مدن الأشباح

04 مارس 2018
+ الخط -
كثيرا ما نسمع ونقرأ عن مدن الأشباح التي هجرها سكانها بين ليلة وضحاها. ليس بالضرورة أن ننسج في مخليتنا الصورة الأسطورية عن مدن تجوب شوارعها وأزقتها وحاراتها الأشباح والأرواح الهائمة، وما إلى ذلك من أساطير اعتدنا أن نسمعها منذ الصغر.
دائماً، تعرّف مدن الأشباح على أنها المدن التي هجرها سكانها بسبب الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية وتفشي الأوبئة أو بسبب اضمحلال الموارد الطبيعية، ما يؤدي إلى توقف النشاط الاقتصادي فيها إلى درجة تحتم على سكانها هجرها والبحث عن ملاذ آخر، وأحيانا يتم هجرها قسراً، عن طريق شراء الحومات لها واستغلالها لأغراض أمنية وعسكرية، دائما ما تكون سرية، وهذا ما أقدمت عليه وكالة ناسا لبحوث الفضاء الأميركية، عندما اشترت أرضا في ولاية المسيسبي تصل مساحتها إلى حوالي 34 ميلا مربعا، وتم ترحيل سكانها بسبب المخاطر المحتملة من تجارب الصواريخ.
ومن المدن التي ظلت، عقودا طويلة، مهجورة ولا يسكنها البشر، مدينة بودي في ولاية كاليفورنيا. كان يقطنها حوالي 8500 فرد في العام 1879، وكانت مدينة مزدهرة بسبب التعدين ومناجم الذهب. وبعد عقود بدأت الثروات تنفذ من المناجم، وبدأ السكان يتخلون عنها تدريجياً، حتى تخلوا عنها تماماً، وأصبحت من المدن المهجورة، وحتى الآن لا زال هناك 150 مبنى على حالها، كما تركها سكانها بالضبط. وهناك أيضاً مدينة كاياكوي غرب تركيا، حيث تم ترحيل حوالي مليون يوناني، كانوا يعيشون فيها إبان الحرب اليونانية التركية في العام 1923، وعقب ترحيل هولاء، أصبحت المدينة خالية تماماً وتم تصنيفها لاحقاً موقعا تاريخيا.
وأحيانا تضطر حكومات إلى ترحيل سكان مدينة ما، بسبب الكوارث الطبيعية أو النووية، وهذا ما وقع في مدينة تشيرنوبل الأوكرانية التي كانت تحت السلطة السوفياتية آنذاك، حيث تم ترحيل سكانها بسبب انفجار المفاعل الرابع من مجموعة مفاعلات تشيرنوبل عام 1986، حيث بات من المستحيل العيش في تلك المدينة، نتيجة ارتفاع معدلات الإشعاعات النووية هناك، لتتحول المدنية بين ليلة وضحاها الى مدينة أشباح.
وخلال العقد الأخير من القرن العشرين، عمدت بعض الدول إلى استغلال المدن المهجورة، بتحويلها إلى مراكز جذب للسياح مثل مدينة بيراميدين النرويجية القطبية الشمالية، وكانت مشهورة بتعدين الفحم، وتعود ملكيتها إلى الاتحاد السوفيتي منذ عام 1927 حيث هجرها سكانها عام 1998 لأن مصادر الفحم أخذت تتضاءل تدريجياً لتتحول بعدها إلى مركز جذب للسياح، ولا زالت حتى الآن كما هي بما فيها من مكتبة مليئة بالكتب ومسارح وقاعات موسيقية.
وهناك مدينة كبيرة في الصين، تم بناؤها حديثا تدعى تياندوتشينغ، والتي بنت فيها الصين نموذجًا طبق الأصل من برج إيفيل الفرنسي المعروف، وتعد من عشرات المدن الصينية التي باتت تُعرَف بمدن الأشباح، نظرًا لبنائها السريع، في مقابل عزوف الصينيين عن السكن فيها، لتؤول معظم العقارات فيها إلى الأغنياء الذين يملكون القدرة على شراء بيوت فيها، وهم بالطبع يعيشون في بكين أو شنغهاي أو غيرها ولا يعيشون في مدينة الأشباح.
والحال كذلك في مدينة ارتاندو الإسبانية، حيث بنيت في ذروة نمو السوق العقاري، قبل أن تضرب الأزمة المالية البلاد عام 2008. وكان من المفترض أن تكون إرناندو أكبر تجمّع سكني خاص في أوروبا، كما روّجها القائمون عليها بـ 13،500 وحدة سكنية. والحقيقة أنّ كثيرا منها تم بناؤه بالفعل، ولكن في عام 2009، وبعد الأزمة، لم تستطيع الحكومة أن تبني فيها البنية التحتية المطلوبة من طرقات وشبكات مواصلات عامة، بل ولم يكن هناك توزيع للمياه بعد، إذ كانت تُسرَق عن طريق شركات خاصة، لتشغيل مشاريع البناء، لتصبح إرناندو اليوم مجرد ركام من دون بشر.
C886C0D5-CB99-439F-A73D-17E593199F15
C886C0D5-CB99-439F-A73D-17E593199F15
راميار فارس الهركي (العراق)
راميار فارس الهركي (العراق)