مخيّمات غزّة.. "ثورة العتمة"

15 يناير 2017
(احتجاجات على انقطاعات الكهرباء في رفح، تصوير: سعيد خطيب)
+ الخط -
مشهدٌ تاريخي لا يمكن أن ينساه الفلسطينيون ولا الصهاينة، داخل مخيم جباليا للاجئين في عام 1987، عندما خرج سكان المخيّم بالحجارة لمواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي وولادة الانتفاضة الفلسطينية الأولى بين زقاق المخيم. واليوم عادت مشاهد الانتفاضة لكن الخصم ليس معلنًا، لأن المطلب الحقيقي هو تزويدهم بالكهرباء بشكلٍ منتظم في ظل الانقطاع المتكرّر لها، وتوفّرها لثلاث ساعات فقط يوميًا، رفعوا في البداية شعارات سلمية، خشية أن تلاحقهم تهمة "مخرّبون وضد الوحدة الوطنية".

المطالب كانت موحدة بين شبان مخيم جباليا، بعد أن أطلق شرارتها ثلاثة شبان، هم محمد التلولي وشكري أبو عون وعامر بعلوشة، خرجوا يوم الخميس الماضي ورافقهم الكبار والشيوخ، ووصلت أعدادهم لعشرات الآلاف، يطالبون بتزويدهم بالكهرباء. وهكذا رسم المخيم الأوّل والأكثر تعددًا في قطاع غزة من حيث السكّان، صورة موحّدة للمطالبة بحقوقهم، ضد سياسة شركة الكهرباء التي تقف وراءها سلطة الطاقة، وإلى هنا كانت المظاهرة سلمية.

بعدها، بدأت ملامح الحراك تتغيّر، عندما أطلق عناصر الأمن الرصاص الحي في الجوّ لتفريق المتظاهرين، غير أن المحتجين كانوا يهتفون بأن حراكهم سلمي، وبعدها زاد الضغط على المتظاهرين لاجبارهم على التراجع، وتطوّرت الاحتجاجات إلى رشق عناصر الأمن بالحجارة بسبب تدخلهم "العنيف"، وتوضّح الصور التي التقطت هناك، أن الأمن كان ضد سلمية المظاهرات.

خرجت وزارة الداخلية في غزة، بعدما انتشرت صور وفيديوهات "القمع" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتقول عبر ناطقها إياد البزم؛ إن التظاهرة التي خرجت احتجاجًا على أزمة الكهرباء، شهدت تخريب وسائل وممتلكات شركة الكهرباء، مما أستدعى قيام الشرطة بدورها في حماية المقرّ من أعمال الشغب. لكن الأخبار المتداولة أكّدت إصابة عدد من الشبان وصحفيين، خلال اعتداءات مباشرة، كان من بينهم مصوّر الوكالة الفرنسية في غزّة محمد البابا.

بعد فض المظاهرات يوم الخميس الماضي، حمل صباح يوم الجمعة ما لم يكن منتظرًا. المثير في الأمر أن الشباب المنظّمين للحراك أصدروا بيانًا مصورًا يطالبون فيه الأمن أن يكف عن فضّ اعتصاماتهم السلمية، وألا يحكم عليهم بأي تبعية حزبية وأنهم ضد الظلم.

وانتشر فيديو لشباب من القطاع، وهم يقسمون فيه على حبهم للوطن وأهدافهم الوطنية، أما الغريب في الأمر، فهو خروج قيادي حركة حماس في مظاهرات وإحراق صورٍ للرئيس الفلسطيني عباس ورئيس وزرائه رامي الحمد لله، وتحميله المسؤولية الكاملة عن أزمة غزّة، مما أثار أسئلة الأحزاب السياسية الأخرى، حول من يتحمّل هذه المسؤولية، هل الحاكم الفعلي للقطاع أم الحاكم الشكلي فقط؟

يقول القيادي في الجبهة الشعبية ذو الفقار سويرجو، في أوّل تعليق حول ما حدث: "على حماس أن تحكّم العقل وتبتعد عن النزق التنظيمي الضار، الذي سيدخلها في نفق هي في غنىً عنه الآن، وحراك الأمس أرعب الكثيرين وأوّلهم إسرائيل، وثانيهم الأمم المتحدة، والدليل أن ميلادينوف صباح اليوم، حذّر من الانفجار وناشد الدول للتدخل السريع، وقبل ساعة من الآن قدّم ليبرمان حزمة من التسهيلات لقطاع غزّة"، واعتبر المتحدّث أن جميع الدول الخارجية والأحزاب الداخلية، يعلمون أن غزّة لم تعد تمتلك شيئًا تخسره، وهنا يحضر منطق شمشون باستمرار "عليّ وعلى أعدائي".

وأمام تصريحات قيادة حماس واتهام حركة فتح، علّق الكاتب والباحث الحقوقي مصطفى إبراهيم على الاحتجاجات والحراك ضد أزمة الكهرباء، بأنها شعبية شبابية، معتبرًا أنها مطلب جميع الفلسطينيين في قطاع غزة، بما فيهم فتح وحماس، غير أنها يجب أن تظل شعبية، فدخول حركة فتح على خط الاحتجاجات سيفشلها كما أفشلت احتجاجات وحِراكات سابقة بتدخلها فيها".

لم تتوقّف قوّات الأمن عند هذا الحد، ففي ليلة الجمعة اقتحمت منزل الشاب عامر بعلوشة وعبثت بمحتوياته، وتم اعتقاله على خلفية تنظيمه للحراك، واقتحم الأمن منزل الشاب محمد التلولي وصادر محتوياته، وتعرّضت منازل آخرين للمداهمة والتخريب.

انتقلت المظاهرات إلى مخيّم البريج والنصيرات، وأعلنت مخيّمات القطاع توحيد المطالب لنصرة أبناء القطاع المطالبين بحقوقهم، لكن "القمع" كان حاضرًا أيضًا، فاعتقل الأمن الشاب ياسر وشاح من مخيم البريج وسط القطاع، وضياء نبيل أبو دلال من مخيّم النصيرات في المحافظة الوسطى، وقام بتفريق المئات الذين يطالبون بعودة الكهرباء.

التحق بالمعتقلين قبل ثلاثة أيّام الفنان عادل المشوخي الذي أحدث جدلًا حول ما يقدّمه من محتوى فنّي ساخر، فكان له نصيب أيضًا في الاعتقال لأنه وبشكلٍ مباشر وصف حماس بالحاكم الظالم، وطالب بحقوق سكان القطاع بالكهرباء لكن بطريقة سينمائية اقتبس فيها مشهدًا لعادل إمام في فيلم "إحنا بتوع الأوتوبيس"، لكن لم ترحمه عناصر أمن حماس كونه يعتبر موظفًا في صفوفهم، واعتبار ما قام به خروجًا عن قواعدهم العسكرية، رغم أنه يمارس أعماله الفنية منذ أكثر من خمسة أعوام.

لم تكن الاعتقالات التي مارسها الأمن هي الأولى من نوعها، ففي سبتمبر/ أيلول من عام 2015، قمع الأمن متظاهرين في مناطق الوسطى بمخيمات البريج والنصيرات، وفي جنوب القطاع في مدينة رفح وخانيونس أيضًا لمطالبهم بالكهرباء وإضرام النار في الشوارع ليلًا.

المساهمون