في ليبيا تأثر قطاع التعليم كغيره من مناحي الحياة بالأزمة التي تعيشها البلاد. واقع الانقسام السياسي قسم إدارة التعليم بين وزارتين إحداهما في الغرب والأخرى في الشرق، كما أنّ تدهور الوضع الأمني يؤثر مباشرة في تعطيل الدراسة في كثير من الأحيان بسبب الحروب.
يعزو محمد العروسي مدير إدارة الدراسة والامتحانات في وزارة التعليم في العاصمة طرابلس (غرب) تأجيل الوزارة العام الدراسي الذي كان من المفترض أن يبدأ في مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي الى تأخر صيانة كثير من المدارس، بالإضافة إلى أسباب لوجستية أخرى تتعلق بتأخر وصول الكتاب المدرسي، وهو ما جعل الافتتاح يتأخر شهراً ونصف الشهر، إذ ستستقبل المدارس التلاميذ بعد غد الأحد بعد اتفاق إدارتي طرابلس والشرق.
يقول العروسي لـ"العربي الجديد" إنّ "قطاع التعليم يعاني من مشاكل متراكمة منذ سنوات عرقلت سير التعليم مثل ازدحام المدارس بالتلاميذ بسبب النزوح من مناطق التوتر إلى مدن مثل طرابلس"، لكنّه يؤكد أنّ الوزارة تعمل على حلّ كثير من المشاكل لتلافي توقف الدراسة. يضيف: "أعيد توزيع التلاميذ لتلافي مشاكل الازدحام، فبعض المدارس وفرت بدائل للمدارس المدمرة بسبب الحرب، كما أنّ الكتاب المدرسي يكاد يتوفر في أغلب المدن والمناطق"، لافتاً إلى خطط تجرى مناقشتها لوضعها قيد التنفيذ لإنقاذ القطاع.
لكن، يبدو أنّ هذا العام الجديد سيواجه بمشكلة جديدة تتمثل في الدعوة إلى إضراب المعلمين، فقد قررت النقابة العامة للمعلمين وقف الدراسة في أنحاء ليبيا كافة، ابتداء من تاريخ 15 أكتوبر/ تشرين الأول، بالتزامن مع بدء العام الدراسي، بحسب بيان رسمي لها. كذلك، دعت النقابة جميع المعلمين إلى اعتصام بدءاً من التاريخ نفسه إلى حين الاستجابة لمطالب المعلمين والعاملين في قطاع التعليم، المتمثلة في زيادة الرواتب وحماية المعلمين والعاملين من الاعتداءات.
حتى الساعة لم يتبيّن مدى جدية هذه الدعوة، كما أنّ الوزارة لم تعلق على البيان رسمياً. لكنّ الدعوة تكشف عن جانب من المعاناة في البلاد كـ"العنف ضد المعلم" بحسب سالم مساعد، المعلم في إحدى مدارس طرابلس. يقول مساعد لـ"العربي الجديد" إنّ "الانفلات الأمني وغياب من يحمي المعلم شجعا التلاميذ على الاعتداء على المعلمين بشكل متزايد، كما أنّ لجان التفتيش على الامتحانات لم تعد قادرة على الحدّ من ظاهرة الغش بسبب الخوف من سطوة المليشيات".
يضيف: "كثير من التلاميذ الذين تسربوا من المدارس والتحقوا بالمليشيات عادوا لأداء الامتحانات فقط في نهاية العام الماضي من دون دراسة، ومارسوا الغش جهاراً ولم يجرؤ أحد على منعهم وسط تهديدهم لجان الامتحانات". يلفت مساعد كذلك إلى معاناة حقيقية يعيشها المعلم لجهة حقوقه "المسلوبة"، فراتب المعلم هو الأدنى في ليبيا، إذ لا يتجاوز 500 دولار أميركي بينما تفوق رواتب قطاعات أخرى 2000 دولار.
اقــرأ أيضاً
لا يبدو أنّ المعلم هو من يعاني في هذا القطاع، فالتلاميذ أيضاً عرضة لمشاكل تعرقل سير تعليمهم، مثل ازدحام الفصول الدراسية وتهالك المدارس وغياب الكتاب المدرسي، وغير بعيد عن أوضاعهم حالات التنقل بين المناطق والمدن بسبب النزوح جراء الحرب. تقول نعيمة بوزيدي، المعلمة في مدرسة الطلائع ببنغازي (شرق): "تعاني أغلب المدارس من عدة مشاكل تعيق العملية التعليمية كالكثافة العالية في الفصل الواحد، كما أنّ مدرستنا تحتاج إلى صيانة عامة وشاملة نتيجة تهالك المبنى ووجود تشققات فيه. نعاني أيضاً من مشكلة نظافة، فقد صدر قرار من وزارة التربية والتعليم يمنع أن يقوم التلاميذ أو المعلمون بتنظيف المدرسة في وقت لم يجرِ توفير عمال نظافة. حاولنا توفير عامل للنظافة بالمجهود الذاتي لكنّ الموضوع مكلف ولم يستطيع أن يقوم بالعمل المطلوب على أكمل وجه بسبب المساحة الكبيرة للمدرسة".
تؤكد بوزيدي أنّ ما لا يقل عن عشر مدارس ببنغازي كانت مأوى للنازحين من بيوتهم جراء الحرب في المدينة، وبالتالي توقفها عن العمل. تضيف أنّ "أربع مدارس دمرت تماماً لوقوعها داخل مناطق القتال".
بحسب نشرات البنك المركزي الليبي فإنّ ليبيا تنفق نحو خمسة مليارات دولار على رواتب موظفي قطاع التعليم. وقد أشار البنك إلى تزايد التعيينات العشوائية للمدرسين في بعض المدن. تعلق بوزيدي: "التعيينات العشوائية مشكلة كبيرة بالنسبة لنا فهي تجرى بسبب الجهوية والانحياز القبلي من دون النظر إلى مبدأ الكفاءة. امتلأت المدارس بالمعلمين غير الأكفاء الذين يجرى تعيينهم عشوائياً ويحملون مؤهلات لا علاقة لها بالتعليم". تلفت إلى أنّ المدارس تعاني من نقص كبير في اختصاصات مثل الرياضيات والكيمياء، بينما تجد فيها مدرسين يحملون اختصاصات غير مدرسية مثل الهندسة النفطية والجيولوجيا مثلاً.
من جانبه، يشير علي الناجم، وهو نازح من سبها في جنوب ليبيا يقيم في طرابلس، إلى أنّه اضطر لوقف تعليم أبنائه الثلاثة طوال عام كامل قبل أن يتمكن من إلحاقهم بمدرسة تبعد عن سكنه الجديد مسافة خمسة كيلومترات. يقول الناجم: "حتى الآن، لم تستقر أوضاع أبنائي في الدراسة فقد أطلقت الوزارة السنة ما قبل الماضية فصولاً استثنائية للتلاميذ النازحين ليتمكنوا من تعويض ما فاتهم، ما سبب تراكماً في المناهج الدراسية عليهم لسنتين لاحقتين. وبسبب ضعف أداء المعلمين اضطررت للاستعانة بمدرّس خصوصي لأشهر عدة، ثم توقفت عن ذلك بسبب ارتفاع المقابل المالي له".
مشاكل قطاع التعليم العام المتزايدة دفعت كثيراً من الليبيين إلى اختيار المدارس الخاصة، ففي طرابلس وحدها 300 مدرسة خاصة. بحسب العروسي فإنّ لجوء الآباء إلى المدارس الخاصة سببه أمني بالدرجة الأولى فهي تتوفر على حافلات لنقل التلاميذ ومبانٍ صحية. يلفت العروسي إلى أنّ خيار المدارس الخاصة ليس متاحاً لكلّ الليبيين بسبب ارتفاع رسوم الدراسة فيها، ويتابع: "صدر من وزير التعليم قرار بإيقاف عمل المدارس الخاصة إلى حين استيفاء الشروط ومعايير التعليم بسبب تجاوزات كبيرة في نتائج التلاميذ"، مشيراً إلى أنّ المدارس الخاصة أشبه بالمحال التجارية تسعى للحصول على المال على حساب جودة التعليم.
اقــرأ أيضاً
يعزو محمد العروسي مدير إدارة الدراسة والامتحانات في وزارة التعليم في العاصمة طرابلس (غرب) تأجيل الوزارة العام الدراسي الذي كان من المفترض أن يبدأ في مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي الى تأخر صيانة كثير من المدارس، بالإضافة إلى أسباب لوجستية أخرى تتعلق بتأخر وصول الكتاب المدرسي، وهو ما جعل الافتتاح يتأخر شهراً ونصف الشهر، إذ ستستقبل المدارس التلاميذ بعد غد الأحد بعد اتفاق إدارتي طرابلس والشرق.
يقول العروسي لـ"العربي الجديد" إنّ "قطاع التعليم يعاني من مشاكل متراكمة منذ سنوات عرقلت سير التعليم مثل ازدحام المدارس بالتلاميذ بسبب النزوح من مناطق التوتر إلى مدن مثل طرابلس"، لكنّه يؤكد أنّ الوزارة تعمل على حلّ كثير من المشاكل لتلافي توقف الدراسة. يضيف: "أعيد توزيع التلاميذ لتلافي مشاكل الازدحام، فبعض المدارس وفرت بدائل للمدارس المدمرة بسبب الحرب، كما أنّ الكتاب المدرسي يكاد يتوفر في أغلب المدن والمناطق"، لافتاً إلى خطط تجرى مناقشتها لوضعها قيد التنفيذ لإنقاذ القطاع.
لكن، يبدو أنّ هذا العام الجديد سيواجه بمشكلة جديدة تتمثل في الدعوة إلى إضراب المعلمين، فقد قررت النقابة العامة للمعلمين وقف الدراسة في أنحاء ليبيا كافة، ابتداء من تاريخ 15 أكتوبر/ تشرين الأول، بالتزامن مع بدء العام الدراسي، بحسب بيان رسمي لها. كذلك، دعت النقابة جميع المعلمين إلى اعتصام بدءاً من التاريخ نفسه إلى حين الاستجابة لمطالب المعلمين والعاملين في قطاع التعليم، المتمثلة في زيادة الرواتب وحماية المعلمين والعاملين من الاعتداءات.
حتى الساعة لم يتبيّن مدى جدية هذه الدعوة، كما أنّ الوزارة لم تعلق على البيان رسمياً. لكنّ الدعوة تكشف عن جانب من المعاناة في البلاد كـ"العنف ضد المعلم" بحسب سالم مساعد، المعلم في إحدى مدارس طرابلس. يقول مساعد لـ"العربي الجديد" إنّ "الانفلات الأمني وغياب من يحمي المعلم شجعا التلاميذ على الاعتداء على المعلمين بشكل متزايد، كما أنّ لجان التفتيش على الامتحانات لم تعد قادرة على الحدّ من ظاهرة الغش بسبب الخوف من سطوة المليشيات".
يضيف: "كثير من التلاميذ الذين تسربوا من المدارس والتحقوا بالمليشيات عادوا لأداء الامتحانات فقط في نهاية العام الماضي من دون دراسة، ومارسوا الغش جهاراً ولم يجرؤ أحد على منعهم وسط تهديدهم لجان الامتحانات". يلفت مساعد كذلك إلى معاناة حقيقية يعيشها المعلم لجهة حقوقه "المسلوبة"، فراتب المعلم هو الأدنى في ليبيا، إذ لا يتجاوز 500 دولار أميركي بينما تفوق رواتب قطاعات أخرى 2000 دولار.
لا يبدو أنّ المعلم هو من يعاني في هذا القطاع، فالتلاميذ أيضاً عرضة لمشاكل تعرقل سير تعليمهم، مثل ازدحام الفصول الدراسية وتهالك المدارس وغياب الكتاب المدرسي، وغير بعيد عن أوضاعهم حالات التنقل بين المناطق والمدن بسبب النزوح جراء الحرب. تقول نعيمة بوزيدي، المعلمة في مدرسة الطلائع ببنغازي (شرق): "تعاني أغلب المدارس من عدة مشاكل تعيق العملية التعليمية كالكثافة العالية في الفصل الواحد، كما أنّ مدرستنا تحتاج إلى صيانة عامة وشاملة نتيجة تهالك المبنى ووجود تشققات فيه. نعاني أيضاً من مشكلة نظافة، فقد صدر قرار من وزارة التربية والتعليم يمنع أن يقوم التلاميذ أو المعلمون بتنظيف المدرسة في وقت لم يجرِ توفير عمال نظافة. حاولنا توفير عامل للنظافة بالمجهود الذاتي لكنّ الموضوع مكلف ولم يستطيع أن يقوم بالعمل المطلوب على أكمل وجه بسبب المساحة الكبيرة للمدرسة".
تؤكد بوزيدي أنّ ما لا يقل عن عشر مدارس ببنغازي كانت مأوى للنازحين من بيوتهم جراء الحرب في المدينة، وبالتالي توقفها عن العمل. تضيف أنّ "أربع مدارس دمرت تماماً لوقوعها داخل مناطق القتال".
بحسب نشرات البنك المركزي الليبي فإنّ ليبيا تنفق نحو خمسة مليارات دولار على رواتب موظفي قطاع التعليم. وقد أشار البنك إلى تزايد التعيينات العشوائية للمدرسين في بعض المدن. تعلق بوزيدي: "التعيينات العشوائية مشكلة كبيرة بالنسبة لنا فهي تجرى بسبب الجهوية والانحياز القبلي من دون النظر إلى مبدأ الكفاءة. امتلأت المدارس بالمعلمين غير الأكفاء الذين يجرى تعيينهم عشوائياً ويحملون مؤهلات لا علاقة لها بالتعليم". تلفت إلى أنّ المدارس تعاني من نقص كبير في اختصاصات مثل الرياضيات والكيمياء، بينما تجد فيها مدرسين يحملون اختصاصات غير مدرسية مثل الهندسة النفطية والجيولوجيا مثلاً.
من جانبه، يشير علي الناجم، وهو نازح من سبها في جنوب ليبيا يقيم في طرابلس، إلى أنّه اضطر لوقف تعليم أبنائه الثلاثة طوال عام كامل قبل أن يتمكن من إلحاقهم بمدرسة تبعد عن سكنه الجديد مسافة خمسة كيلومترات. يقول الناجم: "حتى الآن، لم تستقر أوضاع أبنائي في الدراسة فقد أطلقت الوزارة السنة ما قبل الماضية فصولاً استثنائية للتلاميذ النازحين ليتمكنوا من تعويض ما فاتهم، ما سبب تراكماً في المناهج الدراسية عليهم لسنتين لاحقتين. وبسبب ضعف أداء المعلمين اضطررت للاستعانة بمدرّس خصوصي لأشهر عدة، ثم توقفت عن ذلك بسبب ارتفاع المقابل المالي له".
مشاكل قطاع التعليم العام المتزايدة دفعت كثيراً من الليبيين إلى اختيار المدارس الخاصة، ففي طرابلس وحدها 300 مدرسة خاصة. بحسب العروسي فإنّ لجوء الآباء إلى المدارس الخاصة سببه أمني بالدرجة الأولى فهي تتوفر على حافلات لنقل التلاميذ ومبانٍ صحية. يلفت العروسي إلى أنّ خيار المدارس الخاصة ليس متاحاً لكلّ الليبيين بسبب ارتفاع رسوم الدراسة فيها، ويتابع: "صدر من وزير التعليم قرار بإيقاف عمل المدارس الخاصة إلى حين استيفاء الشروط ومعايير التعليم بسبب تجاوزات كبيرة في نتائج التلاميذ"، مشيراً إلى أنّ المدارس الخاصة أشبه بالمحال التجارية تسعى للحصول على المال على حساب جودة التعليم.