تصلح مراكز الإيواء التي تستقبل النساء المعنفات مع أطفالهن لأن تكون ملجأ مؤقتاً يحمي هؤلاء النسوة من خطر محدق بهن قد يصل حد الموت. ولكن هل تنفع تلك الملاجئ والمراكز لكي تكون الملاذ الدائم للمعنفات؟
بعض المعنيين والمراقبين يعتبرون أن مراكز الإيواء تتحول مع مرور الوقت إلى ما يشبه السجون التي تضم نساء يعانين من الخوف على مصيرهن ويقبعن داخل الجدران ليحمين أنفسهن وأطفالهن، فيختبئن من جور زوج أو أخ أو طليق يعتدي على إحداهن أو يهددها بالقتل. مراكز هدفها الحماية ولكنها بسبب عجز القوانين والتشريعات تصبح مآوي لنساء فاقدات للحرية والأهلية والقدرة على العيش باستقلالية.
البعض الآخر يجد في مراكز الإيواء تلك مصدر قلق اجتماعي، لأن المجتمع المحيط يعتبر أن النساء الهاربات من الظلم والمعرضات للخطر هن سيئات السمعة، والأعراف الاجتماعية ترسخ هذا التصنيف لهؤلاء النساء. وهكذا تنسحب تلك الصفة على المراكز، ما يجعل عمل الهيئات والمؤسسات التي تؤسسها مسألة اجتماعية شاقة.
الكثير من مراكز الإيواء تلك ليست مجهزة لإيواء النساء طويلاً، فهي بمثابة مراكز استقبال للتعرف على حالة الهاربة أو المشتكية، وبعدها يتم تحويلها إلى مؤسسات رعاية أخرى، أو يتم توكيل محام لها ليتابع قضيتها، أو يجري التوسط مع الطرف المعتدي لتأمين عودتها إلى بيتها.
مع وجود تلك المراكز لن نكف عن السؤال عن وزارات الشؤون الاجتماعية والمؤسسات الحكومية القاصرة عن الدفع باتجاه تشريع قوانين تحمي من العنف المنزلي وسفاح القربى والتحرش والاغتصاب حتى توفر على المجتمع مشاكل أسرية ومجتمعية لا حصر لها. وتقلل إلى الحد الأقصى جرائم الاعتداء على النساء وقتلهن باسم "الشرف"، وتجعل منهن أفراداً فاعلين في بيئاتهن وليس هاربات، وعندها تنحصر الحالات المعنفة، ويحلّ القانون -إذا وُجد-مشاكل آلاف الأسر المهددة بالتفكك والخراب.
حلول مؤقتة
في المغرب يوجد ثلاثة مراكز لإيواء النساء ضحايا العنف و5 مراكز لإيواء الأمهات العازبات. وأظهرت دراسة صادرة عن شبكة الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة "أنجاد" أن ما يقرب من 6 آلاف امرأة مغربية تعرضت للعنف بين 2010 و2011. وإن مركز الرابطة تلقى شكاوى 4817 امرأة معنّفة. في حين تلقى مركز الإيواء تليلا في الدار البيضاء 5800 تبليغ عن حالة عنف في الفترة نفسها. وهناك مركز تاويزا التابع لفرع الاتحاد الوطني النسائي بالحسيمة.
في تونس مركز واحد لإيواء النساء المعنفات، افتتح في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 في ولاية "بن عروس" كما أعيد تفعيل الخط الأخضر ومكتب الإرشاد والتوجيه لتلقي شكاوى المرأة المعنفة. أما في الجزائر فقد أسست جمعية "نساء في الشدة" مركز إيواء في 1995، واستقبل المركز خلال سنة 2008 حوالي 320 امرأة معنفة، تأتي كل واحدة منهن إليه لتمكث لفترة معينة.
في بلدان الخليج العربي، نشرت وزارة العدل الكويتية إحصائية في 2010 تشير إلى أن متوسط عدد قضايا العنف ضد المرأة خلال السنوات العشر الأخيرة بلغ 318 قضية في كل عام. ولا يوجد مراكز إيواء لهؤلاء النسوة في الكويت. في حين أن المملكة العربية السعودية تحوي 11 مركز إيواء للنساء. وفي الإمارات العربية هناك مركز إيواء يستقبل ما بين 30 إلى 60 حالة، كما يوجد مركز "قوارير" في إمارة الشارقة. في البحرين يجري العمل على إنشاء دار جديدة للإيواء تحت اسم "قرة العين". وفي قطر أنشئت مراكز إيواء إضافة إلى الخط الساخن للتبليغ عن حالات العنف.
وفي مصر، بينت دراسة صدرت في العام 2013 عن المجلس القومي للمرأة أن 28 في المئة من السيدات المصريات يتعرضن للعنف الجسدي أو اللفظي. ووفقا للدراسة التي أجريت على 13500 سيدة في 27 محافظة مصرية فإن معدلات العنف الممارس ضد المرأة في تزايد مستمر عن الأعوام السابقة.
في فلسطين مركزان للنساء المعنفات، في بيت لحم ونابلس، ولا يوجد أي مركز في غزة حيث الكثافة السكانية الأكبر، بينما تحوّلت النساء المعنفات في غزة إلى أحد المركزين المذكورين. مع الإشارة إلى أن مجلس الوزراء الفلسطيني قرر في 2011 إنشاء مراكز إيواء للنساء المعنفات وحدّد شروط وموجبات تأسيس المركز والحالات التي يمكنه استقبالها.
وفي الأردن كشفت إحصائيات وزارة التنمية الاجتماعية أن "نحو ربع الحالات التي تعاملت معها مكاتب الخدمة الاجتماعية في إدارة حماية الأسرة خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي، تم تحويلها إلى دار الوفاق الأسري في إربد لحماية المعنفات" التي تأسست العام 2007. وبلغ إجمالي عدد النساء الداخلات إلى الدار العام الماضي 900 امرأة من أصل 4697 حالة تعاملت معها مكاتب الخدمة الاجتماعية. في حين، استقبلت دار رعاية فتيات رصيفة (الخنساء سابقا) 89 معنفة دون سن 18 عاماً.
في كردستان العراق يشرف مكتب السليمانية على ملجأ موقت واحد تلجأ له المعنفات، ولا تستمر إقامتهن فيه أكثر من 72 ساعة، ثم يرسلن إلى أحد الملاجئ الخاصة بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية وآخر تابع لمنظمة مجتمع مدني هي منظمة أسودا. أما في الموصل فتقدمت "منظمة طفل الحرب" العام الماضي 2014 باقتراح لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية بإنشاء دور إيوائيةً للنساء المعنفات في المحافظات الجنوبية في كل من (البصرة وذي قار وميسان) وبتمويل من الحكومة البريطانية.
وفي لبنان توفر مؤسسة "أبعاد" إيواءً آمناً في 3 مراكز وهي مراكز مؤقتة للنساء المعنفات. كما هناك مراكز إيواء للجمعية المسيحية للشابات أحدها في إحدى ضواحي بيروت للنساء والفتيات المعنفات، وللجمعية مراكز في الشياح والبوشرية والحدث وجبيل كما في طرابلس وصور وأبلح ومرجعيون.
وكانت دراسة قد أشارت في العام 2013 إلى أن امرأة على الأقل تموت كل شهر في لبنان نتيجة العنف الأسري.
دعم مراكز الإيواء
ودعماً للدُور الآمنة التابعة لمؤسسة "أبعاد" في لبنان والخاصة بحماية النساء والفتيات من كافة أشكال العنف والاستغلال في لبنان، تعاونت مع مصمّم المجوهرات البرازيلي العالمي مارزيو فيوريني والخطاط كريم كنج لتصميم "سوار التضامن" والذي سيتم إطلاقه غداً الجمعة 27 مارس/آذار. ويعود مردود مبيع السوار لدعم الدُور الآمنة التابعة لها.
وتحت شعار"إنهاء العنف بإيدك!" اعتبرت "أبعاد" عبر صفحتها على الفيسبوك أن المساهمة في حماية النساء من العنف تجعل المساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان واقعاً ممكناً.
في النهاية تشعر المرأة المعنفة بالدونية إلى جانب مشاعر الخوف وعدم الأمان، كما أنها قد تحوّل العنف الموجّه لها إلى عنف موجه منها فتتكرر الصورة وتتوالى من الأم إلى ابنتها وهكذا دواليك. ولن تتوقف دائرة العنف إلا بالإصلاحات القانونية الجازمة التي تعاقب"فعلياً" مرتكبه أياً يكن.
اقرأ أيضاً:
بيوت آمنة للإيرانيات المعنّفات