وجرت جنازة الصماد في أجواء رعبٍ، وبحضور جماهيري ورسمي كبيرٍ، عكَس ما يمثّله فقدان الصماد بالنسبة إلى الجماعة، كرجل في موقع "الرئيس". وأكدت مصادر محلية في صنعاء لـ"العربي الجديد"، أنه، وعلى الرغم من تأثّر مستوى الحشد الجماهيري الذي سعى إليه الحوثيون، من حيث حجم المشاركة، بسبب أجواء التصعيد، فإنّ الجنازة مرّت كما كان مقرراً لها، بمراسيم رسمية وحضور قيادات بارزة، بالإضافة إلى مشاركة شعبية لأنصار الجماعة، الذين قِدم بعضهم من محافظات خارج العاصمة صنعاء، خلال اليومين الماضيين.
وبالتزامن مع التشييع، سعى "التحالف" إلى خطف الأضواء عن مراسم الجنازة، من خلال التحليق المكثّف في أجواء العاصمة، وإطلاق صاروخين على أحد المواقع القريبة من المشيعين في ميدان السبعين في صنعاء، في محاولة على ما يبدو للتأثير على حجم المشاركين، الذين أدوا صلاة الجنازة على الصماد في "جامع الصالح"، أكبر معلم في صنعاء، بعد أن غير الحوثيون تسميته إلى "جامع الشعب"، واختاروا أكثر الأماكن رمزية لصنعاء وهي منطقة السبعين، لتكون المثوى الأخير للصماد.
وخلال مراسم التشييع، كانت أنظار اليمنيين والمتابعين المهتمين تركّز على مستوى الحضور القيادي للجماعة في الجنازة، بسبب المعلومات المتواترة عن قصف "التحالف العربي" اجتماعاً لقيادات ومسؤولين أمنين تابعين للحوثيين، في مقر وزارة الداخلية اليمنية، مساء الجمعة. وشارك في الجنازة مهدي المشاط، خليفة الصماد في "المجلس السياسي"، ورئيس ما يُسمى بـ"اللجنة الثورية العليا"، محمد علي الحوثي، الذي ظهر تلقائياً بموقع الرجل الأول، وألقى كلمة خلال التشييع، أعلن خلالها أنهم يدركون بأن هناك خيارين لا ثالث لهما: "النصر أو الشهادة". وقال إن "شهداءنا في الجنة، وخصومنا في النار"، وهو خطاب طبيعي يعكس حالة الاستنفار التي فرضتها التطورات الأخيرة، على حساب الحديث عن أي حلّ سياسي ممكن. وقد كان ظهور المشاط والحوثي في الجنازة بمثابة أبرز مؤشر على أن الرجلين لم يكونا هدفاً لغارات الساعات التي سبقت التشييع.
وأكدت مصادر متطابقة في صنعاء لـ"العربي الجديد" أن سيارات الإسعاف نقلت ضحايا ومصابين إلى مستشفيات في العاصمة، على إثر موجة الضربات التي استهدفت مساء الجمعة - فجر السبت مقرات عدة، أبزرها وزارة الداخلية ومعسكر "النجدة" القريب منها، بالإضافة إلى أهداف في محيط الرئاسة وأخرى قرب مرتفع "الأمن السياسي". من جهتها، ذكرت وسائل إعلام قريبة من "التحالف" والحكومة الشرعية اليمنية أن الغارات "استهدفت اجتماعاً للقيادات الأمنية التابعة للحوثيين، ما أسفر عن مقتل 38 شخصاً"، وقالت إن مصير القيادي البارز في الجماعة، الذي يشغل منصب نائب وزير الداخلية في حكومة "الإنقاذ" الحوثية غير المعترف بها، عبد الحكيم الخيواني، ويُعرف بـ"الكرار"، لا يزال مجهولاً، بعد الضربة. وتحدثت وسائل إعلام سعودية عن مقتل الخيواني، وهو تطور إذا صحّ، سيكون الحوثيون بموجبه قد خسروا قيادياً بارزاً، هو المسؤول الفعلي والأول في وزارة الداخلية، هذا فضلاً عن أنباء تحدّثت عن مقتل وزير الداخلية عبد الحكيم الماوري، وقيادات أمنية أخرى، يمكن أن يحدث فقدانها تأثيراً كبيراً، إذا ما تأكد مقتلها بالقصف.
وفيما رفض الحوثيون التعليق على أنباء مقتل قيادات من الجماعة ومسؤولين موالين لها بموجة الضربات التي استهدفت صنعاء، أعلنت وسائل إعلامية تابعة للحوثيين أن الغارات نتج عنها ستة مصابين، وأنها خلفت أضراراً في منازل المواطنين. غير أنّ مصادر قريبة من "أنصار الله" طلبت عدم ذكر اسمها، أشارت لـ"العربي الجديد" إلى أن "الغارات سعت إلى استهداف الإعدادات لمهرجان تشييع الصماد والمسؤولين عن ترتيباته".
وتركت الضربات الجوية المترافقة مع تشييع الصماد أثرها المباشر على مستوى الحضور القيادي في الجنازة، إذ بدت واضحة أجواء التوتر، ومحدودية الكلمات الموجهة من المشاركين، وكذلك عدم الظهور الواضح للعديد من القيادات أمام الكاميرات. وكما كان متوقعاً، فقد اختار الحوثيون توقيت اكتمال تشييع الصماد لاتخاذ خطوة ترفع حماس مناصري الجماعة، عبر الإعلان عن إطلاق ثمانية صواريخ باليستية دفعة واحدة باتجاه جازان السعودية، كجزء من الردّ على عملية اغتيال الصماد وعلى الغارات التي حاولت التأثير على جنازة تشييعه في صنعاء. وأدت شظايا من الصواريخ إلى مقتل مواطن سعودي، بحسب ما أعلن المتحدث باسم الدفاع المدني في جازان، العقيد يحيي عبد الله القحطاني، موضحاً، بحسب ما نقلت عنه وسائل إعلام سعودية، أن "فرق الدفاع المدني تلقّت بلاغاً عن سقوط شظايا مقذوفات عسكرية أطلقتها عناصر حوثية من داخل الأراضي اليمنية باتجاه محافظة صامطة، ما نتج عنه وفاة مواطن، إضافة إلى تعرّض منزلين وثلاث مركبات لأضرار مختلفة".
وفيما أكّد التحالف اعتراض أربعة صواريخ أطلقها الحوثيون أمس، بات واضحاً أن مرحلة تصعيد جديدة دخلها اليمن أخيراً، عقب التصعيد الصاروخي للحوثيين ومقتل الصماد، في وقت يتوجّه التحالف إلى تركيز ضرباته الجوية على الأهداف المحتمل أن تكون فيها قيادات، من شأن مقتلها أن يكون له أثره البارز على الحرب، في مقابل حالة الاستنفار التي تعيشها الجماعة، بعد الاختراق الاستخباراتي الذي أدى إلى مقتل الصماد. ويأتي ذلك بالتزامن مع توجّه بوصلة العمليات الميدانية للتحالف نحو الحديدة، بمشاركة القوات التي يقودها طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، المدعوم إماراتياً، علماً أن مقتل الصماد في الحديدة كان له العديد من الأبعاد والدلالات المرتبطة بمعركة الساحل الغربي على نحو خاص، جنباً إلى جنب، مع التركيز على قصف صنعاء وبقية المناطق الخاضعة للحوثيين بضربات جوية، لا يمكن التكهن بآثارها، قبل أن تتضح بتغييرات ملموسة في المرحلة المقبلة.
في غضون ذلك، أعلنت قوات الجيش اليمني في محافظة حضرموت شرقي اليمن، أمس، عن إطلاق عملية عسكرية لملاحقة مسلحي تنظيم "القاعدة" في المناطق الشمالية الغربية للمحافظة. وأوضح المتحدث باسم المنطقة العسكرية الثانية في حضرموت، هشام الجابري، في بيان، أن عملية "الجبال السود" انطلقت أمس، "بدعم وإسناد من قوات التحالف العربي". وبحسب المتحدث، فإن العملية بدأت بانتشار واسع في المناطق الشمالية الغربية لحضرموت، وتحديداً في مديريات "دوعن" و"الضليعة" و"حجر" و"يبعث"، مضيفاً أنها جاءت "عقب رصد تجمعات وتحركات لعناصر التنظيم الإرهابي في هذه المناطق بعد أن لجأت إليها العناصر الإرهابية عقب تطهير مناطق ساحل حضرموت".
وفي سياق متصل، أعلنت شرطة مدينة عدن، جنوبي البلاد، أمس، عن مقتل أمير "ولاية عدن - أبين"، التابع لتنظيم "داعش"، واعتقال ثلاثة من أفراد التنظيم. وقالت إدارة الأمن في المدينة، في بيان، إنّ "أمير ولاية عدن أبين في تنظيم داعش الإرهابي، صالح ناصر فضل الباخشي، الملقب بـ"الحديدي"، قتل بعملية مداهمة أمنية لوحدة مكافحة الإرهاب وقوات الدعم والطوارئ، لمبنى كان يتحصن فيه إلى جانب عناصر أخرى في التنظيم".
ولفتت الشرطة إلى أنّها "عثرت في الوكر الذي كان زعيم التنظيم يتخذ منه منطلقاً لتنفيذ العمليات الإرهابية في عدن على هواتف نقالة وأجهزة آيباد وأسلحة رشاشة"، وقالت إن "الباخشي رفض تسليم نفسه وأطلق النار على قوات الأمن، ما أدى إلى مقتل جندي وإصابة اثنين آخرين". وحسب البيان، فقد اعتقلت الشرطة ثلاثة من عناصر التنظيم كانوا مع الباخشي، وسلموا أنفسهم واقتيدوا إلى التحقيق.