منذ نحو خمسة أشهر، تعيش غالبية المدن الليبية من دون كهرباء، تزامناً مع ارتفاع درجات الحرارة وتفشي وباء كورونا. وفقد الكثير من المواطنين الثقة بقدرة السلطات المنقسمة على نفسها على التوصل إلى حلول للمشاكل اليومية وتأمين الخدمات الأساسية، ما دفع أهالي مدينة سبها، جنوبيّ ليبيا، إلى التظاهر، رافعين لافتات كُتب عليها "ثورة الفقراء"، احتجاجاً على التهميش والتجاهل الذي يعانيه المواطن في جنوب البلاد.
في السياق نفسه، تجاوب سكان مدينتي طرابلس وبنغازي مع دعوات ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي للاحتجاج على غرار أهالي سبها، خصوصاً أن المعاناة واحدة.
وعلى الرغم من الإعلانات المتكررة من جهاز النهر الصناعي، الجهة المسؤولة عن تزويد مدن الساحل بمياه الشرب، عن عودة ضخ المياه، إلا أن ضعف الضخ حال دون وصولها إلى غالبية مدن الشمال، ما دفع إدارة الجهاز إلى التبرير، قائلة إن الأمر يتعلق بكثرة التعديات على خطوط المياه وتسرّبها من المحطات بين الجنوب والشمال أكثر من مرة، إضافة إلى أعطال أخرى بسبب تهالك خطوط الإمدادات، وآخرها الخطوط التي تصل بين محطتي ترهونة وجنوب طرابلس.
وعلى الرغم من تأكيد مدير قسم الصيانة في فرع الحساونة – سهل الجفارة التابع لجهاز النهر الصناعي، حسين فكرون، لأهمية الصيانة الدورية للمحطات وخطوط الإمداد، إلا أنه يؤكد لـ"العربي الجديد" أن السلطات في حكومتي طرابلس والبيضاء شرق البلاد، لا تتجاوب مع النداءات المتكررة من إدارة الجهاز، ما جعل الجهود التي يقوم بها الجهاز ذاتية وغير كافية.
من جهته، يقول المواطن عبد الرزاق الجالي، وهو من حيّ الدريبي في طرابلس، الذي ما زال ينقل المياه إلى بيته من بئر أحد المساجد في طرابلس، إن "أزمات المواطن مفتعلة، وقد بدأت بأزمة السيولة النقدية وانتهت بالمياه". يضيف: "يريدون أن يستفردوا بكل شيء في مقابل أن نغرق في أزماتنا من دون أن يحاسبهم أحد"، متهماً المسؤولين في الحكومات في ليبيا بالفساد. ويتشارك الجالي مع جيرانه في الاستعانة بسيارات نقل المياه من الصهاريج الزراعية خارج طرابلس، لكنه يضطر إلى الحصول على مياه الشرب من آبار المساجد.
وعن مشكلة انقطاع الكهرباء، تقول أمينة النكاع، وهي من حيّ السراج في طرابلس، إن قادة بعض المؤسسات يتاجرون بمعاناة المواطنين، مؤكدة في حديث لـ"العربي الجديد" أن الكهرباء تنقطع عن حيّ السراج في طرابلس مدة تصل إلى 15 ساعة يومياً، على الرغم من الوعود المتكررة من قبل حكومة الوفاق الوطني بإجراء إصلاحات واسعة في الشركة، كان آخرها إقالة مجلسها الإداري وتعيين بديل له. تضيف أن "الفساد أصبح ثقافة، وإن تغيرت الإدارات دورياً"، علماً أن السببين المعلنين هما انقطاع الوقود أو ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، اللذين يتكرران في كل صيف منذ سنوات عدة، لتنتشر المولدات الكهربائية في الأسواق. تضيف: "يجبروننا على شراء المولدات. هم يتاجرون بأزماتنا".
من جهته، يؤكد المسؤول في محطة جنوب طرابلس الغازية للكهرباء، محمود الحجاجي، أن "الشركة سعت إلى تطبيق برنامج طرح الأحمال (تقنين الكهرباء) بالتساوي. إلا أن مجموعات مسلحة في بعض المدن رفضته، ما يجعل الشركة مضطرة إلى زيادة التقنين في أحياء أخرى لضمان استمرار استقرار الشبكة التي يصل فيها العجز أحياناً إلى 1500 ميغاوات". يضيف الحجاجي لـ"العربي الجديد": "نحتاج على الفور إلى عودة الشركات الأجنبية المتعاقدة مع ليبيا لمتابعة محطات التوليد والنقل، لكن الظروف الأمنية تمنعهم"، مشيراً إلى أنه ليس لدى شركة الكهرباء أية صلاحيات لمواجهة المجموعات المسلحة. يضيف أن الانفلات الأمني ما زال يشجع عصابات السرقة على التعدي على مئات الكيلومترات من أسلاك الكهرباء، ما دفع وزارة الداخلية إلى تكليف قوة مشتركة لتأمين محطات الكهرباء، لكنها ما زالت عاجزة عن تأمين محطات مهمة خارج طرابلس، ما يعني استمرار أزمة الكهرباء.
وعلى الرغم من سماح السلطات للمواطنين والتجار بالعودة إلى الحياة خلال ساعات النهار، حيث تفرض حظر تجول ليلي كأحد الإجراءات لمواجهة تفشي كورونا، إلا أن الحياة توقفت لأيام عدة في العاصمة طرابلس، إضافة إلى مدن أخرى، بسبب الظلام التام الذي خيّم على البلاد لأيام عدة. وتقول النكاع إنه على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة وغياب الكهرباء، ما زالت السلطات تمنع المواطنين من الذهاب إلى البحر بسبب كورونا، مضيفة: "عليها أن تحل مشاكلنا، فنحن كالمساجين، وكأن الحكومة تريد الانتقام من مواطنيها". فيما يسأل الجالي: "إذا كانت الشركة عاجزة عن الصيانة، وإذا كانت الشركات الأجنبية ترفض المجيء لمواصلة عملها، فأين تذهب كل هذه الميزانيات التي تُعلَن سنوياً؟".