مراكب الهجرة تستنزف المغرب

09 سبتمبر 2014
+ الخط -

في صيف كل سنة، تؤوب جحافل المغاربة المقيمين في الخارج إلى بلدهم الأصلي وموطنهم الرسمي، لقضاء عطلة الصيف في رفقة ذويهم وأقاربهم. منهم من يستقل السيارة، وبعضهم يسافر جواً عبر الطائرة، وثلة منهم تفضل السفر بالباخرة. هذه الفئة الأخيرة من المهاجرين تنعم بجمال المياه وسحر الأمواج المتلاطمة التي تذكي روعة المنظر، وتزيد من متعة السفر. هذه المياه ذاتها شاهدة على قصص شراذم من الشباب المغاربة، لفظوا أنفاسهم في طريقهم إلى معانقة حلمهم في أوروبا، جنة الخلد وملاذ النعيم وموئل الثراء، حسب ما يجيش به خاطرهم، وما يدور في ذهنهم، وما يعتمل في خلدهم، هذه الشرذمة من الشباب أعجبوا بأوروبا إلى حد الوله، باتت أوروبا بالنسبة لكل منهم خلاصاً فردياً ينجيه من شظف العيش الذي يتنفس تحته، وينقله إلى النعيم الذي لا مكان فيه للمعاناة والآلام، ولا وجود فيه لقاموس الهموم.

تتوحد أسباب هجرة الشبان المغاربة في انعدام فرص العمل، ذلك أن الدافع الذي يحدو بهؤلاء الشبان إلى الهجرة يتمثل في عدم وجود ظروف عمل مشجعةٍ، توازي شهادات الشبان الذين كدّوا من أجلها طوال سنوات الدراسة الشاقة وعلى كر الأيام المتعبة، كما أن غياب مراكز للبحث ومخابر للتجريب يكبل الإبداع الكامن في دواخل الشباب، ولا يشجع هذه الطاقات الشابة على ارتقاء سلم الإبداع، ما يثبط عزيمة هؤلاء الشبان، ويدفعهم إلى التفكير في الهجرة إلى أوروبا، حيث الاعتناء بالطاقات الشابة والكفاءات العلمية الباحثة عن التألق وإثبات الذات.

ويزكي هذا الطرح ما أورده عالم المستقبليات المغربي، المهدي المنجرة، في كتابه "الحرب الحضارية الأولى"، بخصوص أن أكثر من 700 باحث مغربي في مستوى الدكتوراه فما فوق يعملون في المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا، علماً أن هؤلاء الخبراء تلقوا تعليمهم في المغرب. وبحسب هذا العالم، كذلك فإن التخلف يكمن في عدم الاستفادة من الكفاءات الموجودة، وقدم، في هذا الصدد، مثالاً عن إفريقيا، حيث ذكر أن ما بين 29 ألفاً إلى 30 ألفاً سنوياً من الكفاءات، تترك بلادها الأصلية في إفريقيا وتذهب إلى الغرب. وتعويضاً لهذه الكفاءات، تنفق إفريقيا سنوياً نحو خمسة مليارات دولار، لأجل أن تجلب خبراء من الغرب.

وتجعل الظروف الاجتماعية المعقدة لهذه الشريحة من المجتمع، والتي يغلب عليها الفقر بكل ضروبه، ومختلف صنوفه حلم الهجرة يساورخيال هؤلاء الشبان. كما أن وسائل الإعلام، بمختلف تفريعاتها وأجهزتها، تذكّي هي الأخرى جذوة الهجرة لدى هؤلاء الشبان، حيث تتشرب أذهان الشباب بكل ما يحكيه الإعلام عن أوروبا من أنها القارة التي تنبض بالنعم والآلاء، وتبحر في قارب الرقي والنماء.

وضعية الإعلام من خلال نقل هذه الصور تومض أشواق الشبان المغاربة، وتلهب حنينهم إلى جنة أوروبا، وتذكر بأغنية ''تعال بلا خيال''، فكأن وسائل الإعلام تكفي هؤلاء الشبان عناء التفكير وعناء نسج الصور حول أوروبا، إذ تقدم لهم كل ما يخص تمجيد أوروبا، وما يبقى لهؤلاء الشبان، بعد ذلك، إلا الهجرة من أجل معاينة ذاك النعيم وتلك الرفاهية في العيش بأعينهم.

ينداح المهاجرون في صمت الليل، ويستقلون قوارب الموت، أملاً في الوصول إلى الضفة الأخرى، حيث النعيم الذي افتقده هؤلاء الشبان في بلدانهم الأصلية!

واقع هؤلاء الشبان لم يلق آذاناً تصغي لهمومهم ومشكلاتهم، تنكر لهم الوطن الذي كان من المفروض أن يأويهم، وحتى جثثهم التي يلفظها البحر، والتي تعرضها عشرات القنوات لم تعد تحرك فينا أية مشاعر، بتنا نمر على صورهم مرور طيور السمان في رحلة الاصطياف والشتاء.

avata
avata
نبيل الهومي (المغرب)
نبيل الهومي (المغرب)