يحاول الاحتلال، بشتى السبل، إبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم في داخل المناطق المحتلة عام 1948. أحدث المخطط حرمان أهالي قريتي المكر والجديدة من أراضيهم في منطقة طنطور والجور وزرع الفتنة بين أصحاب الأرض الأصليين.
وقد ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أخيراً أن حكومة الاحتلال تخطط لإقامة مدينة عربية للفلسطينيين في الداخل، على أراضي الطنطور والجور التي سبق أن صادرتها من أصحابها الشرعيين في قريتي المكر والجديدة.
وتبين من المعطيات الأولية التي نُشرت، أنّ المخطط الإسرائيلي يهدف إلى "إيجاد بديل" يمكن من خلاله إخراج ما تبقى من عرب عكا من المدينة التاريخية وإغرائهم بالانتقال إلى السكن في شقق جديدة في المدينة المستقبلية من جهة، وخفض نسبة انتقال الفلسطينيين في الجليل إلى المدن التاريخية، مثل حيفا وعكا وطبريا، وحتى البلدات اليهودية التي أقامتها في الثمانينيات ضمن مخططات تهويد الجليل مثل نتسرات عيليت وكرميئيل من جهةٍ ثانية.
لكن الصورة الأخرى للإعلان الإسرائيلي تحمل في تفاصيلها مخططاً رسميّاً، من شأنه، تطبيق ليس فقط حرمان أصحاب الأراضي في طنطور من أراضيهم وإغلاق فرص استعادتها في وجوههم، وإنما ينذر أيضاً بزرع بذور فتن وشقاق بين أصحاب الأراضي الأصليين وبين "الأزواج الشابة" التي قد تقع في شرك الإغراء الرسمي وتسعى إلى شراء شقق في المدينة المستقبلية، طمعاً في العيش في مدينة عربية.
تبلغ مساحة أراضي منطقة الطنطور والجور 2700 دونم، وهي أراض وعرية وزراعية تعود ملكيتها إلى أهالي قرية المكر، صادرتها الحكومة الإسرائيلية في سنة 1976 بداية بحجة بناء حي جديد لأهالي العرب من مدينة عكا القديمة لتفريغها. عُرفت هذه الأراضي بزراعة كروم العنب والتين، إلا أنه تم زرعها بالزيتون بعد النكبة.
تقع اليوم على جزء من أراضي الطنطور مقبرة كبيرة ليهود سكان عكا والمستوطنات المجاورة. ولا تزال أشجار الزيتون باقية فيها. تملك عائلة عكر من بلدة المكر 80 دونماً من أراضي الطنطور و50 دونماً في منطقة الجور منذ 150 عاماً.
يقول إبراهيم محمد خليل عكر (من مواليد 1933 من قرية المكر) لـ"العربي الجديد"، في بيته بالمكر، "كانت الأرض لأبي وعمي، فهي مصدر رزقنا وخيرنا نعتاش منها، وقد عملت فيها وزرعتها، مع أبي وإخواتي، كروم عنب وتين". ويضيف "كنا نذهب الى العين لنملأ الماء لسقاية الأشجار. وقد حرثتها بالحمار، وسال دمي على أرضي، وأنا أحمل الصخر وأجهز الأرض، أيام الشباب".
ويتابع "لم يسمح لي أبي أن أعمل خارج أرضنا، فبقيت أعمل في أرضنا طيلة الشباب. ولكن عندما صودرت الأرض عام 1976 تحولت الى عامل، فذهبت إلى العمل في بلدية حيفا مع الخواجات لأنه لم يبق لي رزق".
ويضيف "أنا أريد أرضاً لأحفادي حتى يبنوا بيوتهم، فإسرائيل تعطي البيوت والأراضي للأجنبي ابن أوروبا وروسيا، أما لابني صاحب الأرض لا تعطيه". ويشرح عدم رضوخه لسياسة الترغيب الإسرائيلية بقوله "رفضت أن أقبل أي تعويض مادي مقابل أرضي التي صادرتها الحكومة، ورفضت أن أبدلها أيضاً. فالأرض لا تباع. المال ينتهي، الأرض لا تنتهي، إن زرعتها وحافظت عليها فتعطيك ثماراً طول الوقت".
أما ابنه مصطفى عكر 53 عاماً، فمتزوج ولديه ستة أولاد، ثلاثة منهم طلاب جامعات، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "المشكلة اليوم أنه لا يوجد أرض للبناء للأزواج الشابة، وإذا أردت أن تشتري دونماً واحداً فإن ثمنه باهظ جدّاً ويصل إلى مليون ونصف شيكل". ويضيف "كنا نذهب إلى أرضنا التي صودرت لنجمع الزيتون من أشجارنا فكانوا يعتقلوننا". ويلفت إلى أنه معاق جسديّاً ولا يستطيع أن يعمل، قبل أن يتساءل: "من أين أستطيع أن أشتري أرضاً؟".
كما يشير إلى أن "دائرة أراضي إسرائيل تقوم في تضمين أرض الزيتون وهي أرضنا". ويوضح "كان لي صديق من عائلة أخرى بالمكر، قام بضمان أرضنا من دائرة أراضي إسرائيل. وقال لي يومها سأسمح لك أن تذهب وتلقط أشجارك فقطعت علاقتي به بشكل مطلق منذ ثلاثين عاماً".
يوافق أبناء عائلة عكر جميعهم على "أن شراء أرضهم يعتبر جريمة، ولن يباركوا لأي أحد يفعل هذا، وسيحاربونه بأي طريقة". ويشددون على أن "الأرض أرضنا، ونحن ما زلنا موجودين". ويلفتون إلى أن "الأراضي التي صودرت عام 1948 تعاملت معها إسرائيل على أنها أملاك غائبين، أما نحن فحاضرون، لنا أولوية في استغلال الأرض كأبناء جديدة المكر، وإرجاعها للبلد ولأولادي".
ونتيجة للأوضاع الراهنة أسست مجموعة ناشطين حراكاً شعبيّاً من جميع الحركات الوطنية للتصدي لمشروع بناء المدينة. ويقول جمال أبو شعبان من مؤسسي الحراك الشعبي لـ"العربي الجديد"، "نحن نعمل للتصدي لمخطط البناء على أراضي الطنطور لإعادته لنفوذ مسطح مجلس القرية".
وكان العشرات قد تظاهروا، يوم الثلاثاء، أمام لجنة التخطيط والبناء القطرية في القدس للتعببر عن رفضهم وسخطهم لمصادرة الأراضي.
ويلفت أبو شعبان إلى أن "الحراك انطلق في مهرجان شعبي لتجنيد الشارع، وشرح أبعاد المخطط على قريتي الجديدة المكر". ويضيف "بعد التظاهرة نحن نجهز خطوات تصعيدية، فسنقوم بمعسكر اعتصام طويل الأمد على أراضي الطنطور وندعو جميع القوة الوطنية للالتفاف حولنا".
وفسّر شعبان ظاهرة تغيير أهداف مصادرة الأرض من الدولة حتى اليوم، موضحاً أنه "قام قسم من العائلات أصحاب الأراضي سنة 1987 بالتوجه إلى المحكمة لإرجاع الأرض، فردت الدولة في المحكمة، أن السبب المصادرة هو إقامة مشاريع سياحية وصناعية وتجارية وبعض المرافق الصحية لمدينة عكا. وفي سنة 1990 تغير هدف استعمال الأرض مرة أخرى لبناء حي للقادمين الجدد من روسيا أيضاً لعكا".
ويقول مالك شيناوي، وهو أسير محرر من مالكي الأراضي في منطقة الطنطور، إن مصادرة الأراضي هي "عملية تهدف إلى جعل الفلسطينيين يصابون باليأس في الحياة؛ لا يوجد عندنا مناطق صناعية، ولا يوجد مصدر رزق، ونسبة الفقر والبطالة عالية، هم يريدون اقتلاعنا من أرضنا. وأنا أقول للإسرائيليين أنتم الغرباء ونحن الأصليون".
ويضيف "في عام 1976 قمنا مجموعة شبان بإغلاق الشارع الرئيسي للمكر، وأحرقنا الإطارات، وأعلنا الإضراب العام ليوم واحد، وخرجنا في تظاهرة ضد المصادرة واعتقلت لمدة يومين". وخلص إلى القول "سنتصدى بجميع الوسائل، لن نسمح بتمرير المخطط فأراضي المكر لأهلها".