أكتوبر/تشرين الأول 1982 بأن عرفات استقل طائرة من أثينا إلى القاهرة. وأشار إلى أن عفري أمر بأن تقوم طائرتان من طراز "إف 15" بإسقاط الطائرة تحت إلحاح شارون وإيتان، إلا أن عفري تردد خشية ألا يكون عرفات هو الشخص الذي تواجد على متن الطائرة.
ولفت الكتاب إلى أن "الموساد" أكد فيما بعد أنه لا يوجد لديه معلومات مؤكدة أن عرفات كان بالفعل على ظهر الطائرة. ويشير بريغمان إلى أن إسرائيل تأكدت فيما بعد أن الشخص الذي تواجد على ظهر الطائرة كان شقيق عرفات الدكتور فتحي عرفات، الذي كان يرأس الهلال الأحمر الفلسطيني، حيث كان برفقته 30 طفلا فلسطينيا من الذين أصيبوا في مجزرة "صبرا وشاتيلا".
وعن تنفيذ مخططات لاغتيال الزعيم الراحل، أشار بريغمان إلى أن أول محاولة اغتيال نفذتها إسرائيل ضد عرفات كانت عام 1968 من خلال استخدام فلسطيني كان معتقلاً في سجونها، حيث تم إخضاعه لعملية "غسل مخ" بهدف إقناعه بتصفية عرفات، مشيراً إلى أن الأسير الفلسطيني بعد الإفراج عنه بخمس ساعات قام بتسليم نفسه للشرطة الأردنية وإبلاغها بالمخطط الإسرائيلي.
وأضاف أنه في أعقاب العملية الفدائية التي نفذتها حركة "فتح" في مدينة "نهاريا" عام 1979، والتي قتل فيها 4 مستوطنين، أمر رئيس الأركان في ذلك الوقت، رفائيل إيتان بتكثيف المحاولات الهادفة لتصفية القيادات الفلسطينية.
وتابع: "لقد توجه إيتان إلى قائد المنطقة الشمالية في الجيش أفيغدور بن غال، وقال له: قم بتصفيتهم جميعاً". ويكشف بريغمان أن بن غال، كلف مئير دغان، الذي أصبح فيما بعد رئيساً لجهاز "الموساد" بالإشراف على تصفية القيادات الفلسطينية، حيث قام بتشكيل وحدة أطلق عليها "جبهة تحرير لبنان من الأجانب".
وأشار بريغمان إلى أنه عند تولي شارون وزارة الحرب عام 1981، أمر كلا من بن غال ودغان بتكثيف الجهود الهادفة لتصفية القيادات الفلسطينية.
وفي السياق، ذكر أنه في إحدى المرات حصلت إسرائيل على معلومات بأن قيادة منظمة التحرير ستعقد اجتماعاً في إستاد رياضي في بيروت، إلا أن ضباطا في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" ونائب وزير الحرب في ذلك الوقت، توجهوا إلى رئيس الحكومة مناحيم بيغن وأقنعوا بإلغاء العملية.
وحسب الكتاب، فإنه عندما شرعت إسرائيل في حربها الأولى ضد لبنان في 1982، أمر شارون بتشكيل طاقم آخر أطلق عليه "سمك مملح" بحيث يكون هدفه تصفية عرفات، حيث قام شارون بتعيين عوزي ديان، الذي كان يقود وحدة "سييرت متكال"، أهم وحدات الصفوة في جيش الاحتلال ليكون على رأس الطاقم، وهو ابن شقيق وزير الحرب الأسبق موشيه ديان.
ويكشف الكتاب أن طاقم "سمك مملح" ناقش إمكانية تصفية عرفات في يوليو/تموز 1982 أثناء إجرائه لقاء صحافيا مع ثلاثة صحافيين إسرائيليين كان في مقدّمتهم أوري أفنيري، الذي كان يرأس مجلة "هعولام هزيه" اليسارية.
وحسب الكتاب، فقد تقرر تنفيذ محاولة الاغتيال إلا أنها لم تنفذ في النهاية حيث إن الاستخبارات الإسرائيلية فقدت القدرة على تعقب آثار عرفات في جنوب لبنان.
ويضيف بريغمان أن ديان، الذي قاد طاقم "سمك مملح" اعترض في بعض المرات على بعض التعليمات التي أصدرها شارون وإيتان لتنفيذ اغتيال عرفات.
وينقل بريغمان عن ديان قوله: "عنصران أسهما في إنقاذ عرقات: الحظ الطيب وأنا"، على حد مزاعمه.
وينقل الكتاب عن ديان أنه كان يعيق تنفيذ تعليمات شارون وإيتان بالقول إن المعلومات الاستخبارية لا تسمح بتنفيذ عملية التصفية، لافتاً إلى أن هدفه من التملص من تنفيذ عملية الاغتيال يتمثل في تجنب إلحاق ضرر بسمعة إسرائيل جراء المس بحياة عدد كبير من المدنيين العزل.
وأشار الكتاب إلى أن إيتان الذي شك بأن ديان يتملص من تنفيذ عملية الاغتيال قرر أن يتولى هو شخصياً تنفيذ محاولات الاغتيال. وأضاف أن إيتان استدعى قائد قسم العمليات في سلاح الجو العميد أبيعام سيلع وقال له: "سأطير معك في أجواء بيروت وسأتولى شخصيا بتشغيل الزر الذي سيفضي إلى إسقاط القنبلة على عرفات لقتله".
وأضاف أن إيتان طار بالفعل مع سيلع وقام بإسقاط القنبلة على المكان الذي كان يفترض أن يتواجد فيه عرفات إلا أن الأخير وصل للمكان بعد وقت قصير من إلقاء القنبلة.
وحسب الكتاب، فقد أمر شارون مجدداً بإسقاط أية طائرة مدنية يستقلها عرفات، مطالباً بأن يتم إسقاط الطائرة عندما تكون في عرض البحر حتى لا يتم تحديد سبب سقوط الطائرة بالضبط.
ووفقاً للكتاب، فقد أمر شارون بتشكيل طاقم آخر أطلق عليه "السمك الذهبي"، لافتاً إلى أنه تم استدعاء طائرات سلاح الجو الإسرائيلي لإسقاط طائرات كان يفترض أن يتواجد عليها عرفات، حيث تبين فيما بعد أن عرفات لم يكن يتواجد فيها.
ولفت إلى أن قائد لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية وعضو طاقم "سمك ذهبي"، الجنرال عاموس جلبوع، ظل يعارض هذه العمليات. ونقل عن جلبوع قوله: "توجهت لإيتان وقلت له إن إسقاط طائرة مدنية سيدمر إسرائيل من ناحية دولية".